تجربة البنزرتي تلهم شبان تونس لخوض غمار التدريب

  • 2/9/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

وضع المدرب التونسي طارق جرايا بصمته في عالم التدريب وبات نجما في بؤرة الضوء. هو شاب يشق طريقه بنجاح، وأصبح يتسلق سلّم النجومية بخطى ثابتة. فاجأ الفني الصاعد كل الملاحظين بنجاح فاق التوقعات لاسيما في منافسات الدوري اللبناني. وكانت النجاحات للمدرب التونسي الشاب لافتة مع جلّ الفرق اللبنانية التي أشرف على تدريبها. وقال طارق جراية الذي عمل الموسم الماضي كمدرب مساعد في نادي حمام الأنف إنه لم يكن يتوقع كل هذا النجاح السريع، ولكنه سيعمل على تأكيد ذلك على امتداد الموسم باعتبار التقييم يكون طوال السنة. جرايا مدرب صغير في السن لكنه يعمل بطريقة احترافية وعمل على نقل هذه الطريقة إلى اللاعبين ليؤدوا أدوارهم داخل وخارج الملعب بطريقة احترافية. وظهر هذا العمل الجاد خاصة في منافسات الدوري اللبناني، حيث استلم جرايا تدريب فريق السلام زغرتا في ظروف صعبة وأهمها التحضير المتأخر وانضمام عدد من اللاعبين في الأمتار الأخيرة من إقفال باب التعاقدات. وتواصل النجاح الباهر مع كل الأندية التي أشرف على تدريبها، فبث في داخلها الروح الانتصارية العالية وحب التنافس والمواجهة. فهو مدرب يمتلك كل مقوّمات النجاح لعل أبرزها الإرادة والموهبة والتجربة والمعرفة والتخطيط والصبر والثقة. بالتأكيد كل هذه الصفات تبرز قوة وسرّ الإبداع لدى الشاب التونسي المُولع بالتحدي والشغوف بمقارعة الكبار. وأكمل جرايا صورة التفوّق من خلال عروض فريق النجمة. لم يأت إصرار النجمة على إعادة جرايا إلى منصب المدير الفني من فراغ، إذ بعد العودة إلى المدرسة الأوروبية مع المدرب الصربي بوريس بونياك، ومن ثمّ الذهاب إلى تجربة محليّة جديدة مع ابن النادي موسى حجيج، عادت عقارب الساعة إلى الوراء. عودة إلى المدرب العربي، لا إلى جرايا تحديدا، إذ أن العودة إلى التاريخ تترك معادلة واضحة: المدربون العرب الذين مروا على الدوري نجحوا مع النجمة أكثر من أيّ ناد آخر. ويأتي المدربون الأجانب إلى لبنان ويذهبون. منهم من ينجح، ومنهم من يفشل. لكن البصمة الأكثر تأثيرا تركها المدربون العرب بعدما تمكّنوا من التفوّق على أقرانهم القادمين من القارات المختلفة، ما جعل الأندية تلجأ إليهم في كل مرّة أرادت فيها بناء فرقها من جديد. بداية المسيرة ولد جرايا في السادس من أبريل عام 1980 في تونس العاصمة، بدأ ممارسته لكرة القدم في سن صغير حيث لعب سنتين في نادي الملعب النابلي التونسي، بعدها خاض عدّة تجارب في فريقيْ الترجي والأفريقي الأشهر في تونس، ومن ثمّ فاز بلقب كأس تونس مع فريق شبيبة العمران ليبدأ بعد ذلك بين الكبار في تونس. أنهى شهادة الباكالوريا لينتقل إلى فرنسا لمتابعة دراسته في إحدى الجامعات الفرنسية حيث تابع كره القدم في فرنسا مع فريق في أحد أندية الدرجة الثالثة ليعود معه إلى الثانية، بعدها خاض عدة تجارب كلاعب ومدرب في نفس الوقت حتى تفرّغ للتدريب في عمر مبكّر بمركز تكوين الشباب في فرنسا ليتلقّى عرضه الأول كمساعد مدرب لأحد أندية الصف الأول للفئات العمرية في فرنسا، فأعجب بذلك ليجتاز بعدها عدة اختبارات في مجال التدريب، وأخذ عدة دروس تدريبية في كرة القدم في الجامعة الفرنسية. درّب جرايا عدّة فرق من أندية الدرجة الأولى والممتازة للفئات العمرية تحت 18 سنة. فحصل