«عندما يفلس التاجر يفتش في دفاتره القديمة». مثل مصري صميم، يكاد ينطق به لسان حال اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو»، الذي يقلّب القائمون عليه الآن في دفاترهم القديمة، بعد أن وصلت بهم الحال إلى طريق مسدود في مواجهة المديونيات التي تكدست على أقدم مارد إعلامي عربي، ووصلت به إلى حال لا يحسد عليه. أما ما تحويه هذه الدفاتر، فهو تركة من الممتلكات لا يستهان بها، كشف عنها التقليب الذي جاء مفيداً. وشأن الامبراطوريات القديمة التي يتقلص نفوذها عندما تهرم وتشيخ، يقف ماسبيرو على أعتاب مرحلة جديدة، تهدد ممتلكاته ونفوذه الذي بسطه على مدار عقود، على ممتلكات تمتد على كامل التراب المصري، إيذانا بانهيار عصر ذهبي، كان فيه الجهاز من بين الأكثر تأثيرا ونفوذا ليس داخل مصر فقط، وإنما على امتداد العالم العربي. فعلى أثر قرار رسمي أصدره رئيس الحكومة المصرية المهندس إبراهيم محلب، قبل فترة قليلة بالسماح لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري بالتصرف في أمواله، تتجه النية إلى إجراء مزادات علنية، يسدد من عائدها الجهاز الإعلامي الذي يعتبر من بين الأجهزة الأقدم والأضخم في المنطقة العربية جزءاً من مديونياته. كشفت جردة الأوراق الرسمية لدى قطاع «الهندسة الإذاعية»، عن الحجم الكامل للأراضي المملوكة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، سواء تلك المملوكة بشكل قانوني ومباشر للاتحاد، أو المخصصة له من جانب الدولة. وقام المسؤولون في الهندسة الإذاعية خلال الأسابيع الأخيرة، بوضع قائمة كاملة بالأراضي التي سيتم بيعها، سواء المخصصة أو المملوكة للاتحاد، خصوصاً أنها أصول كثيرة، وتتنوع بين أراض وشقق وعمارات وفيلات. وتتضمن الأصول مبني «ماسبيرو» الرئيسي نفسه، والذي يقع في قلب العاصمة المصرية على مساحة تتجاوز 12000 متر مربع، وصادر له قرار تخصيص من الدولة ممثلا في قرار جمهوري رقم 358 للعام 2001، وتخضع مساحته في ملكيتها للدولة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها أو تأجيرها، إلا بعد أن يتم تعديل القوانين التي تحكم ذلك. وإضافة إلى أراضي محافظة القاهرة، هناك أرض منطقة دينا فيزون في المقطم، وهما قطعتان الأولى 652 متراً مربعاً والثانية 690 متراً مربعاً، بعقد بيع مسجل، وأرض مركز بحوث الهرم ومساحتها أربعة أفدنة بعقد بيع مسجل، وأراضي مبنى الإذاعة المصرية بمنطقة الشريفين، وسط القاهرة، باعتبار أن وزارة الآثار المصرية لم تسجل حتى الآن أول مبنى للإذاعة المصرية في قائمة المباني الأثرية، وكان «ماسبيرو» قام بشرائها بعقد بيع مسجل ومساحتها 10 أفدنة كاملة، كما يمتلك دورين رقم 11 و12 في كراج الجمهورية، بمنطقة العتبة بالقاهرة، ويوجد بهما معهد التدريب التابع للاتحاد. أما محافظة الجيزة، فيمتلك فيها «ماسيبيرو» خمس وحدات سكنية في عمارة «ملحق الكوثر»، في ضاحية المهندسين الراقية، والتي بلغ سعرها عند الشراء 276120 جنيهاً، بالإضافة إلى عمارة سكنية بمدينة الشيخ زايد، مكونة من 20 شقة مسجلة، وبلغ سعر شرائها 332784 جنيهاً. وفي محافظة الإسماعلية، يمتلك «ماسبيرو» 22 شقة، إلى جانب مركز الإرسال الإذاعي القديم بمنطقة أبو عطوة بعقد بيع مسجل. وفي محافظة القليوبية يمتلك 8 قطع أراض مختلفة تابعة لمنطقة أبو زعبل. ومحافظة الشرقية، بعض المناطق التي أقيم عليها مراكز إرسال في الزقازيق على مساحة 19 قيراطاً، تم شراء أرضها بعقد مسجل. وفي محافظة الإسكندرية يمتلك الاتحاد 38 قطعة أرض مسجلة، بعقود بيع ابتدائي ونزع ملكية، بالإضافة إلى بعض الأراضي التي توجد عليها مناطق إرسال إذاعي أو تلفزيوني لكنها غير مستغلة. إضافة إلى مركز تلفزيون الإسكندرية بباكوس وهو عبارة عن قصر مؤجر من المحافظة، وقالت الأوراق إن استديوهات تلفزيون، القناة الخامسة واستديوهات إذاعة الإسكندرية المحلي ومحطات إرسال التليفزيون وهو عبارة عن 8758 مترا مربعا للقصر والحديقة الشرقية و6215 مترا مربعاً مسطحاً، قصر سعيد طوسون، كلها مؤجرة من المحافظة بتاريخ 1/1/1955 على تخصيص القصر للإيجار بمبلغ 3990 جنيهاً سنوياً للمبنى والأرض طبقاً لموافقة المجلس الدائم للخدمات الحكومية. وهناك أيضاً 13 قطعة أرض في بنها والمحلة وطنطا وطرة، في ما يسمى بالمنطقة الوسطى، و11 شقق في المنصورة والمنوفية وطنطا وفيلا بمدينة السادات وشقة في شبين الكوم، هذا على مستوى الوجه البحري. أما في الوجة القبلي والبحر الأحمر، فهناك 43 قطعة أرض و4 شقق، منها مبنى إذاعة بني سويف، وجنوب الوجه القبلي، يمتلك «ماسبيرو» 49 قطعة أرض و29 شقة. وبشكل إجمالي، تشير التقديرات إلى أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون يمتلك في عموم «المحروسة»، ما يصل إلى 207 قطعة أرض و80 شقة مختلفة، يمكنه التصرف فيها بالبيع أو التأجير للغير. على صعيد متصل، وبشكل نهائي، رفض المسؤولون في اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو» عرضاً تقدمت به وزارة الاتصالات المصرية، في شأن بيع حصة «ماسبيرو» في الترددات الموجودة بالأقمار الصناعية العالمية «ITU»، حيث طلب القطاع الاقتصادي في «ماسبيرو» 20 مليار جنيه مصري قيمة هذه التردادات، في حين أصر الجهاز القومي للاتصالات على 15 مليار جنيه فقط. ووصلت المفاوضات التي تواصلت لما يقرب من العشرة شهور بين الجانبين إلى طريق مسدود، بسبب إصرار كل منهما على موقفه، خصوصاً بعد أن شعر المسؤولون في «ماسبيرو»، أن الجهاز القومي للاتصالات، يحاول استغلال الأزمة المالية التي يمر بها الجهاز الإعلامي العريق، الذي يحتاج إلى تسديد جزء كبير من مديونياته الخارجية لبنك الاستثمار.
مشاركة :