في احتفالاتها بمناسبة يوم تأسيسها، تستلهم قوة دفاع البحرين روحها الوثابة وقيمها السامية في الفداء والتضحية من مبادئ راسخة أرساها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى حفظه الله ورعاه، حينما تولى جلالته مهمة التأسيس ووضع لها انطلاقة فاعلة متجددة تستلهم ضوءها الأول من رؤى جلالته، لتبقى حصنًا واقيًا يحفظ الوطن وسيادته ودرعًا منيعًا يحمي استقراره ومكتسبات أهله.وها هي الذكرى الثانية والخمسون تأتي لتؤكد أن مسيرة تطور قوة دفاع البحرين منذ تخريج الدفعة الأولى من المجندين وصدور الأمر الأميري باعتبار يوم الخامس من فبراير 1969 ذكرى تأسيسها وحتى اليوم، ستواصل وتمضي قدمًا ولن تحدها حدود، وذلك كي تواكب أحدث ما توصلت إليه علوم وفنون السلاح والدفاع في العالم كله، ولمواجهة أي تغييرات إقليمية أو دولية يمكن أن تلقي بظلالها على أمن وسيادة الوطن ودوره في حفظ وصيانة أمن واستقرار المنطقة ككل.وليس بغريب أن تعكس هذه المسيرة الطويلة لقوة الدفاع الفداء والعطاء والعديد من الدروس والعبر والتجارب الوطنية التي تستحق الاحتفاء بها ونقلها للأجيال القادمة؛ كي تستخلص منها تلك القيم التي تشربها رجالات القوة على مدار تاريخها المجيد، وأيقنوا وعملوا بها، وباتت رصيدًا من أرصدتهم التي يجب أن تُورث، ولعل أول وأهم هذه الدروس يتمثل في الظروف التي أحاطت بعملية التأسيس، وبينت أهمية وضرورة البناء على ما يتوافر من إمكانات وموارد وسواعد وطنية.ففي الربع الأخير من عام 1968 فُتح باب التجنيد للدفعة العسكرية الأولى في تاريخ البحرين الحديث، والتي استقبلت أعدادًا كبيرة من الشباب البحريني المتحمس للقيام بواجبه الوطني المقدس، كما تم تغيير مسمى هذه المؤسسة العسكرية ليصبح كما هو الآن قوة دفاع البحرين بدءًا من الأول من نوفمبر 1969م بعد أن كان مسماها الحرس الوطني، إذ وُضعت خطط متكاملة لاستكمال مقومات القوة الأساسية، العسكرية منها والإدارية والبشرية، فقد تم إعداد مركز تدريب به التجهيزات والمعدات اللازمة، كما تم وضع أنظمة التجنيد واللوائح الضرورية لتسيير عمل القوة الوليدة بعناصرها من ضباط وأفراد.وفي غضون سنوات قلائل من تخريج الدفعات الأولى من المجندين المتطوعين واستقبال الضباط الخريجين، سواء من الكليات العسكرية أو الجامعات، وتوزيعهم على المهام العسكرية والإدارية بأسلحة ووحدات قوة الدفاع المختلفة، واصلت قوة دفاع البحرين طوال السنوات الماضية الجهد بالجهد لبناء درع وطني مسلح يضاهي في تميزه أرقى المؤسسات العسكرية، وهو ما مكنها ليس من شرف القيام بدورها المقدس في الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها ومنجزاتها فحسب، وإنما أيضًا من نيل ثقة الشعب واطمئنانه بقدرتها على الذود عنه.وتمثل الدرس الثاني من مسيرة بناء قوة دفاع البحرين في مواكبة بنيتها للعصر، إذ شهدت هذه البنية العديد من التغيرات ومراحل التطور الحضاري، فبعد انتهاء وضع اللبنات الأولى للجهاز الدفاعي الوطني كان لا بد من التعاطي مع مهام فرضتها، ليس اتساع احتياجات القوة ومتطلباتها من الأفراد والتجهيزات والتدريبات والتشكيلات فقط، وإنما أيضًا تغيّر الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بمملكة البحرين، وهو الأمر الذي أضفى عددًا من الملامح المتميزة على هيكل القوة التنظيمي والأدوار التي شرفت بأدائها وتولي مسؤولياتها، سواء داخل حدود البلاد أو خارجها بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء.وتجلى ذلك واضحًا بالنظر إلى عدة مظاهر مهمة، منها جلب واستيعاب أحدث الأسلحة والمعدات والتدريب عليها، فقد تطورت منظومة الأسلحة منذ بداية التأسيس لتصبح اليوم متكاملة تراعي متطلبات الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وإضافة إلى مواصلة فتح أبواب التجنيد لمزيد من المواطنين للعمل في مختلف أسلحة ووحدات قوة دفاع البحرين، تم البدء في ابتعاث بعضهم في الداخل والخارج للتزوّد بالعلوم والمعارف الحديثة واكتساب المهارات العسكرية فنيًا وميدانيًا التي تحتاجها قوة دفاع البحرين.