اغنية الحرية من سانتياغو إلى بغداد 1 / 2

  • 2/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تشيلي تمر بالليل نجمه بسمانا». لم تكن تلك المفردة إلا أغنية عراقية تضامنية مع شعب الشيلي عندما استيقظ العالم في سبيعينيات القرن المنصرم على الانقلاب العسكري في تشيلي بزعامة الجنرال اغستو بينوشيه. لم يكن انقلابًا عسكريًا عاديًا كمئات الانقلابات في القارة التي باتت شعوبها تصحو وتنام على وقع استماع بيانها من تلك الاذاعات البعيدة، وإنما كان انقلابًا دمويًا على حكومة شرعية منتخبة، حيث شهدت ملاعب الكرة والشوارع في كل انحاء تشيلي صدامات عنيفة وسحل واعتقالات بالآلاف وتعذيب واغتصاب للنساء، حتى باتت تشيلي حينها نموذجًا صارخًا للدموية والقمع، الذي لم تعرفه البلاد في سائر الحكومات العسكرية والمدنية في تاريخها. رحل بينوشيه بعد حكم دام 17 عشر سنة (1973 - 1989) لتطل تشيلي عروسه بملابسها الديمقراطية الزاهية منذ انتخابات 1990، مرحلة من العقود الهادئة نسبيًا، غير ان بينوشيه برحيله، ترك خلفه موروث من الفساد والاجهزة الفاسدة، التي امتدت لبنية المؤسسات وجذورها، حيث سنجدها تخرج رؤوسها منتصرة في الانتخابات اللاحقة، تستخرج وتستدعي كل قدراتها الكامنة في المؤسسات العسكرية والسياسية، فلم تنجح قوى التغيير الديمقراطي بجبهاتها اليسارية والليبرالية التقليدية المترسخة في الطبقة الوسطى، اجتثاث ليس اليمين وحده وحسب بل واليمين المتشدد والمنظمات والتوجهات الليبرالية الجديدة، التي نجحت في الهيمنة على مفاتيح الاقتصاد في البلاد وبدأت تعيد تركيب مؤسساته نحو المزيد من الخصصة والاستحواذ الظالم لطواغيت المال هناك، دون ان تدرك ان الجشع سيقودها بعد سنوات الى تعمق الازمة واستفحال حالة الناس من سيئ الى اسوأ منذ سنة 1990 - 2019، لتشهد تشيلي مجددًا صدامًا دمويًا وعنيفًا بعد ثلاثين سنة من رحيل نظام بينوشيه.  لم يمنح العالم العربي في اعلامه اهمية كبيرة لتلك الحالة والنموذج السياسي القابل للمراوحة وللانبعاث مجددًا نحو الخلف حتى وإن استيقظ ذات يوم وتحرك للأمام في مواجهة حكومات العسكر والاجهزة الامنية المتعددة، التي في المرحلة الحالية تقف خلف الملابس المدنية للرئيس الحالي المنتخب سباستيان بنيرا.  لم يكن حقًا يدرك العراقيون طوال تلك العقود نفسها ان بلادهم ستمر من خلال تلك الاقبية السوداء وستواجه انتفاضاتهم السلمية برصاص القتلة من رجال ما يسمون بالمليشيات الملثمة التابعة لتعليمات طهران والراحل سليماني. فسقوط بغداد وتحررها من الهيمنة الايرانية تمثل خطوة متقدمة في شروط التحضير كمقدمات لخلخلة النظام في طهران.  أغنية الحرية في بغداد على «نجمة تشيلي» تستعيد ضوءها البعيد قبل نهاية العام الفائت، ليصبح شبان وطلبة العصر وقودا جديدة للمواجهات اليومية وشعلة التفجير للحماس الثوري الجديد في كل مكان وفي مقدمتهم شبيبة وطلبة تشيلي.  في الثامن عشر من اكتوبر من 2019 اندلعت شرارة الغضب وسط جموع الطلاب من جراء رفع اسعار تذاكر المترو والتي مست بالدرجة الاولى جيوب الطلاب الذين يستعملون تلك المواصلات في حياتهم اليومية (ألغى الرئيس ذلك القرار بعد ان تكبدت البلاد اكثر من مليار دولار خسائر في الممتلكات). امتدت الصدامات خلال الشهرين الاخيرين من العام الماضي الى مدن عدة فتحولت الى حواجز ومتاريس وقنابل مسيلات دموع في فالباراييسو وسانتياغو دي تشيلى العاصمة وغيرها من البلدات الصغيرة.  وتروي كالارا كازوني في صحيفة الاندبندنت لكل ما تعرضت له من اذى وإذلال لكرامتها وضرب وتعرية لملابسها في فترة اعتقالها القصير. واحتجزت في زنازنة مساحتها مترين في ثلاثة امتار مع 17 شخصًا تم اعتقالهم من المحتجين وكانت من بينهم امرأة حامل ورجل تجاوز الستين من عمره، جميعهم لم يقولوا لهم اسباب اعتقالهم، ومنعوا من حق استعمال الهاتف بعد ان ظلوا ليلة واحدة بدون ماء او طعام وحرموا من الرعاية الطبية. هذا المشهد العياني ليس إلا جزءًا بسيطًا من مشهد واسع تطل به تشيلي مرة اخرى بكثافة، مشهد حدث قبل ثلاثين سنة ليصبح المشهد السياسي اليوم في تشيلي مرعبًا ومؤثرًا في القارة في حياة الناس والمجتمع، الذين اعتقدوا انهم لن يعودوا أبدًا لحياة الانتهاكات الحقوقية. لقد تم اعتقال ما يقرب من 30 ألف شخص خلال شهرين من العام الماضي هزت استقرار تشيلي واعادتها الى نقطة الصفر من زمن بينوشيه.

مشاركة :