كان المدير الإسباني كيكي سيتين يتحدث لمدة 12 دقيقة ولم ينتهِ بعد من تصريحاته التي كان يحاول من خلالها التأكيد على أن كل شيء على ما يرام داخل نادي برشلونة، عندما سُئل عما إذا كان يشعر بالأسف لتوليه القيادة الفنية للنادي الكاتالوني. ورد المدير الفني الإسباني قائلاً: «لا بكل تأكيد. صحيح أنه قبل شهر واحد من الآن كنت أجلس في المنزل بلا عمل ولم تكن لدي أي مشاكل، لكن هذه مشاكل تدعو للسعادة. لدي الحماس نفسه دائماً، والإرادة نفسها، لأن حياتي لم تكن سهلة. أنت تعرف أن الأمور هنا ستكون صعبة، وتعرف أن التداعيات ستكون هائلة، لكنني دائماً ما أصمد في وجه المصاعب ولا أستسلم أو أسقط بسهولة». ولم يقل أحد إن المهمة ستكون سهلة في النادي الكاتالوني، لكن لم يكن أحد يتخيل أنها ستكون بهذه الصعوبة. أما بالنسبة للمشاكل، فهناك كثير منها بكل تأكيد. وقال سيتين عندما وصل إلى برشلونة في 13 يناير (كانون الثاني) الماضي: «ليس من الطبيعي بالنسبة لي أن أتولى قيادة فريق في القمة»، لكن لم يكن من الطبيعي أيضاً أن تتوالى الأحداث بهذه السرعة في برشلونة. كما أننا لم نعرف بعد تداعيات المشكلة الأخيرة - قيام نجم الفريق وقائده ليونيل ميسي بانتقاد المدير الرياضي للنادي، إريك أبيدال، على الملأ. وتحدث رئيس النادي، جوزيف ماريا بارتوميو، مع أبيدال وليونيل ميسي بعد الجدل المتبادل، ساعياً لإعادة الهدوء للنادي. وبعد اجتماع طويل، تم اتخاذ قرار بالإبقاء على أبيدال في منصبه. وفي اليوم السابق لإدلاء سيتين بهذه التصريحات، تم التأكيد على أن مهاجم الفريق (الأوروغوياني) لويس سواريز يحتاج إلى إجراء عملية جراحية ستجعله يغيب عن الملاعب لمدة 3 أو 4 أشهر. وكان برشلونة قد باع اثنين من مهاجميه؛ كارليس بيريز وأبيل رويز، لجمع الأموال وإفساح المجال أمام التعاقد مع مهاجم آخر، لكن النادي فشل في التعاقد مع مهاجم جديد. وكان برشلونة قد استغنى أيضاً عن كل من كارليس ألنيا، وجان كلير توديبو، وموسى واجو، لكنه لم يتمكن رغم ذلك من جمع الأموال اللازمة للتعاقد مع مهاجم من العيار الثقيل يكون قادراً على قيادة الخط الأمامي في غياب سواريز. وقال سيتين إن عودة اللاعب الفرنسي عثمان ديمبيلي من الإصابة ستكون هي «الصفقة الجديدة»، مشيراً إلى أنه في طريقه لاستعادة لياقته البدنية وأنه «سيطير» داخل المستطيل الأخضر. ثم جاءت الأنباء المفجعة بأن اللاعب الفرنسي قد تعرض لإصابة جديدة سوف تبعده عن الملاعب حتى نهاية الموسم! ويعني ذلك أن الفريق قد أصبح أضعف - وليس أقوى - من الحالة التي كان عليها قبل وصول سيتين، وهو ما يأتي على خلاف الوعود التي تلقاها المدير الفني الإسباني بتدعيم صفوف الفريق، مع تراجعه للمركز الثاني في جدول الدوري ثم الخروج من كأس إسبانيا إثر الهزيمة أمام أتلتيك بلباو بهدف مساء الخميس، وهو اليوم الذي كان على مدافعه صمويل أومتيتي الوقوف صباحاً أمام القضاء بسبب اتهامه بارتكاب تلفيات بقيمة تصل إلى نحو 170 ألف جنيه إسترليني في شقة كان يستأجرها. وفي نهاية الأسبوع، اعترف لاعب الوسط إيفان راكيتيتش