لازال ينظر للطفل في وطننا العربي علي أنه شيء عابر في حياتنا، رغم ما وصل إليه العالم من تطور علمي وتكنولوجي، أسهما بشكل فاعل في تثقيف الطفل وتطوير طرق تفكيره، وإعمال عقله وإطلاق خياله، فلو أخلصنا النوايا، وعملنا وفق منهج علمي سليم، وخطط إستراتيجية طويلة المدى تنفذ من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية، ممن تعمل في هذا المجال، لكان للطفل العربي شأن آخر، وأصبح في طليعة أطفال العالم، وفى رأيي أنه لا يمكن النهوض بالطفولة في مجتمعاتنا العربية إلا من خلال خطط واستراتيجيات مشتركة بين عدة وزارت يقع علي عاتقها عبء كبير، مثل: وزارة التعليم التي يقع عليها المسؤولية الأكبر، باعتبارها المؤسسة العلمية والتربوية التي تحتضن الطفل منذ بواكير عمره، ثانيها: وزارة الإعلام فدورها توعوى مهم خاصة من خلال الإذاعة والتليفزيون بقنواته المختلفة من حكومية وخاصة، والذي لا زال قاصرا فيما يقدمه للطفل العربي مما أدي لعدم إشباع رغباته وتعطشه للثقافة والإبداع، وأن البرامج الخاصة بالطفل برامج في مجملها عقيمة ولا تتناسب بحال مع عقل وتفكير وخيال طفل اليوم، فأين البرنامج الجاد الذى يحرك خياله ووجدانه، وينمي تفكيره ويوسع مداركه، إلا فيما ندر؟، وأين دراما الأطفال التي ليس لها وجود في التليفزيون المصري ولا العربي؟ العجيب في الأمر أن المسلسلات المصرية التي كان ينتجها صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وقطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى، في تسعينيات القرن الماضي، توقفا تماما عن الإنتاج، بعدما كان ينتجا بعض المسلسلات القليلة لتتلقفها القنوات الفضائية العربية التي كانت تقوم بعرضها، ويستفيد منها الأطفال في العالم العربي كله، ناهيك عن عزوف نجوم الفن والأدب من ممثلين ومخرجين، وكتاب، عن العمل في مجال دراما الأطفال، لما يقع عليهم من ظلم، فمازال ينظر إلي هذه الدراما علي أنها أعمال قليلة القيمة تقدم إلي حفنة من الصغار، لذا تدنت أجور من يعملون فى هذا المجال لتصل لأقل من ربع أجورهم في مجال الدراما التليفزيونية للكبار، فلماذا إذن يرهقون أنفسهم دون طائل معنوى ولا مادى مجز؟ وأين فيلم الطفل العربي؟ فحتى الآن لم يكن لدينا فليما عربيا للأطفال ينافس أفلام الأطفال العالمية، رغم أنه كان يقام في مصر، وعلي مدار سنوات طويلة المهرجان الدولي لسينما الأطفال والذى كان يعتبر من أهم مهرجانات سينما الأطفال في العالم، ولكن للأسف توقف لضعف مستوى تنظيمه فى السنوات الأخيرة من إقامته، في حين تجد دولة مثل الهند قد أنشأ بها منذ أكثر من (50) عاما، هيئة عامة مخصصة لإنتاج أفلام الأطفال، ونحن هنا نشكو بصفة مستمرة من عدم وجود فيلم للطفل العربي، ذو الموضوع القريب والمناسب لأطفالنا، والمستمد من بيئتنا. نعتقد أنه ليس كثيرا فى سبيل بناء طفلنا المصرى والعربي، أن نخطو خطوة مشابهة لما قامت به الهند، وننشئ وحدة متخصصة، بميزانية مستقلة لإنتاج أفلام للأطفال، إن مثل هذه الأفلام ستجد طلبا شديدا عليها من تليفزيونات العالم العربي، من وزارات التعليم، ومن دور رياض الأطفال المخصصة للسن الأكبر من أربع سنوات، ولنوادي الأطفال والطلائع، وذلك على مستوى الوطن العربي كله "وأين أفلام الكارتون العربية؟ فمازلنا حتي الآن لا نستطيع إقامة صناعة لأفلام الكارتون بتقنية عالية كي تنافس المنتج العالمى الذى يباع بأسعار زهيدة مقارنة بتكلفة إنتاجه الباهظة، وخاصة مؤسسة والت ديزني التى أغرقت الأسواق العربية بمنتجها الراقى والمبهر من تلك الأفلام التى تخلب عقول الكبار والصغار، وتتمثل عقبات هذه الصناعة في بلادنا العربية في عدة أسباب، أولها: التكلفة المادية العالية التي يتكلفها إنتاج هذا الفن، ويحتاج إلي مؤسسات الدول الثقافية والإعلامية لتتبناها وفق خطط طموحة معدة ومدروسة سلفا من قبل متخصصين وخبراء في هذا المجال، ثانيها: عدم دعم هذه الصناعة من قبل الدول العربية بشكل كاف، مما أدي إلي انصراف أطفالنا إلي الكارتون المستورد الذي يأتي إلينا من أوربا وأمريكا بأسعار زهيدة، رغم جودته، وتقنية العالية في الابهار، إلا أن له أخطار وآثار جانبية في غاية الخطورة، لما ينطوى عليه من عنف. وفى هذا الإطار نورد نتائج دراسة قام بها التليفزيون المصري، باستخدام صحيفة استقصاء علي 960 طفلا في 16 مدرسة ابتدائية بمدينة القاهرة، ومدينة بالوجه البحري، وأخري بالوجه القبلي، وقد توصلت هذه الدراسة إلي أن أهم المناظر التي تثير خوف الأطفال، هو الشخص الذى يضرب شخصا آخر أو مجموعة أشخاص بخنجر أو سكين (42 في المئة)، والضرب بالمسدس ( 2,33 في المئة)، ومناظر الجريمة التي تحدث بدون تحديد لملامح الصورة (8,24 في المئة)، وهذه الأفلام المستوردة تحتوي علىي الكثير من هذه المشاهد التي وردت فى هذه الدراسة، علاوة علي أن هذه الأفلام تكريس لثقافة الآخر التي لا تتفق بحال مع ثقافتنا العربية والإسلامية وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية، إذن هناك تقصير صارخ من وزارتي الثقافة والإعلام في التوجيه الصحيح والأصيل لأطفالنا، ثالثها: وزارة الشباب من خلال الاهتمام بالطلائع والأطفال، وإقامة ورش ومسابقات للكتابة والرسم، ومسابقة البرلمان الصغير، وغيرها من البرامج التثقيفية والتوعوية للأطفال، رابعها: وزارة الثقافة بكل قطاعاتها التي تعمل في مجال الطفولة، ففي مصر على سبيل المثال، نجد المجلس الأعلي للثقافة، ممثل فى المركز القومي لثقافة الطفل، ولجنة ثقافة الطفل، وهيئة قصور الثقافة، ممثلة في القصور المتخصصة للطفل، والادارة العامة لثقافة الطفل، وأتوبيس الفن الجميل، ومجلة وكتاب قطر الندي، وهيئة الكتاب، ممثلة في سلاسل كتب الأطفال، وورش الكتابة والرسم والحكي التي تقيمها أثناء إنعقاد معرض الكتاب الدولي، وهيئة المسرح، ممثلة في المسرح القومى للأطفال، ومسرح العرائس، كل هذه القطاعات في الوزارة تعمل في مجال ثقافة وفنون الطفل، ولكن كل قطاع منها يعمل بمعزل عن الآخر، مما يؤدى إلي تشابه وتكرار في الخطط والبرامج، وكان يجب أن يكون هناك خططا وبرامج مشتركة وبروتوكولات تعاون بين هذه القطاعات وقطاعات أخري في وزارات مختلفة حتي نعيد للطفل المصري والعربي، حقوقه المهدرة علي مدي سنوات كثيرة مضت حتي نصل به إلي بر الأمان، ويعود لوطننا العربي ووجهه الوضاء.
مشاركة :