من استمع إلى تعهدات صهر مقتدى الصدر المنصب رئيسا للوزراء، محمد توفيق علاوي، قد يجمح به الخيال فيخطر على باله أن العراق، على يديْ هذا العلاوي بعد تنصيبه، سينام ليلة واحدة فقط ليفيق صباحا وهو ألمانيا جديدة، أو سويسرا أخرى، بلا مفخخات ولا طائفية ولا محاصصة ولا عمولات ولا صفقات، وأن المواطن العراقي غارق في الحرية والكرامة والتساوي في فرص العمل وأمام القانون، ولا تمييز، لا حكوميا ولا شعبيا، بين عضو في حزب إسلامي حاكم أو ميليشيا، وبين مواطن ليس عضوا في حزب أو ميليشيا، وأن أهالي شهداء تشرين سيُنصفون ويُكرمون، والجرحى سيعالجون، والمخطوفون والمعتقلون سيظهرون، وسيأخذون حقوقهم كاملة، وأن المهجرين والمُغرَّبين، داخل الوطن وخارجه، سيعودون إلى ديارهم آمنين وسيُعوضون، والسجون ستفرغ من ساكنيها الذين مكث بعضهم سنوات عديدة دون محاكمة، والفساد سيختفي، ونوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي ومقتدى الصدر وأقاربهم ومحاسيبهم سوف يساقون إلى ساحات القضاء العادل المستقل، بعد أن أصبح القانون هو الآمر الناهي، ولا كبير عليه ولا صغير. والحقيقة أن هذه الأحلام الوردية الجميلة التي أمطرها محمد علاوي، بكرم كبير، على المتظاهرين بعيدة عنهم وعن غيرهم من العراقيين، “بُعدَ اللَبَن عن وجه مرزوق” كما يقول المثل العراقي. محمد توفيق علاوي المسكين، الصغير الفقير والعبد المأمور، لم يكن يوما ولن يكون، هتلر أو موسوليني أو صدام حسين، ولا طرزان. طبعا، ومقدما، نتمنى أن يكون هذا العلاوي بطلا وطنيا حقيقيا مغسولا من كل سوء، ومُتحررا برجولة نادرة هذه الأيام من كل تبعية ووصاية، فيدخل التاريخ العراقي إلى جانب أبطاله الميامين، عبدالمحسن السعدون وفيصل الأول وجعفر أبي التمن ومحمد رضا الشبيبي ومحمد الصدر وفاضل الجمالي وعبدالكريم قاسم وعبدالرحمن عارف، وغيرِهم الآخرين الكثيرين، فيصبح حبيب الشعب، وزعيمه الأوحد الجديد. ولعل أكبر أخطائه وأخطرها وأكثرها استخفافا بعقول العراقيين، إضافة لخطيئة قبوله هذا الترشيح المغشوش، هو خطابُه الذي جعل فيه النهر مَرَقا وأشجار الغابة معالق، حسب المثل الشعبي العراقي القديم “الشط مرق والزور خواشيك”. فإذا كان صادقا في عزمه على تنفيذ جميع هذه الوعود الأكبر منه ومن الذين عيّنوه فهو لن يكون إلا واحدا إما مختلا وإما مصابا بألزهايمر، وإما منفصم الشخصية وسابحا في أحلام اليقظة، وإما محتالا أشِرا عنيدا يتعمد خداع الشعب المنتفض. وهو في جميع هذه الحالات مرفوض سلفا، ولن يمر ترشيحه بسلام. ويكفي أن مقتدى الصدر، وهو شقيق زوج ابنته، هو الذي استخدم العصي والمسدسات لفرض ترشيحه على جماهير ساحة التحرير ببغداد، بقوة السلاح وقلة الأدب والوطنية والضمير، وتآمر مع شقيقاته “الميليشيات الوقحة” الإيرانية للاعتداء على المتظاهرين في المحافظات الأخرى. وجدلا نفترض أن محمد علاوي مخلص وصادق ومصمم على الوفاء بوعوده، وخاصة في ما يتعلق منها بالمجرمين الذين سفكوا دماء شباب الانتفاضة، ثم أجرى فور تنصيبه، تحقيقات جادة وعادلة، ثم تبين له أن الذين ارتكبوا جرائم القتل والاختطاف والاغتيال هم مجندو بدر أو حزب الله أو العصائب أوالصدريون هل بإمكانه أن يحيلهم إلى القضاء؟ ثم إنه وعد المتظاهرين بمحاسبة الفاسدين. ترى لو اكتشف أن أكبر هؤلاء الفاسدين وأخطرهم هو نوري المالكي أو هادي العامري أو قيس الخزعلي أو مقتدى، أو كبار أعوانهم، فهل في إمكانه أن يأمر باعتقالهم، ثم يُطاع؟ وحتى لو أصدر قانون الانتخابات الجديد الذي يريده المتظاهرون، وحتى لو أجرى انتخابات مبكرة، فمن يضمن أن تحقق هذه الانتخابات ذلك التغيير الحقيقي والنزيه والجدي المنتظر والذي يمكن أن يعيد هؤلاء المتظاهرين إلى بيوتهم وهم راضون وآمنون ولا خوف عليهم من اختطاف أو اعتقال أو اغتيال؟ فحتى لو جرت الانتخابات المبكرة بإشراف دولي حقيقي وجاد، فإن أحدا لن يتوقع أن ترسل الأمم المتحدة والدول المحايدة الأخرى للعراقيين مليونا من المراقبين، فتضع على كل صندوق اقتراع واحد مراقبا واحدا يمنع أصحاب المسدسات والبنادق والمدافع والمتفجرات الميليشياوية من انتزاعه منه، وملئه بما يشاؤون. وستكون النتيجة هي ذاتها التي كانت في انتخابات 2005 و2010 و2014 و2018، وسيأتي البرلمان القادم أيضا ملكا من أملاك هادي العامري ومقتدى الصدر ونوري المالكي وحزب مسعود بارزاني وحزب جلال طالباني وأسامة النجيفي وإياد علاوي ومحمد الحلبوسي. و”تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي”. والخلاصة هي أن شيئا جادا وحقيقيا لن يتغير في العراق الإيراني الأميركي، أبدا أبدا، ما دام السلاح ليس بأيدي الدولة، وما دامت الدولة بأيدي قادة الميليشيات، والميليشيات بيد “المجاهد” إسماعيل قاآني، خليفة قاسم سليماني. فلن يقدر على نزع سلاح القتلة والنصابين ووكلاء المحتل سوى هتلر أو موسوليني أو صدام حسين أو طرزان. ومحمد توفيق علاوي المسكين، الصغير الفقير والعبد المأمور، لم يكن يوما ولن يكون، هتلر أو موسوليني أو صدام حسين، ولا طرزان. ومن هنا تبدأ الحكاية ولن تنتهي.
مشاركة :