على عدة شهادات تدريب وآخرها شهادة “A” من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم. ليضمّه الاتحاد الفرنسي إلى اللجنة الفنية للفئات العمرية لمدة ثلاث سنوات ومع ذلك قدم دروسا في الدورات الرسمية للاتحاد حتى شهادة “B” وعمل مع منتخب أقلّ من 16 سنة في فرنسا حتى عاد الموسم الماضي إلى تونس ليصل هذا الموسم لتدريب نادي السلام زغرتا اللبناني. ارتفاع الأسهم ارتفعت أسهم المدربين التونسيين في الدوريات العربية التي استقطبت أنديتها هذه الكفاءات الفنية وحصدت معها الألقاب وذلك منذ تتويج فتحي جبال بلقب الدوري السعودي الممتاز. وكان جبال حقق إنجازا تاريخيا ليصبح بذلك أول مدرب عربي غير سعودي يتوج بهذا اللقب. وساهم هذا التتويج في ارتفاع أسهم المدرب التونسي بالدوري السعودي بشكل غير مسبوق، وهو ما جعل الأندية هناك تتعاقد على الكفاءات التونسية التي أثبتت قدرتها على النجاح. وتسلّم جبال المقاليد الفنية لنادي الفتح لمدة سنوات وحقق الصعود إلى الدوري الممتاز قبل أن يقوده إلى التتويج لأول مرة بلقب الدوري ثم بكأس السوبر في العام نفسه. كما أن المسيرة التي حققها فوزي البنزرتي مع نادي الرجاء البيضاوي في كأس العالم للأندية رسمت خارطة جديدة للفنيين التونسيين في الدوريات العربية. وعرفت الأندية العربية خلال الموسم الرياضي الحالي توافدا غير مسبوق للمدربين التونسيين الذين تألقوا في أغلب الدوريات وبخاصة السعودي والقطري والمغربي واللبناني. وكسبوا رهان النجاح والاستحقاق. وعلى غرار الدوري السعودي، شهد دوري نجوم قطر نجاحا غير مسبوق للتونسيين، إذ حقق سامي الطرابلسي نتائج جيدة مع نادي السيلية، وقفز به من المراكز الأخيرة إلى المركز الخامس في الترتيب العام، في حين نجح نبيل معلول المدرب السابق لمنتخب تونس ونادي الترجي التونسي في الخروج بنادي الجيش من أزمته والصعود به إلى مراكز متقدمة جدا في الدوري. وكان نادي الهلال السوداني قد تعاقد بدوره مع التونسي نصرالدين نابي، في حين شهد الدوري الليبي الممتاز إقبالا على المدربين التونسيين أمثال لطفي الرويسي مع نادي الرفيق، وطارق ثابت مع نادي الأخضر، ورفيق عياش مع نادي الصقور، وغيرهم. نجاح المدرب التونسي في الدوريات العربية ليس حديث العهد، بل يعود إلى سنوات الألفية السابقة مع كفاءات مثل مراد محجوب ويوسف الزواوي ولطفي البنزرتي وغيرها. ويعتبر الدوري القطري من أفضل الدوريات العربية وأكثرها استقطابا للمدربين ذوي الصيت العالمي مثل البلجيكي إيريك غيريتس، ولكنّ التونسيين أثبتوا جدارتهم بقيادة الأندية القطرية مثل نبيل معلول وسامي الطرابلسي والحبيب الصادق، كما أن وجود فوزي البنزرتي على رأس الرجاء المغربي هو تأكيد على جدارة المدرسة التونسية. قصص نجاح لا يخلو جانب أو مجال أو عمل من قصص نجاح مميزة ونوعية تستحق أن تنشر وتبرز وتسوق؛ ليطلع عليها الآخرون، على غرار نجاح الرياضيين الشبان، وهذا من شأنه تحفيز هؤلاء وإثارة هممهم وشهيتهم للسعي إلى التميز والتفرد. فالنجاح مُلهم، وقد تؤدي قصة نجاح بسيطة إلى ملحمة نجاح عظيمة ومؤثرة، كما أن نشر قصص النجاح هو تحفيز وتشجيع لأصحابها واحتفاء بتميزهم، مما يدفعهم إلى مضاعفة جهودهم وتقديم المزيد والارتقاء إلى مستويات أعلى من النجاح. ومن هذا المنطلق باتت كل الهياكل الرياضية تعمل على توفير مناخ عام للتعريف بالكفاءات والأبطال في جلّ القطاعات