بأنه غير سعيد بالكيفية التي حاول بها برشلونة إجباره على الرحيل. وفي الوقت نفسه، كان وكلاء أعمال أرتورو فيدال قد بدأوا بالفعل إجراءات قانونية ضد النادي بشأن مكافآت يرى اللاعب أنه كان من المفترض أن يحصل عليها. وبعد ذلك، وكأن كل هذا لم يكن كافياً، أجرى أبيدال مقابلة صحافية قال خلالها إنه متفائل بأن ميسي سيوقع على عقد جديد مع النادي، وإن النجم الأرجنتيني سعيد في «كامب نو». لكن ما قاله رداً على هذا السؤال تم تهميشه بسبب ما قاله رداً على أسئلة أخرى، وجاء منافياً لتصريحاته بشأن ميسي، حيث أشار إلى أن بعض لاعبي برشلونة كانوا «غير راضين» عن المدرب السابق إرنستو فالفيردي - أو أنهم المسؤولون عن إقالته، بعبارة أخرى. وقال أيضاً إن هؤلاء اللاعبين «لم يعملوا بجد». لكن هذه الاتهامات لم ترق إلى ميسي، الذي يحظى بقدر كبير من السلطة في «كامب نو» ويرى أنه من مسؤوليته الحفاظ على الهدوء داخل غرفة خلع الملابس. ولم يستغرق الأمر أكثر من 90 دقيقة من نشر تصريحات أبيدال لكي يرد ميسي، وبالتالي بدا الأمر كأن هناك قدراً كبيراً من الانقسام والاستياء داخل النادي الكاتالوني. وعلى حساب ميسي بموقع «إنستغرام»، تم رسم دائرة حمراء حول تصريحات أبيدال التي قال فيها إن «كثيراً من اللاعبين لم يكونوا راضين ولم يعملوا بجد»، وتحتها طلب ميسي من أبيدال أن يتحمل مسؤولية أفعاله، متهماً إياه بـ«تلويث سمعة» اللاعبين، وتحدى أبيدال بأن يكشف عن أسماء اللاعبين الذين لم يعملوا بجد. ومن المؤكد أن ميسي يتحمل المسؤولية بشكل أكبر مما ينبغي، لكن كثيرين يعتقدون أنه كان محقاً تماماً في رد فعله، وأنه لم يكن يتعين على أبيدال أن يدلي بمثل هذه التصريحات. لكن على أي حال فقد وقع الضرر، وقد أدى ذلك لإثارة بعض المخاوف التي تتعلق باحتمال رحيل ميسي عن «كامب نو». ويوجد بند في عقد ميسي يسمح له بالرحيل في نهاية الموسم - ومجاناً. وقد أكد اللاعب البالغ من العمر 32 عاماً مراراً وتكراراً أنه يريد أن ينهي مسيرته في برشلونة، لكنه أكد أيضاً أنه يريد المنافسة على كل البطولات، لكنه شعر خلال السنوات الخمس الماضية بأن برشلونة لم يكن بالقوة المطلوبة للمنافسة. وخلال حصوله على جائزة أفضل لاعب في العالم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أشار النجم الأرجنتيني لأول مرة إلى مسألة اعتزاله. وهناك شعور متزايد بأن سنواته الأخيرة تضيع هباء بسبب تدني مستوى برشلونة، ومن المؤكد أن ميسي نفسه قد ينتابه هذا الشعور. ولم يحصل ميسي على لقب دوري أبطال أوروبا منذ 5 سنوات. وقد رأى النجم الأرجنتيني أن برشلونة قد فشل في بناء فريق قوي من حوله - سواء كان هو شخصياً يمثل جزءاً من هذه المشكلة أم لا - كما رأى أن جيلاً من اللاعبين البارزين في النادي قد اعتزل ولم يتم استبدال جيل قادر على قيادة النادي إلى منصات التتويج به. لقد رأى النجم الأرجنتيني أن هناك عدم وضوح في الرؤية داخل برشلونة، كما رأى النادي يتعاقد مع 4 مديرين للكرة وعدد لا يحصى من المستشارين في الفترة التي لعب خلالها للنادي. كما رأى رئيس