بكين 9 فبراير 2020 (شينخوا) هند خالقي، شابة تونسية تعمل حاليا كأستاذة للغات والثقافة الأجنبية في معهد شياندا للاقتصاد والعلوم الإنسانية بجامعة شانغهاي للدراسات الأجنبية. بدأت خالقي دراسة اللغة الصينية في جامعة قرطاج بتونس في عام 2004، وقدمت إلى الصين في عام 2009، لمواصلة الدراسات العليا والحصول على درجة الماجستير وبعدها الدكتوراه في علم اللغة من جامعة بكين للغات والثقافة. تزوجت خالقي من شاب صيني من مقاطعة هوبي التي يضربها حاليا تفشي وباء فيروس كورونا الجديد. وخلال هذه الأيام الصعبة التي يعيشها الجميع داخل الصين، سردت لنا خالقي بقلمها في السطور التالية مشاعرها وتجربتها وأنشطتها في مدينة شانغهاي خلال الأيام القليلة الماضية وسط تفشي وباء فيروس كورونا الجديد. -- حياتي في مدينة شانغهاي وسط مكافحة فيروس كورونا الجديد بقلم هند خالقي انتهى الفصل الدراسي الأول في جامعتي منذ تاريخ 13 يناير لسنة 2020، وكم كنت سعيدة بالعطلة التي خططت لها طويلا مع زوجي، إذ كنا قد اتفقنا على قضاء عيد الربيع مع الأهل في مقاطعة هوبي ثم السفر لبلدية تشونغتشينغ المجاورة في بداية شهر فبراير. لكن شاءت الأقدار أن يتغير برنامجنا، فمنذ يوم 20 يناير هيمنت أخبار انتشار فيروس كورونا الجديد على كل وسائل الإعلام الصينية والأجنبية، وصار الخوف من سرعة العدوى من أكثر المواضيع تداولا في كل صفحات وجروبات تطبيق "ويتشات". وفي صباح يوم 23 يناير، قررنا التخلي عن فكرة السفر إلى هوبي وألغينا أيضا رحلة تشونغتشينغ ولم يكن أمامنا سوى خيار قضاء عيد الربيع في شانغهاي بمفردنا، القرار الذي تزامن مع وضع مدينة ووهان تحت الحجر الصحي. كان من الصعب اتخاذ قرار عدم السفر للاجتماع مع الأهل في أهم عيد ينتظره جميع الصينيين خاصة بعد وضعنا للهدايا وكل لوازم الطريق في السيارة. ولكن ما أبهرني هي رسائل أهل زوجي التي تطلب منا عدم المجيء لقضاء العيد، مما جعلني أدرك وعي الشعب الصيني بمدى سرعة انتشار المرض وحرصهم على اتباع نصائح الوقاية الموجهة من المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها واللجنة الوطنية الصينية للصحة. وبعد ظهر يوم 24 يناير، ركبنا السيارة وذهبنا إلى تشونغمينغداو بضواحي شانغهاي، كان يومها عدد السيارات متوسط وبدأنا نلحظ وجود آلات لقياس الحرارة في مدخل الطريق السريع. وفي طريق العودة إلى البيت، حالفني الحظ بالعثور على آخر علبة كمامات في إحدى الصيدليات، حيث يومها كان يسمح لكل شخص بشراء علبة واحدة فقط محتوية على خمس كمامات. وفي صباح يوم 29 يناير، أثارني الفضول لرؤية برج لؤلؤة الشرق بشانغهاي في ظل الوضع الإستثنائي الذي نعيشه، فكانت أول مرة أرى فيها البرج خاليا من الناس وكان يومها عدد السيارات والمترجلين ضئيلا جدا. لكنني بصراحة لم أتعجب كثيرا لأن في فترة عيد الربيع الصيني عادة ما تنقص الحركة في الشوارع، لأن أغلب العائلات تجتمع مع بعضها البعض في البيت، لكن ربما كان أكبر تغيير لاحظته هو ارتداء أغلب الناس لكمامات الوقاية الطبية. ربما في أعين الكثير من الأجانب في الصين، صار الخروج من البيت حاليا يعتبر مجازفة، ولا سيما بعد أن أصبحت الكمامات ومواد التعقيم منتجات صعبة الشراء. ولكني لم أود أن أستسلم لكلام يتردد على النت، أردت أن أقيم الوضع بنفسي وأن أسجل أحداثا عشتها فعلا. مرت فقط خمسة عشر يوما على بقائي في البيت خلال فترة محاربة فيروس كورونا الجديد في الصين، وازداد تواصلي عبر رسائل تطبيق "ويتشات" مع صديقاتي العربيات القاطنات في مختلف أنحاء الصين، خاصة صديقة يمنية قاطنة بووهان، حيث تعمل كل واحدة منا على مواساة الأخرى بأنها فترة قصيرة وستمر بسلام. أما خارج الصين فما برحت صديقة ماليزية لي تذكرني بأول لقاء لنا في ووهان عند حضورنا لندوة علمية في جامعة ووهان الجميلة. كانت أصعب الأيام في البداية، لكنني اليوم تعودت على شراء كل حاجيات البيت من الانترنت خاصة مع كثرة التنبيهات بأفضلية عدم الخروج حتى مع ارتداء الكمامة. وتختلف سرعة وصول الحاجيات عبر الانترنت، فأسرع بضاعة وصلتني خلال نصف ساعة وهناك أخرى وصلتني خلال يومين، أما باقي الطلبات فالعديد منها تأجل إلى تاريخ 11 فبراير، خاصة الكمامات ومواد التعقيم التي لم يتم إرسالها بعد. تمر الأيام ببطء، ولن أقول إنني لم أمل وجودي في البيت، لكنني لا أفكر في العودة إلى تونس إلا بعد انتهاء أزمة المرض وعودة الأمور إلى طبيعتها، حتى أن أهلي ساندوني وتفهموا قراري، خاصة حين شرحت لهم كل إجراءات الوقاية الصارمة التي اتخذتها الحكومة الصينية حرصا منها على سلامتنا جميعا دون أي تمييز بين أجنبي أو صيني بدءا بالحي الذي أسكن فيه، حيث تم حظر دخول أي أحد غير ساكن بحينا، وجامعتي التي تطلب منا كل يوم إعلامهم بحالتنا الصحية. أما عن علاقتي مع طلبتي، فهي طبعا لم تنقطع بدءا بمعايداتنا المتبادلة في عيد الربيع التقليدي الصيني وتبادل عبارات "لا تنسى ارتداء الكمامة عند الخروج....كن حذرا وحافظ على صحتك"، إلى غاية تبليغهم بإنشاء جروبات التعلم عن بعد للمحاضرات التي سيتم عرضها لاحقا من خلال البث المباشر عبر الإنترنت في بداية الفصل الدراسي الثاني. وختاما، أود أن أقول إن العلم هو أفضل سلاح لمواجهة القلق الذي نعيشه في ظل هذه الظروف وأنجع دواء لكل مرض وكما تقول الأغنية الصينية: " إذا أردت رؤية قوس قزح، فعليك تحمل غزارة المطر". وثقتي في الصين ليست ثقة مبنية على فراغ ....ثقتي في الصين كبيرة لأنها نجحت في القضاء على أمراض كثيرة ولديها طاقم طبي كبير وهي قادرة على عدم السماح للمرض بمزيد الانتشار. وسيشهد التاريخ على قوة الصين في هزيمة مرض الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد، وحماية أكبر عدد ممكن من المصابين به داخلها وخارجها.
مشاركة :