الرياضة. فطارق جرايا وغيره من الرياضيين مثّلوا تونس أحسن تمثيل سواء داخل البلاد أو خارجها، لذلك من الطبيعي أن يكونوا تحت المجهر للتعريف بإنجازاتهم، ولمَ لا تشجيع الأندية على التعويل على خدماتهم في المستقبل والتعاقد مع هذا الجيل الجديد من المدربين المحليين الشبان، ويبقى الترجي الرياضي التونسي والنادي الأفريقي أحسن مثال يُحتذى به. فالترجي منح الثقة التامة للمدرب معين الشعباني وتمسّك به في أصعب الظروف. والآن هو يجني ثمار إصراره على خوض هذا التحدي. وعلى هذا المنوال أعطى النادي الأفريقي كل الصلاحيات للمدرب الشاب لسعد الدريدي والنتيجة كانت تحسنا ملحوظا ونتائج لافتة للفريق. لذلك يتوجب على الأندية التونسية فسح المجال أمام كفاءاتها وفي كل الرياضات حتى تثبت وجودها وترسم خارطة جديدة للرياضة التونسية ضمن كبار العالم. من الضروري أن تقوم كل جهة مسؤولة في قطاع الرياضة بالاحتفاء بقصص النجاح وتكريم أصحابها وأبطالها ونشرها إعلاميّا، كما ينبغي على الناجحين أنفسهم أن يبادروا إلى كتابة قصصهم وتدوينها لتشاركهم الناس فرحتهم وإصرارهم على النجاح، مع ضرورة أن تكون قصصا حقيقية وتشكّل قيمة مضافة. رغم نجاح المدربين الشبان إلى حد الآن إلا أن الطريق لا تزال طويلة أمام البعض وما زال الكثير منهم يواجه عديد المشاكل والمصاعب التي تحول دون تحقيق النجاح. وفي هذا الصدد تحدث طارق جرايا لـ”العرب”، قائلا “مشكلة المدرب الشاب في تونس وفي العالم العربي ما زالت قائمة نظرا إلى عدة أسباب من بينها صعوبة رؤساء الأندية، فهم لا يؤمنون بالشبان ولا يمنحون الثقة للبعض منهم لاسيما أبناء النادي”. وأضاف جرايا “طريق المدرب التونسي الشاب صعب جدا، فلا بد على الأندية أن تعمل على فسح المجال أمام الصاعدين لكي يكتسبوا التجربة، كذلك ما زلنا نفتقر إلى الاهتمام الإعلامي الكبير”. وأكد جرايا قائلا أنه يستلهم تجربته من المدربيْن الكبيريْن فوزي البنزرتي ويوسف الزواوي، ويعتبرهما مرجعا للتدريب في تونس وخارج أرضها باعتبارهما حققا نجاحات كبيرة مع كل الفرق التي أشرفا على قيادتها. وحول المدربين الشبان لا يُخفي جرايا إعجابه بنجاح المدرب معين الشعباني مع الترجي والذي بات قيمة ثابتة، وقال في تصريح لـ”العرب”، “تعاملت مع الشعباني لفترة حين أشرفنا معا على تدريب نادي حمام الأنف، وكنت دائما أتنبأ بنجاح هذا المدرب الشاب ورغم أن الأخير يتفوّق على بقية المدربين الشبان في تونس بفوزه ببطولتي رابطة الأبطال الأفريقية، إلا أننا الآن نحن في تنافس شديد”. وختم حديثه بالقول “مكانة المدرب التونسي والكفاءات التونسية مشرّفة جدا في الدوريات العربية.. فأغلبية المحطات التي مرت بها كانت ناجحة.. أريد التأكيد على أنا المدرب التونسي كفاءة كبيرة ومشهود لها في تونس وخارجها”. وأضاف “نطالب بالمزيد من الاهتمام والمتابعة وضرورة منح الفرص والإيمان بقدرات المدربين الصاعدين على غرار ما يدور في أكبر الدوريات العالمية الكبرى، فأغلبية الأندية الناجحة يقودها مدربون شبان، وهناك أمثلة عديدة لعل أبرزها بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي وريال مدريد وغيرها من الفرق العالمية الكبرى”. وختم بالقول “من هذا المنطلق بات المدرب التونسي الشاب رهن إشارة الأندية ورؤسائها لكي يؤكد علوّ كعب المدرب التونسي وارتفاع أسهمه على المستويات المحلية والإقليمية والقارية”.

مشاركة :