النادي يصبح نائباً للرئيس، ورأى مستوى الفريق وهو يتراجع، رغم إنفاق مليار يورو على تدعيم صفوف الفريق منذ رحيل نيمار. والآن وبعد كل هذا، لم يكن من الغريب أن ينفد صبر النجم الأرجنتيني. ولم يكن رد فعل ميسي بمعزل عن الأحداث التي يشهدها النادي، حيث كانت هناك مؤشرات على الفوضى وعدم الثقة والانقسامات والانشقاقات في كل مكان. لقد امتنع ميسي عن التقاط صورة له مع رئيس النادي بعد تجديد عقده الأخير، كما لو كان متردداً في إضفاء الشرعية عليه، كما أن ميسي هو من قال إن مدير النادي خافيير فاس - الذي أشار إلى عدم وجود سبب وجيه يدعو إلى توقيع ميسي لعقد جديد كل عام - «لا يعرف شيئاً عن كرة القدم»، كما أن ميسي هو من أشار إلى أن رحيل صديقه داني ألفيس كان بمثابة «ضربة قوية» لمجلس إدارة النادي. ومنذ أن رحل نيمار إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، كان هناك شعور بأن النادي قد فشل في الوصول إلى الحل المناسب لإعادة النجم البرازيلي. وكان الحل الوحيد لهذه المشكلة يتمثل أيضاً في ميسي، الذي كان بمثابة «الدرع» الذي يختبئ خلفه الكثيرون. وفي الحقيقة، فإن ميسي نفسه يريد أن يشارك في تحمل جزء من هذا العبء، وأن يبني النادي فريقاً قوياً من حوله. لكنه في الوقت نفسه كان يتعين عليه أن يتساءل عما كان يجب عليه القيام به، ولماذا يتوقف الأمر عليه دائماً. وفي الأسابيع القليلة الماضية، كان حتى أفضل صديق له، وهو سواريز، غائباً، وهو الأمر الذي جعل ميسي يبدو وحيداً بالملعب. وخلال الصيف الماضي، شاهد ميسي صديقه الآخر، نيمار، وهو يلجأ للقضاء ضد برشلونة، رغم أن كل طرف قد أمضى هذا الصيف يغازل الطرف الآخر من أجل لم الشمل مجدداً. ثم قال ميسي: «لا أعرف ما إذا كان النادي قد فعل كل ما بوسعه للتعاقد معه أم لا». من المؤكد أن ميسي يريد أن يعود نيمار، لكنه لم ينجح في تحقيق هذه الرغبة، مهما قيل عن أنه المتحكم والمسيطر في كل شيء في برشلونة. لكن المفارقة تكمن في أنه لو كان النادي قد أقال أبيدال - وهو ما سيكون قراراً سيئاً لأن البديل سيكون أسوأ، على الأقل على المدى القريب - فإن هذا القرار سيدعم الفكرة بأن ميسي هو المتحكم في كل شيء في برشلونة. وفي النهاية، يجب التأكيد أنه لا يوجد لاعب آخر مثل ميسي. كما أن رد فعله على تصريحات أبيدال يظهر، على الأقل، أنه شعر بأنه المقصود من هذه التصريحات، وبالتالي يتعين عليه ألا يدع الأمور تمر بهذه البساطة. لقد طلب من أبيدال أن يكشف عن أسماء اللاعبين الذين يرى أنهم لم يعملوا بالشكل المطلوب، لأنهم لم يكونوا سعداء تحت قيادة فالفيردي، كأنه يريد أن يقول للمدير الرياضي للنادي: «ربما لم يكن البعض سعيداً، وربما لم يعمل البعض بجد، لكن لا تنظر إلي، ولا تختبئ خلفي أيضاً». ومن المؤكد أن ميسي يتحمل قدراً من المسؤولية يجعله يتحمل أخطاء الآخرين كما يتحمل أخطاءه الشخصية، كما كان له دور في تراكم المشكلات داخل النادي منذ قدوم سيتين، وقبل كل شيء يتحمل قدراً من المسؤولية فيما يتعلق بالفوضى التي تسيطر على النادي في الوقت الحالي.
مشاركة :