في زيارات إلى لندن عشية "بريكست" الشهر الماضي، كان كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب متحمسين لاحتمالات إبرام صفقة تجارية مع المملكة المتحدة. قال مايك بومبيو، وزير الخارجية، إن واشنطن ستعمل "بأسرع ما يمكن" على صفقة مع لندن، وقال ستيفن منوشين، وزير الخزانة، إن المملكة المتحدة "تتصدر القائمة" لاتفاقية تجارية جديدة. لكن التصريحات المتفائلة تخفي مخاوف من أن الخلافات بين لندن وواشنطن في مجالات تراوح من التجارة نفسها إلى الأمن، ستعرقل بدء المفاوضات. في حين أشار كل ترمب وبوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، إلى صفقة تجارية ثنائية شاملة باعتبارها أحد أكبر جوائز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تكافح المحادثات من أجل التوصل بسرعة إلى الاتفاق الشامل الذي يتخيله القائدان. جاءت أكبر مشكلة بين الدولتين - حول وصول "هواوي" إلى شبكات الجيل الخامس البريطانية - بعدما قررت لندن منح شركة الاتصالات الصينية دورا محدودا في بناء منصاتها، على الرغم من رغبة البيت الأبيض في إبعادها. قالت أماندا سلوت، عضوة بارزة في المركز المعني بالولايات المتحدة وأوروبا في "معهد بروكينجز": "بالتأكيد من منظور الأسلوب، ليست طريقة رائعة للبدء". كان الطرفان المتحالفان منذ فترة طويلة على خلاف متزايد بشأن الاحتمالات المتعلقة بضريبة الخدمات الرقمية المقررة في لندن، وتهديدات إدارة ترمب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على واردات السيارات، ومصير الصفقة النووية الإيرانية - جميع المجالات التي كانت فيها بريطانيا أكثر تواؤما مع العواصم الأوروبية مما كانت مع واشنطن. قالت هيذر كونلي، مديرة برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: "تكتشف الولايات المتحدة مدى أوروبية المملكة المتحدة"، مضيفة: "يوجد كثير من الاختلافات في الوقت الحالي، لا أعلم إلى أي مدى ستكون إدارة ترمب متشددة". منذ فوز ترمب بالبيت الأبيض في 2016، عرفت الحكومات البريطانية المحافظة المتعاقبة أن واشنطن كانت متعاطفة مع "بريكست" وحريصة على مكافأة لندن على قرارها مغادرة الاتحاد الأوروبي. أنشأ المسؤولون التجاريون في كلتا العاصمتين مجموعة عمل مشتركة لبدء الاستعدادات للمحادثات الرسمية، حتى أن الإدارة الأمريكية نشرت أهدافها التفاوضية للتوصل إلى اتفاق واسع النطاق. بالنسبة إلى جونسون، الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة يوفر فرصة لإظهار فرص "بريكست"، على الرغم من أن التقديرات الداخلية للحكومة تشير إلى أن أي مكاسب ستكون تافهة. مع ذلك، رمزية الصفقة تبدو أكثر أهمية لداونينج ستريت من الواقع الاقتصادي. يرى عديد من النواب المحافظين، بمن فيهم رئيس الوزراء، أنفسهم أطلسيين وليسوا أوروبيين ويتحدثون عن صفقة مع ترمب عبر اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لبريطانيا. وصف ليام فوكس، الذي شغل منصب وزير التجارة الدولية في عهد رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، الاتفاق البريطاني الأمريكي بأنه "جائزة كبيرة". بحسب سلوت، على المستوى الكلي لا يزال الاتفاق في "مصلحة" الحكومتين. لكنها حذرت من وجود "كثير من الأشياء في العلاقة الثنائية التي ستجعلها أكثر تعقيدا". على الرغم من مشاعرة المتدفقة، رفض بومبيو الأسبوع الماضي وضع أي جدول زمني ثابت لاتفاق محتمل، وحذر من أن المحادثات يمكن أن تصبح حادة. قال في مقابلة على قناة "إل بي سي" الإذاعية: "بالتأكيد، سيكون الأمر معقدا. وستكون هناك مجالات موضع خلاف كبير. كلا فريقي التفاوض سيرغب في الحفاظ على الأشياء لبلده". لا يوجد حتى الآن موعد رسمي لبدء المحادثات، لأن المملكة المتحدة نفسها لم تنشر بعد أهدافها التفاوضية. ورفض البيت الأبيض ووزارة الخزانة والممثل التجاري الأمريكي التعليق. تأتي المفاوضات في الوقت الذي يحول فيه فريق إدارة ترمب الاقتصادي اهتمامه بشكل متزايد نحو أوروبا، بعد تأمين هدنة في حربها التجارية مع الصين، وتأمين إعادة تفاوض على اتفاق "نافتا" مع كندا والمكسيك. لكن المسؤولين الأمريكيين سيكونون حذرين من إبرام أي صفقة ذات مغزى مع لندن إلى أن تكون شروط العلاقة التجارية لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي واضحة، لأن ذلك سيحدد مدى ارتباط اللوائح البريطانية مع بروكسل وفي أي المجالات. قالت مجموعات تجارية أمريكية إن من المهم إبرام اتفاق شامل بدلا من إبرام اتفاق سطحي سريع. أحد أعضاء جماعات ضغط الأعمال الأمريكية الذين يتابعون المحادثات قال: "مع المملكة المتحدة، يجب أن نتحدث عن اتفاقية تجارة حرة كاملة، لكننا لا نعرف متى يمكننا فعل مثل هذا الشيء". وتابع: "ستتعارض حقيقة هذه المفاوضات مع حقائق جميع المفاوضات التجارية، بدلا من الجداول الزمنية التي يحب السياسيون التحدث عنها". اشتدت التوترات المتعلقة بالتجارة بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة. تعهدت الولايات المتحدة بفرض رسوم على السيارات وقطع غيار السيارات البريطانية إذا واصلت لندن فرض ضريبة الخدمات الرقمية الخاصة بها - ولم تعط أي إشارة إلى أنها ستعفي بريطانيا من الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الاتحاد الأوروبي ردا على إعانات شركة إيرباص. كانت ليز تروس، وزيرة التجارة البريطانية، في حوار مع نظرائها الأمريكيين وتضغط على إدارة ترمب حتى لا تفرض مزيدا من الرسوم الجمركية على الصادرات البريطانية. أصر المسؤولون البريطانيون على أن القضايا الحساسة سياسيا خارج النقاش في أي صفقة تجارية. ويشمل ذلك تخفيف معايير استيراد المنتجات الزراعية للسماح للمزارعين الأمريكيين ببيع مزيد من البضائع إلى بريطانيا، من الدجاج المغسول بالكلور إلى المحاصيل المعدلة وراثيا. لندن نفت أيضا أنها ستسمح ببنود تمنح شركات الأدوية والرعاية الصحية الأمريكية وصولا أكبر إلى السوق البريطانية. إدارة ترمب ألمحت بالفعل إلى أنها تخطط لاتخاذ موقف متشدد، خاصة فيما يتعلق بالسلع الزراعية، ما قد يجعل من الصعب التقدم في المحادثات مع المملكة المتحدة. قال بومبيو لـ"إل بي سي": "أنا متأكد من أن قضايا الزراعية ستكون صعبة. طلبنا سيكون كما كان في المفاوضات الأخرى، نحن بحاجة إلى أن نكون منفتحين وصادقين بشأن التنافس". أضاف: "نحن بحاجة إلى التأكد من أننا لا نستخدم سلامة الأغذية حيلة لمحاولة حماية صناعة معينة".
مشاركة :