التنمية البشرية واستراتيجيات الذكاء العاطفي

  • 2/6/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ربما جميعنا يعرف أشخاصًا، سواء في العمل أو في حياتنا الشخصية، يتمتعون بصفة الاستماع الجيد للآخرين. وبغض النظر عن نوع المواقف التي تصادفهم، تراهم دائمًا يعرفون ما يقولون بالضبط وعند حديثهم معنا تجدهم يراعون مشاعرنا حتى لا نشعر بالانزعاج بغض النظر عن طبيعة الموقف الذي جمعنا بهم. وربما نعرف أيضًا أشخاصًا يتقنون التحكم في عواطفهم ولا يغضبون في المواقف العصيبة. بدلاً من ذلك، لديهم القدرة على تحليل المشاكل وإيجاد الحلول بهدوء وانضباط مع شعورهم المستمر بالأمل والتفاؤل مهما كانت عظم المشاكل التي تواجههم. إنهم صناع قرار بامتياز. وبغض النظر عن نقاط قوتهم، إلا أنهم عادة ما يكونون على استعداد للنظر إلى أنفسهم بصدق، ويتلقون النقد بكل صدر رحب ويعرفون متى يستخدمونه لتحسين أدائهم.الأشخاص من تلك النوعية لديهم درجة عالية من الذكاء العاطفي. إنهم يعرفون أنفسهم جيدًا، كما يمكنهم أيضًا التعرف على الاحتياجات العاطفية للآخرين.ونظرًا إلى أن المزيد من الناس يرون أن الذكاء العاطفي لا يقل أهمية عن النجاح المهني بقدر المهارات والقدرات التقنية، فإن المنظمات تستخدم الذكاء العاطفي بشكل متزايد كمعيار وشرط للتوظيف والترقية. فعلى سبيل المثال، قامت إحدى شركات مستحضرات التجميل الكبيرة في الآونة الأخيرة بدراسة ومراجعة عملية التوظيف الخاصة بها لمندوبي المبيعات وتطوير نظام جديد لترشيح واختيار الموظفين الجدد بناءً على ذكائهم العاطفي. النتيجة؟ باع الموظفون الذين تم تعيينهم وفقًا للنظام الجديد، في المتوسط، أكثر من 90000 دولار، وهو أكثر من مندوبي المبيعات الذين تم اختيارهم بموجب النظام القديم. وكان هناك أيضا انخفاض كبير في معدل دوران الموظفين بين المجموعة المختارة لذكائهم العاطفي.ما هو بالضبط الذكاء العاطفي، وماذا يمكنك أن تفعله لتحسين ذكائك؟لدينا جميعًا شخصيات مختلفة، ورغبات واحتياجات مختلفة، وطرق مختلفة لإظهار عواطفنا. ولكن التعامل مع كافة تلك الشخصيات والرغبات المختلفة يتطلب منا براعة وذكاء - خاصةً إذا كنا نرغب في النجاح في حياتنا الشخصية والعملية. وهنا يصبح فيه الذكاء العاطفي من الأمور المهمة جدًا.الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على عواطفك، وفهم ما يقوله لك الآخرون، وإدراك كيف تؤثر عواطفك على الأشخاص من حولك. كما أنه يتضمن تصوراتك عن الآخرين، فعندما تفهم كيف يشعرون، يتيح لك ذلك إدارة العلاقات معهم بشكل أكثر فعالية.وعادة ما ينجح الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي في معظم الأشياء التي يقومون بها. لأن الآخرين دائمًا ما يرغبون بانضمام الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي إلى جانبهم. فعندما يقوم الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي بإرسال بريد إلكتروني مثلاً، يتم الرد عليه بسرعة. وعندما يحتاجون إلى المساعدة، يحصلون عليها. لأنها تجعل الآخرين يشعرون بالرضا عند تقديم المساعدة لهم، بعكس الأشخاص الذين يغضبون ممن حولهم بسهولة.مقومات الذكاء العاطفيللذكاء العاطفي مجموعة من المقومات أهمها:الوعي الذاتي - عادة ما يكون الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي مدركين لذواتهم ويفهمون عواطفهم، ولهذا السبب، لا يتركون مشاعرهم تتحكم بهم. فهم واثقون - لأنهم يثقون في أنفسهم وقدراتهم ولا يدعون عواطفهم تخرج عن نطاق السيطرة.هم أيضا على استعداد للنظر إلى أنفسهم بصدق. فهم يعرفون نقاط القوة والضعف لديهم، ويسعون بشكل دائم إلى التغلب على نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة لتحسين أدائهم بشكل أفضل. ويعتقد الكثيرون أن هذا الوعي الذاتي هو الجزء الأكثر أهمية في الذكاء العاطفي.التنظيم الذاتي - هذه هي القدرة على التحكم في العواطف والدوافع. الأشخاص الذين يسيطرون على أنفسهم عادة لا يسمحون لأنفسهم بالغضب أو الغيرة، ولا يتخذون قرارات متهورة وغير مبالية. يفكرون قبل أن يتصرفوا. فخصائص التنظيم الذاتي هي التفكير والقدرة على التغيير والقدرة على قول لا.