النواب والنفخ في قربة مقطوعة..!!

  • 2/4/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ـ1ـ الكثير من مواقف النواب تستدعي التأمل، بل والمراجعة والتشخيص، وأحسب أن من يحسنون الظن بهؤلاء النواب أن يرصدوا جيدًا حصاد هذه المواقف وما اذا كانت مضيعة للوقت، او هي ملبية على الأقل لبعض الطموحات، او محققة لبعض النتائج المستهدفة.. من ضمن هذه المواقف سعي بعضهم لإقرار مقترح نيابي يجيز للموظف العام الجمع بين الوظيفة والعمل التجاري..! وهو مقترح نتحفظ عليه بطبيعة الحال، خاصة إنه يتجاهل تجاهلاً مدهشًا أخبارًا ووقائع نشرت ويمكن الرجوع اليها والتذكير بها في أي وقت وكلها تشير بشكل وبآخر الى تداعيات ومخاطر استغلال الوظيفة العامة، والغريب إن المقترح المذكور سبق طرحه ورفضه في مجلسنا النيابي وكأن هناك من يتمادى في الإصرار على تمرير المقترح، وهو أمر مثير للانتباه حقًا وربما بعض الأسئلة الحساسة..! هؤلاء النواب ومبرراتهم للمقترح المذكور التي تصب في تحسين أوضاع موظفي الحكومة، فاتهم أولاً إن ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره الأخير المعلن عنه في أكتوبر من العام الماضي قد وضع يده على مشكلة الموظفين الحكوميين في عدد من الوزارت والهيئات الحكومية الذين يديرون أعمالًا تجارية تتضارب وطبيعة وظائفهم، وهو الأمر الذي دعا ديوان الرقابة من التحذير من مخاطر استغلال الوظيفة بعد رصده بعض حالات لتضارب الأنشطة التجارية التي يمارسونها مع طبيعة وظائفهم..! وفاتهم ثانيًا إن استصدار الموظف العام لسجلات تجارية من محظورات قانون الخدمة المدنية، وإن نص المادة رقم 21 من قانون الخدمة المدنية الصادر في عام 2010 ينص على منع ذلك، كما فات النواب ثالثًا رفض ديوان الخدمة المدنية على نفس المقترح تبناه وطرحه بعض النواب في أبريل 2017 من منطلق أن الهدف من الحظر هو حماية الوظيفة العامة، والحد من الإخلال بمستوى الأداء في الوظيفة الحكومية وأهدافها ورسالتها، مع تجنب التأثير على فرص العمل فى القطاع الخاص للمواطنين غير الموظفين. إلى جانب ذلك لا ينبغي أن يفوتنا موقف غرفة تجارة وصناعة البحرين الرافض ايضًا للمقترح أثناء تداوله في نفس ذلك العام، الغرفة رفضت المقرح، والأسباب هي: «احتمال الإضرار بالتاجر البحريني الذي لا يجد قوت يومه إلا من خلال التجارة، واحتمال مضاعفة تأجير السجلات التجارية، الأمر الذي سيضر بالاقتصاد المحلي، وسيفاقم انتشار العمالة السائبة، مع وجوب إبعاد الوظيفة العامة عن أية محاذير قد تؤثر عليها وعلى نزاهتها، والحد من تداخل المصالح الذي يؤدي بخلخلة الكثير من الأوضاع القانونية التي قد تنتج عن استغلال الوظيفة العامة المصانة بموجب الدستور».. لا نعلم إن كان ذلك خافيًا على النواب، او إن هؤلاء نسوا او تناسوا ربما لأغراض انتخابية، وهم الذين نفترض أنهم تناولوا التقرير باستفاضة تلك الإشارات الواضحة لديوان الرقابة، إن دول العالم على اختلاف انظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اعتمدت مبدأ منع الجمع بين الوظيفة العامة والعمل التجاري، لما في ذلك الجمع من تعارض واضح مع مفهوم الادارة العامة وحيادها وكفاءتها من جهة، ولما يتيحه هذا الجمع من فرص لاستغلال المنصب العام في تحقيق مصالح خاصة على حساب مبدأ المنافسة الحرة والعادلة من جهة ثانية..! العلاقة بين ظاهرة بيع وتأجير السجلات التجارية وبين السماح لموظفي الدولة علاقة واضحة وقوية، إذ ثبت إن كثيرًا من الموظفين أصحاب التراخيص التجارية كانوا يبيعونها للآخرين او يؤجرونها عليهم، وفي أحسن الأحوال كان الموظف يشارك غيره ويترك له الحق الكامل بالإدارة والتصرف، وبالتالي فإن من التناقض أن نسعى الى السماح بإصدار التراخيص التجارية وفق ضوابط كما تعلن وزارة التجارة، في الوقت الذي نفتح الباب لتجاوزات واستغلال الوظيفة العامة، ونعمل في نفس الوقت على السماح للموظف العام للحصول على تراخيص تجارية، ذلك يمكن بشكل او بآخر ان يؤدي الى ما ينبغي تجنبه، بدءًا من تعارض المصالح، مرورًا بمسألة ان الموظف العام صاحب الترخيص التجارى قد يكون منافسًا للشباب البحرينيين الراغبين في التفرغ للعمل الحر، او أولئك الذين انخرطوا في مسار ريادة الأعمال او حتى غيرهم من صغار التجار واصحاب المؤسسات الصغيرة وربما المتوسطة ايضًا، وقد يشكل السماح للموظف العام بالعمل الحر فرصة لاستغلال المنصب والعلاقات الرسمية وقد يفتح ذلك أبوابًا للفساد كما انه يفاقم من مشكلة تأجير السجلات التجارية على الأجانب او ما عرف بالتستر التجاري، وكأنه لا يكفي ما نحن فيه، وهذا فى حد ذاته ملف هام وساخن وخطير له تداعيات وأبعاد جمة كان الأجدر بالنواب جعله موضع الاهتمام الجدي لعلهم يساهمون في بلورة معالجات جذرية باتت ملحة أكثر من أي وقت مضي..!  