عاد النقاش حول دقة التقارير الدولية حول الخليج، إلى الواجهة مجدداً، بعد الدراسة الأخيرة التي أصدرها صندوق النقد الدولي حول الآفاق المستقبلية للأوضاع المالية في المنطقة، والتي رأت بأن ثروة هذه البلدان مقبلة على مرحلة صعبة، وقد تنفد خلال الأعوام الـ15 المقبلة.هذا الكلام لم يمر بهدوء على كثير من المراقبين الماليين، فكثير هي ردود الفعل من قبل كبار المسؤولين والباحثين صوبت سهامها تجاه التقارير العالمية، ومن بينهم الباحث والمتخصص في مجال الطاقة، الدكتور أنس الحجي، الذي قدم تشريحاً استفسارياً حول العديد من النقاط التي شملها التقرير.وانتقد الحجي في تغريدات له على حسابه في «تويتر»، عدم وجود باحث عربي واحد، من بين كتًاب التقرير أو حتى وجود مراجع عربية، رغم تخصص الكثيرين من العرب في هذا المجال. ورغم التقدير الواسع لتوصيات التقارير الدولية، كونها عادة ما تتعرض وباستفاضة، لقضايا حيوية وذات حساسية، خصوصاً تلك التي تتعلق باستدامة الاقتصاد في الدول الناشئة وآفاق أوضاعها المالية المستقبلية، إلا أن بعض المراقبين يشككون في دقتها، حيث يجد البعض فيها مساحة رأي واسعة لنقد تفاصيل عديدة في هذه التقارير، خصوصاً أنها تعتمد في بناء رأيها على تقديرات أجنبية خالية من الخبرة المحلية. تقارير المنطقة وكثير من التقارير التي تحدثت عن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج تحديداً، واجهت ردود فعل ناقدة من قبل كبار المسؤولين والمتخصصين في مختلف المجالات، حيث يظهر أن أكبر مآخذها عدم استنادها على مراجع عربية محكمة، أو حتى وجود باحثين من المنطقة ضمن مجموعة الباحثين الذي أعدوا هذه التقارير.ولعل من أبرز النقاط التي أثارها الحجي في معرض تقييمه الأخير أن هناك أخطاءً وافتراضات في الدراسة لا يمكن لأي باحث نزيه أن يقوم بها، فمثلاً، عند الحديث عن تكاليف النفط، أبرزوا النفط الصخري الأميركي كمهدد كبير لمستقبل دول الخليج، واستخدموا تكاليف التشغيل في ذلك التقييم، بينما استخدموا التكاليف الكلية للخليج وبقية دول العالم، مبيناً أن تكاليف تشغيل الصخري تمثل نصف تكاليفه الكلية.وأوضح الحجي أن الجزئية الأغرب في الدراسة أنها تعاملت مع إيرادات النفط في الخليج، وهي تستخدم في الوقت نفسه أسعار واردات النفط الأميركية، وليس أسعار النفط الخليجية التي هي أعلى من الأميركية بشكل ملحوظ.كما تساءل الحجي قائلاً «لماذا أخذت الدراسة كل البيانات والتوقعات التي تناسب هدفها وتجاهلت التوقعات الأخرى، ولماذا تجاهلت التوقعات القائلة بحدوث أزمة نفطية في السنوات المقبلة بسبب انخفاض الاستثمار في وقت يستمر فيه الطلب بالزيادة، ولماذا تجاهلت الرؤى القائلة بأن أسعار النفط انخفضت بشكل كبير»؟وأكبر نقد حظيت به المؤسسات العالمية المصدرة للتقارير، ما تلقته بعض وكالات التصنيف الائتمانية في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث وجد كثير من المتخصصين أن هذه المؤسسات لم تكن دقيقة في تقديمها للتقييمات الائتمانية قبيل اندلاع الكارثة المالية، بل كانت بخلاف ذلك، تقدم صورة إيجابية عن آفاق الوضع المالي.ويرى بعض الناقدين أن تقارير عالمية قد تغض النظر عن كثير من الجوانب في معالجتها للمواضيع الاقتصادية، كالرجوع إلى أحدث الأبحاث ذات الصلة، أو البيانات الدقيقة المراد دراستها، كونها تلعب دوراً مهماً في استخلاص النتائج وفهم واقع الحال الاقتصادي أو المالي، في وقت يؤكد فيه البعض أهمية التدقيق في قراءة تفاصيل هذه التقارير لأنها عادة ما تربط كثيراً من نتائجها وفقاً لافتراضات متوقعة ومشروطة بعوامل أخرى، وليست حتمية.ويبقى أن مسألة التوازن والموضوعية في قراءة مثل هذه التقارير، تمثل جانباً حاسماً في تقييمها لنتائجها، فلا التهويل والمبالغة لما تقدمه هذه التقارير بالأمر المطلوب، ولا التهوين والاستخفاف بها بالأمر المحمود، وإنما الأمر يتطلب دائماً مراجعة دقيقة ونقداً علمياً موضوعياً. تعليق لبناني علق وزير الاقتصاد اللبناني السابق، منصور بطيش، على تقرير وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني حول الموازنة في لبنان، حيث أكد أن التعابير التي استخدمتها الوكالة ليست بمكانها ومبالغ فيها، لافتاً إلى أن لبنان يعمل على تسديد الديون.وقال بطيش «إن وكالة (موديز) تحلل، ولكن نحن نعمل باتجاه تفادي ما تحدثت عنه ونحن بعيدون عن ما قالته ولبنان قادر على تسديد التزاماته للخارج»، مضيفاً «إننا في وضع اقتصادي صعب ولكن هذا لا يعني أننا متجهون نحو الافلاس ولبنان لديه قدرات مادية كبيرة ونحن بحاجة لإصلاحات ونأمل أن تكون الموازنة باباً باتجاه هذه الاصلاحات».كما لم تسلم التقارير التي تتعلق بالتغير المناخي من سهام النقد، ففي تصريح سابق تعرض الأمين العام لمنظمة «أوبك»، محمد باركيندو، لتقرير يدعو إلى اتخاذ إجراء جذري لمكافحة التغير المناخي، مؤكداً أن مفهوم أن الطاقة المتجددة هي المستقبل الوحيد للعالم مضلل، وأن هجمات المدافعين عن البيئة ربما تكون مضرة.وكانت لجنة تابعة للأمم المتحدة قد دعت إلى تغييرات غير مسبوقة في كيفية استهلاك العالم للطاقة، وزيادة كبيرة في استخدام الطاقة المتجددة لاحتواء ارتفاع درجات الحرارة في العالم، وحماية الكوكب من الموجات الحارة، والفيضانات، وارتفاع مستويات مياه البحار. وقال باركيندو مدافعاً عن رأيه بأن النفط ليس ساماً في نهاية المطاف، وإنما الانبعاثات هي السامة، لافتاً إلى أن التقنيات المتعلقة بخفض الانبعاثات من الوقود الأحفوري والتخلص منها يجب أن تحتل أولوية الاهتمام.
مشاركة :