الدافع – التحفيز يلعب دورًا مهمًّا لدى الأشخاص الذين لديهم درجة عالية من الذكاء العاطفي. حيث انهم على استعداد لتأجيل نتائج فورية لتحقيق النجاح على المدى الطويل. إنهم يتمتعون بالفكر الاستراتيجي، ويحبون التحدي، ويكونون فعّالين بشكل كبير في كل ما يفعلونه.التعاطف - ربما هذا هو العنصر الثاني الأكثر أهمية في الذكاء العاطفي. التعاطف هو القدرة على تحديد وفهم رغبات واحتياجات ووجهات نظر من حولك. الأشخاص ذوو التعاطف يجيدون إدراك مشاعر الآخرين، حتى عندما لا تكون تلك المشاعر واضحة. نتيجة لذلك، عادة ما يكون الأشخاص المتعاطفون جيدين في إدارة العلاقات والاستماع والتواصل مع الآخرين. ويتجنبون التفكير النمطي والحكم بسرعة على الآخرين، ويعيشون حياتهم بطريقة منفتحة وصادقة للغاية.المهارات الاجتماعية - عادة ما يكون من السهل التحدث مع الأشخاص ذوي المهارات الاجتماعية الجيدة، وهي علامة أخرى على الذكاء العاطفي العالي. وأولئك الذين لديهم مهارات اجتماعية قوية هم عادة من يستلم القيادة. وبدلاً من التركيز على نجاحهم في المقام الأول، تراهم يساعدون الآخرين على التطور والتألق. يمكنهم إدارة النزاعات، وهم محترفون في بناء العلاقات والحفاظ عليها.إن الذكاء العاطفي يمكن أن يكون مفتاح النجاح في حياتك - خاصة في حياتك المهنية. حيث تعد القدرة على إدارة العلاقات مهمة للغاية للقياديين، لذا فإن تطوير واستخدام ذكائك العاطفي يمكن أن يكون وسيلة جيدة للوصول إلى مناصب متقدمة في عملك.كيف تحسن ذكاءك العاطفي؟يمكننا تعلم الذكاء العاطفي وتطوير تلك المهارة بشكل جيد. فبالإضافة إلى العمل على مهاراتك في المجالات الخمسة السابقة، يمكنك استخدام الاستراتيجيات التالية:- لاحظ كيف تتفاعل مع الناس. هل تتسرع في الحكم قبل أن تعرف كل الحقائق؟ هل تسيطر الصورة النمطية على معظم قراراتك؟ انظر بصدق إلى طريقة تفكيرك وتفاعلك مع الآخرين وحاول أن تضع نفسك في مكان الآخرين، وكن أكثر انفتاحًا وتقبلاً لوجهات نظرهم واحتياجاتهم.- انظر إلى نفسك في بيئة عملك، هل تسعى إلى لفت انتباه الآخرين لإنجازاتك؟ إن التواضع من السلوكيات المهمة جدًا، ولا يدل كونك متواضعًا على أنك خجول أو تفتقر إلى الثقة بالنفس، بالعكس تمامًا. عندما تمارس التواضع، فأنت تعلم جيدًا أهمية وقيمة العمل الذي تقوم به، ويمكنك أن تكون واثقًا من ذلك. ولكنك بالتواضع تمنح الآخرين فرصة للتألق، ولا تكن مهتمًا كثيرًا في الحصول على المديح لنفسك.- قيّم نفسك. ما هي نقاط ضعفك؟ هل أنت على استعداد لقبول كونك لست مثاليًا وأنه بإمكانك العمل في بعض المجالات لجعل نفسك شخصًا أفضل؟ هل لديك الشجاعة للنظر إلى نفسك بصدق لتغيير حياتك؟- ادرس طريقة تفاعلك مع المواقف الصعبة. هل تشعر بالانزعاج في كل مرة يحدث فيها تأخير أو أن الأمور لا تسير وفق الطريقة التي تريدها؟ هل تلوم الآخرين أو تغضب منهم بسرعة، حتى لو لم يكن ذلك خطأهم؟ إن القدرة على التزام الهدوء والتحكم في المواقف الصعبة هو أمر مهم جدًا وذو قيمة- في عالم الأعمال والحياة الاجتماعية. أبقِ دائمًا عواطفك تحت السيطرة في كافة المواقف.- تحمل مسؤولية أفعالك. إذا جرحت مشاعر شخص ما، اعتذر مباشرةً, لا تتجاهل ما فعلته أو تتجنبه. فعادة ما يكون الناس أكثر استعدادًا للتسامح والنسيان إذا قمت بمحاولة صادقة لجعل الأمور في نصابها الصحيح.- لاحظ كيف تؤثر أفعالك على الآخرين, قبل القيام بالفعل. إذا كان قرارك سيؤثر على الآخرين، ضع نفسك في مكانهم. كيف يشعرون إذا قمت بذلك؟ هل تتمنى لو كنت مكانهم؟ وإذا كان يجب عليك القيام بذلك الفعل، كيف يمكنك مساعدة الآخرين في التعامل مع آثار تلك الأفعال؟على الرغم من أن الذكاء العقلي مهم للنجاح في الحياة، إلا أن الذكاء العاطفي هو مفتاح العلاقات الجيدة مع الآخرين وتحقيق أهدافك. ويعتقد الكثيرون أن الذكاء العاطفي لا يقل أهمية عن الذكاء العقلي، لذلك تستخدم العديد من الشركات الآن اختبار الذكاء العاطفي لاختيار الموظفين الجدد.وتذكر دائمًا أن الذكاء العاطفي هو إدراك لأفعالك ومشاعرك وكيف تؤثر على من حولك. هذا يعني أيضًا أنك تقدّر الآخرين، وتستمع إلى رغباتهم واحتياجاتهم، وأنك قادر على التعاطف معهم والتعرّف عليهم بشكل أعمق.* أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية وتنمية الموارد البشرية.Dr.MohamedFaris@yahoo.com

مشاركة :