قال صندوق النقد الدولي إن دول الخليج العربية، التي تعد من أغنى دول العالم، قد تشهد تلاشي ثروتها المالية، إذا لم تتخذ إجراءات لتسريع الإصلاحات المالية في ظل ترجيح استمرار تدني أسعار النفط. وأضاف أن “جميع دول مجلس التعاون الخليجي تدرك الطبيعة الثابتة للتحدي الذي تواجهه… لكن السرعة والحجم المتوقعين لإجراءات الضبط المالي في معظم الدول، قد لا يكفيان لتحقيق الاستقرار في ثروتها”. وذكر الصندوق في دراسة حول “مستقبل النفط والاستدامة المالية” أنه “في ضوء الوضع المالي الحالي، فإن الثروة المالية القائمة للمنطقة قد تُستنفد في الخمسة عشر عاما المقبلة”. تسهم دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي قدر صندوق النقد صافي ثروتها المالية بنحو تريليوني دولار، بأكثر من خُمس المعروض النفطي العالمي، لكن اقتصادات المنطقة تضررت بشدة من جراء انخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. وتحاول تلك الدول منذ سنوات تنويع الاقتصاد وزيادة الإيرادات غير النفطية وإصلاح الاختلالات المالية، لكن صندوق النقد يرى أنها لم تتمكن من تعويض أثر تدني إيرادات النفط والغاز بشكل كامل حتى الآن. وقالت المؤسسة المالية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرا إن الطلب العالمي على النفط قد يبلغ ذروته في عام 2040 أو قبل ذلك بكثير إذا اتسعت الجهود التنظيمية لحماية البيئة وترشيد استهلاك الطاقة. وكانت دول الخليج تستخدم ثروتها من موارد الطاقة طوال عقود في توفير فرص العمل لملايين المواطنين في القطاع العام، الأمر الذي أدى إلى اختلالات في الموازنات بعد تراجع إيرادات صادرات الطاقة. لكن وظائف القطاع العام ذات الأجور المرتفعة والتي لا تتطلب مجهودا يذكر من العاملين أفرزت إنتاجية متدنية وثقافة استحقاق دون مسوغات، فضلا عن ارتفاع التكلفة مع نمو أعداد السكان. وتتعرض الميزانيات للمزيد من الاستنزاف بفعل الإنفاق العام السخي على الدعم والخدمات الاجتماعية ومعاشات التقاعد. وشرعت حكومات دول الخليج في إجراءات تقشف لكن بوتيرة بطيئة وتدريجية خشية التذمر الشعبي. وفرضت بعض الضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة في بعض الدول. لكن معظمها لا يزال يجد صعوبة في الموازنة بين الانضباط المالي والنمو. وقال صندوق النقد الدولي إن العمل بضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية كان خطوة إيجابية وإن “هناك فرصة كبيرة لاتخاذ هذا التقدم قاعدة يمكن البناء عليها”. وأضاف أنه “مع تحول المنطقة صوب اقتصاد غير نفطي، فإن تحول دول الخليج من تلك المستويات إلى ضرائب واسعة النطاق، قد يحقق تنوعا للإيرادات تشتد الحاجة إليه”. وكان صندوق النقد قد ذكر في الشهر الماضي أن الكويت، التي تملك أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، قد تحتاج إلى تمويل بنحو 180 مليار دولار على مدار الأعوام الستة المقبلة في ظل غياب المزيد من الإجراءات المالية الجذرية. وتتوقع السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، عجزا حجمه 50 مليار دولار هذا العام، ارتفاعا من 35 مليار دولار في العام الماضي. ويرى الصندوق أن دول الخليج، التي طالما اعتمدت بشدة على عوائد النفط قد لا تجد أي خيار سوى تسريع وتوسعة الإصلاحات الاقتصادية تجنبا لأن تصبح مقترضة صافية. وقدر صندوق النقد نسبة النمو الاقتصادي التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي في العام الماضي بنحو 0.7 في المئة في انخفاض كبير عن تقديرات عام 2018 البالغة 2 في المئة، بعد أن كانت تسجل نموا يزيد على 4 في المئة قبل انخفاض أسعار النفط في عام 2014. وذكر أن سوق الطاقة العالمي يشهد تغييرا كبيرا مع قيام التقنيات الحديثة بزيادة العرض، بينما دفعت المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي العالم إلى الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. وأكد الصندوق أن تلك التحولات “تمثل تحديا كبيرا في مجال الاستدامة المالية لدول الخليج” التي يجب أن تتكيف مع انخفاض الأسعار وتراجع الطلب لفترة طويلة الأجل. وتشير التقديرات إلى أن ديون حكومات دول الخليج ارتفعت في نهاية العام الماضي إلى نحو 500 مليار دولار مقارنة بنحو 100 مليار دولار في عام 2014.
مشاركة :