أحمد عقيلي يعاين شعرية الإبداع والتخييل عند محمد البريكي

  • 6/2/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات مساء أمس الأول في مقره محاضرة للدكتور أحمد عبدالمنعم عقيلي سوريا بعنوان (الإبداع والتخييل في شعر محمد عبد الله البريكي) وشاركته في المحاضرة الشاعرة العراقية ساجدة الموسوي التي قرأت نماذج مختارة من شعر البريكي، وأدار الجلسة وعلق عليها الكاتب الدكتور منصور جاسم الشامسي أمين سر اتحاد كتاب الإمارات. ركزت محاضرة د. عقيلي على قصائد مختارة من ديوان ( بدأت مع البحر)، للبريكي وقدم فيها رؤية نقدية وليست دراسة، فالدراسة من وجهة نظره تحتاج لقاءات ووقفات مطولة، واختار مجموعة من القضايا التي توزعت على ثلاثة محاور أساسية هي: (النفس العروبي والرقي الروحي) و(فلسفة التصوف) و( الحكمة). في المحور الأول وهو النفس العروبي والرقي الروحي، تناول د. عقيلي قصيدة على عتبات الوقت. وقال جعلت فلسفة الشاعر منه باحثاً عن النور والأمل، فقد استهل كلامه بالقداسة، بالطهر بالوضوء، والوضوء يعني الماء، والماء يعني الصفاء والنقاء، وباجتماع الصفاء بالنور تتلألأ الروح، فتزداد نقاء، ومثل على ذلك بمجموعة من المقاطع الشعرية بدأت ب: (توضأت والمصباح مل توسله وروحي على سجادة الوصل مرسله). وأوضح د. عقيلي أن هذا الوصل مداده غريب فهو مصباح وليس كأي مصباح إنه لا يستمد وقوده من الزيت، بل من دم الشاعر، كيف لا وهو ابن أمة عريقة أمة عربية خالدة، وهنا يطل النفس العروبي لدى الشاعر حين لا يهنأ له عيش ولا يرتاح له بال، وهو يرى أمته جريحةً يعاني كثيرٌ من أقطارها الألم، وجراحها تنزف وتسيل، فبغداد تنسى فرحة العرس لكثرة ما فيها من مآتم: (هربتُ وفي بغداد عرسٌ ومأتمٌ أيا بشر هل يأتيك وحي لتسأله). ودرس عقيلي الرمز عند البريكي موضحا أنه تجلى عميقاً حين يرمز لدمشق الفيحاء بالياسمين، والياسمين صنوها وعلامتها، فقد نسيت دمشق الأمنيات وأجلت كل الطموحات: (وحول ظلال الياسمين حكايةٌ تقول بأن الأمنيات مؤجلة). وكذلك أرض بلقيس أرض اليمن العربية غدت ملكتها بلقيس حبيسة ومقيدة: (ومن سبأ يحكي لنا الطير أنه بصنعاء بلقيس الأمان مكبلة). وبالنسبة للتصوف، اعتبر د. عقيلي أنّ البريكي يسلك تصوف الفيلسوف المتعمق في حنايا النفس البشرية، البعيد عن تصوف التواكل والانطواء، فالصوفي الحقيقي من يعمل ويتوكل على الله تعالى ويطرق بابه، ولذلك انتقد الشاعر كما يؤكد د. عقيلي موقف المتصوف السلبي المتقوقع على ذاته بحجة الزهد، فترى الشاعر رافضاً ذلك، مبتدئا بالتراكيب الاسمية التي تدل على الثبات والاستقرار، ثبات الصوفي المنطوي على نفسه، وفي قصيدته ( خلوة الصوفي) توضيح وجلاء لواقع الصوفية السلبية في تناص فكري يلامس موقف الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه ،من الكسول الذي ترك العمل وانطوى بحجة الزهد، وقد عبر الشاعر عن ذلك بعبارة موحية ناجحة هي التصومع، وتدل على تجمد المتواكل وتحوله إلى جزء لا يتجزأ من صومعته وفي محور الحكمة أكد د. عقيلي أن البريكي يمتاز بنفس عروبي أصيل محب لأمته فحسب، ولم تقتصر ريشته الشعرية المبدعة على الفلسفة وتناول التصوف وفهمه الخاطئ من قبل بعض المتصوفة، فحسب، بل كان أيضاً حكيماً يلامس قضايا إنسانية اجتماعية مهمة في حياة الفرد والمجتمع، وقد لجأ إلى المقطعات الشعرية ليصوغ من خلالها وفي قلبها الجميل حكماً إنسانية بديعة، على نسق القصيدة القصيرة جداً وفق الشعر الحر الذي يفيض بالمعاني والدلالات، من ذلك ما نراه لديه تحت عنوان: ( قبل أن)، وهي همسات فكرية لعلها تشكل أسس منهج اجتماعي بحد ذاتها، وهنا جمال الشعر ورونقه، فالشاعر الحق بحسب د. عقيل هو من ينتقل بين أزاهير الشعر كالطائر المغرد، من الوجداني إلى الفلسفي فالفكري بثوب الحكمة البديعة الموحية، ونراه يبدأ قصيدته بشبه الجملة، مقدماً ومؤخراً في أسلوب يدل على أهمية الفكرة المتوخاة، وهو ما أولع الشاعر به وأجاد توظيفه في ديوانه، فالإنسان عليه أن يصلح نفسه، ويقيم ذاته ومقاييسه قبل أن يطلق أحكامه على الآخرين: (قبل أن تصدم الآخرين بحجة أن الغبار أمامك قف وامسح النافدة). كما تلمس د. عقيل التناص الفكري الديني عند البريكي، الذي استلهمه من الحديث القدسي الشريف: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فاذا أحببته كنت عينه التي يرى بها، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.، ليس ذلك فحسب فقد جسد البريكي كما يؤكد د. عقيل مثل هذا التناص من خلال صور فنية بديعة وتركيب فني من خلال شبه الجملة الظرفية، وذلك بتقديم التأخير لضرورة الفكرة وتأكيدها: وكان د. عقيل قدم الشاعر البريكي بوصفه شاعراً إماراتياً مبدعاً، نشطاً يشغل مواقع ثقافية متعددة، منها إدارته بيت الشعر في إمارة الشارقة، وإدارة مهرجان الشارقة للشعر العربي، كما حصد كثيراً من الجوائز الأدبية. في ختام المحاضرة قامت الشاعرة الهنوف محمد بتكريم المحاضر والشاعرة الموسوي.

مشاركة :