الموظف إما أن يتفرغ لوظيفته ويؤدي مهامه كما يجب، وإما أن يترك الوظيفة ويتفرغ لعمله الحر، ومن الصعب التحدث عن إصلاح او تطوير اداري، ورفع جاهزية وكفاءة الجهاز الاداري الحكومي طالما ان هناك من ليس متفرعًا لعمله الرئيسي، ثم من يضمن حدوث ممارسات خاطئة من جانب هؤلاء الذين سمح لهم الجمع بين الوظيفة والعمل الحر.   ـ2ـ موقف آخر، بيان هيئة مكتب مجلس النواب بشأن تقرير «لجنة التحقيق البرلمانية بشأن عدم قيام الجهات المختصة ببحرنة الوظائف في القطاعين العام والخاص»، باعث على الحيرة وعلى العديد من التساؤلات.. من قرأ التفاصيل التي نشرت خلال الأيام الماضية لما خلصت اليه اللجنة من نتائج، يكتشف بأن جهدًا مقدرًا من أعضاء اللجنة قد بذل في تقرير فيه شيئًا من المهنية والموضوعية انعكست على النتائج التي نشرت مدعومة بالأرقام والمعلومات، وهي نتائج تستحق أن تكون موضع نقاش عام من الجهات المعنية، ومن الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، لأنها وضعت اليد وبجرأة ملحوظة على موضع الجرح في ملف البحرنة الذي كان ولازال من ضمن أهم الملفات التي تستحق تسليط الضوء عليها بكل جرأة وشفافية، خاصة إنه تناول أوجه التراخي والقصور من جهات رسمية عجزت على القيام بواجبها تجاه هذا الملف المؤرق، ولكن ما ليس مفهومًا ومستغربًا هو مسارعة إصدار بيان في اليوم التالي من نشر تفاصيل التقرير وباسم هيئة مكتب مجلس النواب وكأنه يتنصل بشكل او بآخر من تلك النتائج حتى وإن كان ذلك بذريعة ان «ما تضمنه التقرير مجرد مقترحات ارتأتها لجنة التحقيق حسب رأي أعضائها» إن مجلس النواب قد يعدل او يضيف او يحذف تلك الملاحظات، وإن المجلس قد يعيد التقرير الى اللجنة لإجراء مزيد من الدراسة، ولا تنسى أن تؤكد حرص مجلس النواب على تعزيز التعاون مع السلطة التنفيذية..! لن نقول سوى ما قالته النائب كلثم الحايكي بأن محتوى البيان المذكور «درس قانوني منزوع الدسم»، وإن صدور بيان بالمعنى الذي تضمنه يشكل سابقة لم تقم بها أي هيئة مكتب بعمر البرلمانات السابقة، وإنه كان يتعين على الهيئة ألا تكون ندًا لتقرير مهني احترافي أصدرته لجنة تحقيق مؤلفة من كوادر برلمانية مشهود لها بالنزاهة والموضوعية والحياد..! يا ترى بأي معنى يمكن أن يفهم ذلك؟ ثم هل المطلوب الحيلولة دون كلمة صدق في ملف يدرك الجميع أهميته وخطورته..؟ أخيرًا هل هناك من لازال يريد نوابًا حكوميين أكثر من الحكومة يستجيبون ويفعلون ويحققون ما يملى عليهم دون أن يقتحموا المواضيع الحساسة في ينابيعها وفي مصباتها ودون تصريحات او مواقف يبني عليها وفيها شيئًا من الصراحة والمسؤولية ؟! أسئلة مطروحة، هل من يجيب إجابات وافية ومقنعة ام إننا ننفخ في قربة مقطوعة..؟!!   ـ3ـ موقف ثالث تجلى في ذلك الموقف من النائب سوسن كمال التي خرجت مؤخرًا عن صمتها حين مناقشة قانون صندوق العمل «تمكين»، وهو الموقف الرافض لظاهرة النواب التجار، والداعي لأحد النواب مغادرة عقلية التاجر داخل البرلمان، والتفريق بين الربحية والمبدئية، وتأكيدها بأن على النواب لبس قبعة التشريعي وخلع قبعة التاجر تحت قبة البرلمان..!! لا نريد تحميل ذلك الموقف بأكثر مما يحتمل، ولكن يمكن القول وبثقة إن الصورة التي نطالعها على صحائف الواقع لا تدع مجالًا للشك ان ذلك الطرح كشف عن قدر من «التلوث» في سماء العمل البرلماني، فهل من يبحث ويدقق ما اذا كان ذلك يدخل في نطاق تعارض المصالح، واستغلال المنصب البرلماني وبكل ما يتعارض مع الدور الرقابي والتشريعي للنائب، أم إننا مرة أخرى ننفخ في قربة مقطوعة..!!

مشاركة :