الآن لا يمكن لبريطانيا الاعتماد على «العلاقة الخاصة»

  • 2/3/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كان من الممكن أن يكون التوقيت أفضل من ذلك. بعد ثلاثة أعوام ونصف من تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أصبح "بريكست" حقيقة قانونية. كان الخلاف مع الأمريكيين بشأن الصين الأسبوع الماضي تذكرة صارخة بأن "استعادة السيطرة" من بروكسل لا تمنح القوة للعمل لاعبا مستقلا. عاد العالم إلى سياسة القوى العظمى. سيكون على بريطانيا أن تختار جانبا. قرار السماح لشركة هواوي الصينية للاتصالات بالمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس الرقمية في بريطانيا كان قرارا سيئا. ليس لأنه أثار غضب إدارة دونالد ترمب، ولكن لأن بريطانيا تخلت عن الأمن في المستقبل لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية قصيرة الأجل. لا عليك من التأكيدات بأن أهل المخابرات يمكن أن يخففوا من المخاطر المعروفة التي تترتب على دعوة شركة صينية إلى البنية التحتية الحيوية لبريطانيا. المخاطر كان من الممكن تجنبها. التهمة التي أثارها بعض مؤيدي ترمب المتحمسين بأن القرار يبرهن على أن بريطانيا استعادت السيادة من بروكسل فقط لتسليمها إلى بكين غير عادلة، حتى عندما توجَّه ضد حكومة لم تعمل إلى الآن على صياغة أي شيء يشبه السياسة الخارجية لمرحلة ما بعد "بريكست". الحديث عن "بريطانيا عالمية" جديدة لا يرقى إلى مستوى الاستراتيجية الكبرى. الغضب في البيت الأبيض إشارة مفيدة إلى أن واشنطن ليست على وشك المجيء للإنقاذ. عندما أخبر ونستون تشرشل الزعيم الفرنسي المنفي آنذاك، شارلز ديجول، في عام 1944 أن بريطانيا ستختار دائما أمريكا على أوروبا، كان يتحدث افتراضيا. لم يتم تأطير التصويت على "بريكست" على أنه خيار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن النتيجة هي نفسها. بعد 40 عاما حددت خلالها بريطانيا دورها في العالم من خلال ولائها الوثيق لواشنطن وشراكتها في أوروبا، أصبحت أمريكا الآن هي ما بقي لها. ستؤدي الحكومات في لندن حتما إلى إضفاء مزيد من الميل في السياسة تجاه ما أشاعه تشرشل بين الناس على أنه "علاقة خاصة". كان فعل الموازنة القديم - بريطانيا التي تعمل كجسر عبر الأطلسي - غير مريح في أغلب الأحيان، لكنه كان ناجحا في معظم الأوقات. باستثناء إدوارد هيث، كان كل رئيس وزراء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يؤثر الدعوات إلى البيت الأبيض على قمم بروكسل. لكن كان هناك خيار. بعد "بريكست"، هل لديهم مكان آخر يذهبون إليه؟ لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا من مقدار الوزن الذي ستحمله العلاقة. لا توجد بوليصة تأمين ضد تقلبات أهواء ترمب. في يوم جيد، يقول الرئيس إن بوريس جونسون هو صديق رائع ويعد رئيس الوزراء "بأفضل صفقة تجارية على الإطلاق". في الأيام السيئة، يهدد بفرض عقوبات على جونسون لإعطائه الضوء الأخضر لشركة هواوي. نحو نرجو أن يكون ترمب نسيجا وحده، لكن هناك دروسا ينبغي أن نتعلمها من تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الأول هو أن الأمريكيين لا يتأثرون عاطفيا إلى حد كبير بما يحب البريطانيون تسميته العلاقة الخاصة. عادة ما اتبع رؤساء الوزراء البريطانيون خطى تشرشل من خلال تغليفها في تلميحات محببة مثل اللغة والتاريخ المشترك والقيم المشتركة والأقارب وما شابه ذلك. بالنسبة للأمريكيين كان الأمر دائما يتعلق بالمصالح القومية الصعبة. لم يكن للمشاعر وزن عندما قطع هاري ترومان شريان الحياة المالي لبريطانيا في عام 1945، أو عندما سحب دوايت آيزنهاور الأكسجين من الجنيه الاسترليني لتخريب مغامرة أنتوني إيدن في السويس في عام 1956، أو عندما أمر رونالد ريجان القوات الأمريكية بغزو دولة جرينادا التابعة للكومنولث قبل إخبار مارجريت تاتشر. هذا لا يعني أن واشنطن لا تقدر العلاقة. بصرف النظر عن الطابع المشاكس أحادي الجانب لترمب، أدرك الرؤساء الأمريكيون أنه حتى أقوى دولة في العالم تحتاج إلى حلفاء، وأن بريطانيا على درجة الولاء نفسها، مثل غيرها. شبكة من العلاقات الحميمة – في المجالات الاستخبارية والعسكرية والنووية –تشكلت خلال الحرب العالمية الثانية جعلت لندن محطة أولى طبيعية عندما تريد الولايات المتحدة المساعدة. لكن سيتعين على جونسون التقدم بطلب للحصول على الاهتمام. تتراجع الولايات المتحدة عن أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة. تحول الأمريكيون إلى الداخل بسبب النزاعات المكلفة في العراق وأفغانستان، وحلت الصين محل روسيا باعتبارها المحور الرئيسي لمصالح واشنطن الجيوسياسية. بريطانيا بعد "بريكست" هي أيضا حليف أقل قيمة. لم تكن بريطانيا قط حصان طروادة الذي كان يتصوره الخيال الفرنسي المحموم، لكنها حملت بالتأكيد رسالة واشنطن إلى المجالس الداخلية للاتحاد الأوروبي. في الداخل، يجب أن تتحمل العلاقة الخاصة التدقيق السياسي والإعلامي الذي كان مخصصا في السابق لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. لن تفوز الحكومة بأي استحسان حين تبذل جهودا فوق الحد. لم يتخلص توني بلير من تهمة "الكلب التابع" بعد دعمه جورج دبليو بوش في حرب العراق. الخط الفاصل بين علاقة خاصة وتابعة خيط رفيع. يمكن للبريطانيين أن يكونوا حساسين إزاء النظر إليهم على أنهم الولاية الأمريكية رقم 51. لن يمر وقت طويل قبل أن تحث وسائل الإعلام الحكومة على "الوقوف في وجه" واشنطن. في الوقت الحالي، الجدل الدائر حول شركة هواوي والاختلافات عبر المحيط الأطلسي حول إيران وعملية السلام في الشرق الأوسط عملت على تطعيم جونسون ضد هذا الخطر. لكنه يحتاج بشدة إلى صفقة تجارية مع واشنطن، ولا يستطيع تحمل إتاحة الفرصة للمحيط الأطلسي لكي يصبح أعرض من القنال الإنجليزي. لكن يحسن بجونسون أن يتذكر تحذير رجل الدولة الأمريكي دين أتشيسون. أفضل ذكرى حول أتشيسون هي توبيخه بشأن بحث بريطانيا بعد الإمبراطورية عن مكانها في العالم، حين قال إن بريطانيا "فقدت إمبراطورية ولم تجد حتى الآن دورا". لكنه مضى يقول إن الدور الذي يقوم على علاقة خاصة مع واشنطن كان "شبه منته". كان ذلك في عام 1962.

مشاركة :