سنسمع عبارة "مهاجر مناخي" مرارا وتكرارا، إذ تشير توقعات البنك الدولي إلى أن عدد هؤلاء المهاجرين قد يصل إلى 140 مليون مهاجر بحلول عام 2050. وكثيرا ما تشير وسائل الإعلام في أوروبا إلى اللاجئين الباحثين عن أمان باعتبارهم يشكلون "أزمة"، مع أن 84 في المائة من اللاجئين يعيشون حاليا في دول منخفضة الدخل، بينما احتمالية نزوح سكان الدول الأفقر بسبب الأحوال الجوية تزداد بنحو خمسة أضعاف، وتشكل هذه المسألة عبئا آخر يتعين على الدول منخفضة الدخل أن تتعامل معه. أما الدول مرتفعة الدخل المهددة بمخاطر تغير المناخ فتمتلك قدرات أكبر بكثير تمكنها من التعامل مع عواقبه. فشنغهاي مثلا واحدة من المدن الأكثر تعرضا للفيضانات عكفت بالتالي على تأسيس بنية تحتية لحمايتها من الفيضان منذ عام 2012، ويتوقع بلوغ تكلفة مشروع كهذا خمسة مليارات جنيه. والدول منخفضة الدخل لا تمتلك رأسمال كهذا لتستثمره. ينقلنا ذلك إلى السؤال الرئيس: ما الذي يمكن عمله لمعالجة هذه المشكلة؟ هناك بالفعل أشياء كثيرة. فالجانبان الرئيسان للتعامل مع تغير المناخ هما تخفيف حدته والتكيف معه. وبينما الدول مرتفعة الدخل هي التي تصدر معظم انبعاثات الاحتباس الحراري، يقع علينا نحن عبء الحد منها. ويبدو أخيرا أن علماء المناخ يحرزون فوزا في صراع الوعي، فقد توصل اقتراع أجري أخيرا إلى أن 73 في المائة من الأمريكيين أصبحوا يعتقدون الآن بحدوث تغير المناخ، وتلك نسبة عالية لم يسبق لها مثيل. علاوة على ذلك، ذكر 72 في المائة منهم أن هذا الأمر يهمهم بصفة شخصية. وليست هذه المسألة هينة لأنها تضع العبء على الحكومات والشركات كي تتحرك لما فيه مصلحة مواطنيها. وبالتالي فإن تعبئة الجمهور للضغط على هذه المجموعات ستكون هي نقطة التحول الحقيقية، وهناك بالفعل علامات على حدوث هذا الأمر. فقد انطلقت في كانون الثاني (يناير) في مدينة بروكسل مسيرة تضم 70 ألف شخص ينادون الحكومة باتخاذ إجراءات أفضل في مواجهة تغير المناخ، وهناك مجموعات مؤلفة من مواطنين من جميع أنحاء العالم يقاضون حكوماتهم أمام المحاكم لعدم اتخاذها إجراءات تواجه بها تغير المناخ. والنقطة الأساسية هي أن تخفيض الانبعاثات إلى أدنى حد عاجلا وليس آجلا أصبح ضرورة حتمية لأنه في نهاية الأمر أرخص الخيارات وأسهلها. وبينما يظل التركيز منصبا على الإجراءات الفردية التي تهدف إلى الحد من الانبعاثات، كاختيار وسائل النقل الأقل إصدارا للانبعاثات وشراء المحاصيل في مواسمها، حان الوقت كي تسارع الحكومات والقطاع الخاص لتولي مسؤولية هذا العمل. وتوصل تقرير مؤسسة CPD بعنوان Carbon Majors Report عام 2017 إلى أن ما لا يزيد على 100 شركة أصدرت ما يزيد على 70 في المائة من انبعاثات غاز الاحتباس الحراري الصناعية في العالم منذ عام 1988. وتمهد هذه الإحصائية الطريق إلى تحقيق تغير ملائم في النظام من خلال مطالبة هذه الشركات بتحسين ممارساتها. ويمتلك القطاع الخاص قدرة كبيرة على تحقيق تغير دائم ليس بالتخفيف من حدة تغير المناخ فحسب، وإنما أيضا بإخراج الناس من دائرة الفقر من خلال توفير فرص عمل لهم. وبينما يتحول كثير من الدول نحو القومية فالقطاع الخاص من المرشحين القلائل لتولي قيادة العمل في مواجهة تغير المناخ. ومع هذا، لن يتسنى تخفيف حدة تغير المناخ دون تعاون الحكومة من خلال السياسات البيئية، مثل الضرائب على الكربون، وخطط التكيف الوطنية، والمشاركة في اتفاقيات متعددة الأطراف. وكان النشاط الاقتصادي في القرن الـ20 يعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير، لذلك من شأن الضرائب على الكربون أن تعجل وتيرة تطوير مصادر بديلة للوقود واعتمادها. ومن المعروف أن تغير المناخ قضية عابرة للحدود تتطلب التعاون العالمي من أجل تحقيق هدفين هما تخفيف حدة آثاره ومساعدة الدول منخفضة الدخل على التكيف معه. غير أن تخفيف حدته والتكيف معه ليسا حلا سحريا لمعالجة عدم المساواة الموجودة في مختلف أنحاء العالم. وإنما سيتحقق ذلك من خلال صنع السياسات وإصلاح النظم الضريبية إلى جانب معالجة تغير المناخ. ورغم ذلك، لقد اخترت أن أكتب عن تغير المناخ حيث وجدته مهمشا بدرجة كبيرة في المناقشات التي تدور حول عدم المساواة. وإلى أن يتسنى تخفيف حدة تغير المناخ ومساعدة الدول المعرضة للخطر على التكيف مع آثاره، لن يتحقق أي تقدم حقيقي في السعي لمعالجة عدم المساواة. وإذا كانت الدول مرتفعة الدخل تعبأ حقيقة بمسألة عدم المساواة، كما تدعي، فلن تسمح إذن باستمرار تغير المناخ على مساره الحالي الذي يفضي إلى تدمير السكان أصحاب الدخل المنخفض. ومن المؤكد أننا لا نسير حاليا على المسار الصحيح لتخفيض احترار الغلاف الجوي إلى 1.5 درجة بنهاية هذا القرن. ولسنا حتى على المسار الصحيح لتخفيضه إلى ثلاث درجات مئوية. ووفقا للتقديرات الحالية، سيصل الاحترار إلى درجات مئوية بحلول 2100، وهو العام الذي سيعيش أطفال اليوم من مواليد أماكن مثل منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة "وليس سوازيلاند" كي يروه. وفي وجود شباب نشطاء أمثال جريتا تونبرج، الفتاة البالغة 16 عاما التي ألقت كلمة مفعمة بالحماس في الأمم المتحدة تدافع فيها عن قضية تغير المناخ، يحدوني أمل أن قادة المستقبل سيتحركون لمواجهة هذه القضية، لكننا لا يسعنا أن نركن إلى ذلك بانتظارهم. فنحن في حاجة إلى قيادة تتعامل مع تغير المناخ الآن.
مشاركة :