ارتقى كيرك دوغلاس أحد آخر عمالقة السينما الأميركية الذي توفي الأربعاء عن 103 سنوات، إلى قمم هوليوود بعدما عاش طفولة فقيرة جدا في عائلة مهاجرين يهود من روسيا. وقد أكد وفاته في منزل العائلة في بيفرلي هيلز نجله الممثل الحائز جوائز أوسكار مايكل دوغلاس. وقال مايكل دوغلاس في بيان نشره عبر فيسبوك “بحزن عميق جدا أعلن وأشقائي أن كيرك دوغلاس رحل الأربعاء عن 103 سنوات”. وأضاف البيان “بالنسبة للعالم كان أسطورة وممثلا من عصر السينما الذهبي عاش حياة رائعة، لكن بالنسبة لي ولشقيقيّ جويل وبيتر كان ببساطة الوالد”. وكتب المخرج ستيفن سبيلبرغ أن دوغلاس “احتفظ بكاريزما النجم السينمائي حتى النهاية”. وغردت الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها المانحة لجوائز أوسكار قائلة “وداعا لأسطورة هوليوودية”. ويعدّ كيرك دوغلاس من آخر النجوم الكبار في عصر السينما الذهبي، وهو الذي جسّد في الكثير من الأحيان أدوار الرجل القوي الذكوري غير المحبّب كثيرا في حوالي مئة فيلم في مسيرة استمرت أكثر من ستة عقود. وكان دوغلاس المعروف بحبه للنساء ومغامراته العاطفية، أقر بأن الغضب كان يتملكه منذ الصغر بسبب طفولته الصعبة في نيويورك. وقال في مقال نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” العام 1988 بعد صدور كتاب سيرته الذاتية “لا يزال بعض الغضب في داخلي. وأنا أتردّد في التخلي عن هذا الغضب، لأنه كان الوقود الذي استخدمته في إنجاز ما أردت، فتراه في أفلامي وفي تقليد الناس لي”. أسطورة سينمائية بدأ كيرك دوغلاس الممثل والمنتج والمخرج بالظهور في أواخر الأربعينات وتواصلت شعبيته منذ ذلك الحين في مسيرة امتدت أكثر من 60 سنة، واستمرت رغم إصابته بجلطة دماغية. وأصبح أحد أكبر النجوم السينمائيين في العالم. وقد اشتهر خصوصا من خلال تأديته دور عبد متمرد في الإمبراطورية الرومانية استحال مصارعا في فيلم “سبارتاكوس” الشهير العام 1960. وأنتج دوغلاس هذا الفيلم أيضا الذي نال أربع جوائز أوسكار. وقد أشيد به كثيرا لأنه وضع في الفيلم اسم كاتب السيناريو دالتون ترومبو الوارد اسمه في القائمة السوداء للذين يشتبه في أنهم شيوعيون في حقبة ماكارثي وكانوا يمنعون عن العمل. ولم يفز دوغلاس الأب بأي جائزة أوسكار عن دور أداه رغم ترشيحه ثلاث مرات. فقد رشّح عن دوره كملاكم في “البطل” (1949) وكمنتج سينمائي لا يرحم في “السيء والجميلة” (1952) ومؤديا دور الرسام الهولندي فينست فان غوخ في “رغبة في الحياة” (1956). لكن الأكاديمية منحته أوسكارا فخريا عن مجمل مسيرته العام 1995 بعد أشهر قليلة على إصابته بجلطة دماغية، لأنه كان “على مدى خمسين عاما قوة إبداعية وأخلاقية في أوساط السينما”. ومن أدواره الكبيرة أيضا، تأديته شخصية جندي فرنسي في مهمة انتحارية فاشلة خلال الحرب العالمية الثانية في فيلم “دروب المجد” (1957) وشخصية دوك هوليداي أسطورة الغرب الأميركي في “غانفايت آت ذي أو كاي كورال” (1957) أيضا. وقال معهد السينما الأميركي الذي يضعه في المرتبة السابعة عشرة بين أكبر نجوم السينما الرجال “غالبا ما كان يحصل على أدوار الشرير والمتسلق غير الأخلاقي أو الأناني المنغمس في ذاته، إلاّ أن كيرك دوغلاس كان يدوّر هذه الزوايا القاسية مع نفحات ألم وفطنة وعطف”. وفي السبعينات، انتقل وراء الكاميرا لإخراج فيلم “سكالاواغ” (1973) و“بوس” (1975). وقد خاض كذلك غمار الكتابة واضعا أول كتاب سيرة ذاتية له بعنوان “ذي راغمانز سن” في العام 1988 ليؤلف بعد ذلك حوالي عشرة كتب أخرى. وفي سيرته الذاتية، كتب دوغلاس “لطالما اعتمدت نظرية مفادها أنه عند تمثيل دور شخصية ضعيفة، يجب أن تجد لحظة تظهر فيها قوية. وعند تمثيل دور شخصية قوية يجب أن تجد لحظة تظهر فيها ضعيفة”. طفولة صعبة ولد دوغلاس في نيويورك في التاسع من ديسمبر 1916 لوالدين أميين يهوديين مهاجرين من روسيا وكان الصبي الوحيد بين ست شقيقات. وقد واجه صعوبات كثيرة بسبب الفقر ومعادة السامية وإدمان والده الكحول ما جعل هذا الأخير يعمل في جمع الخرق. وقال في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، “لطالما شعرت بأنني دخيل وأنظر من الخارج. فهذه خلفيتي. كان والدي مهاجرا روسيا أميا يجمع الخرق، أي في أسفل السلم الاقتصادي”. وكان يحلم بالخروج من طفولته الصعبة من خلال التمثيل، وقد بدأ ذلك في المدرسة الثانوية وانضم لاحقا إلى الأكاديمية الأميركية للتمثيل. وعمل نادلا وعاملا في الحقول وحمّالا لكي يتمكن من كسب لقمة العيش. وفي العام 1941، انتقل إلى برودواي، إلاّ أن مسيرته الفنية الناشئة توقفت بسبب خدمته في البحرية خلال الحرب العالمية الثانية. مغامراته العاطفية كانت كثيرة وشملت نجمات مثل ريتا هايوورث ومارلين ديتريش وجون كروفرد وآفا غاردنر. وقد خاض أبناؤه الأربعة أيضا مجال التمثيل. وأنجب كيرك دوغلاس، ابنه المخرج والممثل الحائز جوائز أوسكار مايكل، فضلا عن جويل من زواجه من الممثلة ديانا ويبستر التي طلقها عام 1951. وبعد ثلاث سنوات، اقترن بالأميركية من أصل بلجيكي آن بادنس وأنجب منها بيتر، ومن ثم إريك الذي توفي من جرعة زائدة من المخدرات عام 2004. وقد واجه كيرك دوغلاس الموت أيضا فنجا من تحطم مروحية في العام 1991 ومن جلطة دماغية خطرة عام 1996 حرمته من القدرة على الكلام بشكل جيد. وعند بلوغه سنة المئة عام 2016، عزا كيرك دوغلاس، عمره المديد إلى زواجه الثاني. وقال لمجلة “كلوسر ويكلي” التي تعنى بأخبار المشاهير “كنت محظوظا بالتعرف على توأم روحي قبل 63 عاما، وأنا أؤمن بأن زواجنا الرائع والساعة التي نخصّصها ليليا لمناقشة الأمور، ساعداني على تحمل كل شيء”. وكان دوغلاس نفسه أقرّ في كتاب مذكراته بأن حياته العاطفية شهدت مغامرات كثيرة، لكنه عرف على الدوام التحكم بصورته.
مشاركة :