كما تطورت مشروعات التدريب العملياتي لتشمل كل الأسلحة والأفرع، ولتتمكن من التعاطي مع جميع الظروف والتطورات، ولم تقتصر على المناورات والتدريبات الداخلية فحسب، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل عمليات التدريب المشتركة مع أجهزة قوى الأمن الأخرى بالداخلية والحرس الوطني، فضلاً عن التدريب والمناورة مع أجهزة الدول الشقيقة والحليفة والصديقة سواء بالمنطقة أو خارجها، واستهدف كل ذلك تطوير مستوى جاهزية واستعداد قوة دفاع البحرين لمواجهة الأزمات والكوارث والطوارئ سواء بسواء، وهو ما يضاف بالتأكيد إلى الأدوار الجديدة التي باتت تتولاها قوة دفاع البحرين وباتت تدخل في صميم اهتماماتها وأدوارها؛ وذلك نتيجة لزيادة التحديات والتهديدات المحيطة، فإضافة إلى أدوارها المعروفة في حفظ الأمن والاستقرار ومساندة قوى الأمن عند حدوث الكوارث والطوارئ، بات لقوة دفاع البحرين أيضًا إسهامها المتميز في تطوير البناء الحضاري والتنموي للبلاد، ناهيك بالطبع عن اتساع مشاركاتها ومساهماتها الخارجية، والأدوار المهمة التي تقوم بها لحفظ الأمن والاستقرارين الإقليمي والعالمي، في إشارة إلى تأمين خطوط الملاحة العالمية ومواجهة الإرهاب.ووفق فكر وطني أرساه حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى، الذي رأى أن الفداء والتضحية قيمتان رئيستان تجريان في دماء البحرينيين كافة، ويجب توظيفهما والفخر بهما، فقد عمدت القوة إلى الاستثمار في كوادرها الوطنية الذين كانوا على قدر المسؤولية طوال العقود الخمسة الماضية، ونجحوا في الإلمام سريعًا بالخبرات والتجارب التي أدخلتها القوة لتأهيل كوادرها وتدريبهم، ومكنتهم من أن يكونوا من خير أجناد الأرض ليحملوا على عاتقهم راية الحفاظ على استقلال البلاد وصيانة أمنها وسيادتها واستقرارها.لقد بنيت قوة الدفاع بسواعد أبناء البحرين، الأمر الذي كان يتعيّن معه تطوير مستوى العناية والاهتمام والرعاية والخدمات التي تقدم للجندي المقاتل، وهو ما يعد أحد أهم الدروس المستخلصة من مسيرة قوة دفاع البحرين طوال تاريخها، إذ حظي المورد البشري باهتمام كبير، وبدت مظاهر ذلك واضحة في المتابعة الملكية الحثيثة لاحتياجات قوة دفاع البحرين والوقوف دومًا على جاهزيتها، بجانب الاهتمام المتواصل من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، والزيارات المستمرة والمتابعة الحثيثة من قبل المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين، والتي عكست ملمحًا مهمًا من ملامح التطور في مسيرة بناء القوة التي تتواصل إلى الآن دون توقف، فضلاً عن تزويد منتسبي قوة دفاع البحرين بالخبرات التدريبية المناسبة، ونقل وتوطين وتبادل الخبرات العسكرية مع الحلفاء والأصدقاء والأشقاء، ومواكبة أحدث التكنولوجيات الدفاعية، ورفع المستوى الإداري والخدماتي في جميع الأسلحة والوحدات، وتوفير المنشآت الإدارية والأندية الحديثة التي تمكن رجال قوة دفاع البحرين من استثمار مواهبهم وأوقاتهم، وتسليم المشاريع الإسكانية المخصصة لمنتسبي قوة دفاع البحرين، وتكريم ضباط وضباط صف وأفراد قوة الدفاع ومنحهم الترقيات التي تناسب تطور مهاراتهم وأدوارهم، وهو ما يتزامن بالتأكيد مع تطوير المنظومة الطبية بالقوة، وعلى رأسها المستشفى العسكري ومستشفى الملك حمد الجامعي ومركز محمد بن خليفة التخصصي للقلب ومركز البحرين للأورام، والخدمات التموينية، بما يهدف في النهاية إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة لأفراد القوة، وتطوير كفاءتهم وتزويدهم بالاحتياجات الحياتية والمعنوية، فضلاً عن المهارات العلمية والفنية اللازمة التي تعينهم على شرف أداء المهام الوطنية الموكلة إليهم.ولا شك أن تلك الدروس والعبر المستفادة من مسيرة قوة دفاع البحرين التي تمتد على مدار العقود الخمسة الماضية تعد معينًا لا ينضب يمكن أن تنهل منه الأجيال الجديدة، ليسهموا بالغالي والنفيس في بناء الوطن وتنميته، وتراثًا ذاخرًا يستند إليه أبناء القوة أنفسهم في شتى مواقعهم، ليواصلوا العمل ليل نهار من أجل إعلاء كلمة الوطن والنهوض به في جميع المحافل الداخلية والخارجية.
مشاركة :