لم يتوقف الحديث عن ضرورة النقد في الساحة الثقافية العربية منذ ثلاثة عقود ماضية، إذ ظل الانتاج العربي يحتاج إلى أقلام نقدية جادة، تقيّم المنتج الإبداعي وتكشف جوانب الرصانة والضعف فيه، لتفتح بذلك مناخات جديدة للنهوض بالذائقة الإبداعية ومستوى المادة الإبداعية بأشكالها كافة. الحال على ما هو عليه منذ سبعينات القرن الماضي، بل إنه يأخذ تراجعاً ملحوظاً، حيث كان الحديث قائماً عن الدراسات النقدية الرصينة، فيما يتم الحديث اليوم عن غياب كامل لفكرة النقد بكل أشكاله، فلم تعد حتى الصحف العربية تفتح صفحاتها للأقلام الناقدة الجادة، وباتت المساحة الإعلامية مفتوحة أمام العروض التقديمية غير الأكاديمية والخالية من النقد الحقيقي. يمكن القول إن المشهد يتناسخ بصورة مماثلة في البلدان العربية، إلا أنه يقف بصورة جديدة في الساحة الثقافية الإماراتية، حيث يصر الكثير من الكتّاب والمثقفين الرواد في المشهد أن الساحة الإماراتية تخلو تماماً من النقد، وتنحسر في المجاملات والعروض السطحية، خصوصاً مع غياب النقاد المتخصصين في المجالات الإبداعية بصورة واضحة. يقف حال النقد في الساحة الإماراتية بحالة مغايرة عن مثيلتها في البلدان العربية، إذ لم يغب النقد عن الفعل الثقافي الإماراتي، وإنما يتم تغييبه، وذلك تماشياً مع عمر التجارب الإبداعية التي ظهرت خلال العقود القليلة الماضية، فالأصوات الإبداعية القائمة على الفعل الثقافي الإماراتي ظلت تؤكد على ضرورة التشجيع والدعم لتكريس قاعدة إبداعية تؤسس لمنتج رصيد وتراكمي مستقبلي. يؤكد هذا الحال العديد من المثقفين والكتاب المتابعين لتاريخ الحراك الثقافي الإماراتي، إذ يشير إلى ذلك الناقد عبد الفتاح صبري في إطار حديثه عن تاريخ القصة القصيرة الإماراتية وبدايتها ومراحل نهوضها وصولاً إلى اليوم، مؤكداَ ذلك خلال محاضرة سابقة نظمها اتحاد كتاب الإمارات في الشارقة، فيقول :إن بدايات النقد القصصي في ثمانينات القرن الماضي والتسعينات ظلت تشجيعية إلا أن حال القصة القصيرة اليوم يشهد تراجعاً ولا يقف في الساحة القصصية سوى أسماء قصصية معددوة على أصابع اليد. ويشاركه الرأي الناقد صلاح هويدي في حديثه عن النقد في المشهد الإبداعي الإماراتي، إذ ظل يصر في الكثير من المحاضرات التي قدمها في هذا الإطار، على حالة الغياب الملحوظ للنقد، الأمر الذي ينعكس على واقع النتاج الإبداعي بصورة عامة. ينسحب الحديث عن النقد الأدبي على النقد المسرحي، والتشكيلي، والسينمائي، وغيرها من الأجناس الإبداعية، فالمتابع للحراك التشكيلي - مثلاً - يجد غياباً كاملاً للنقاد المحليين، واكتفاء المواد المقدمة في إطار الكتابة عن التشكيل الإماراتي بالانطباعات الصحفية غير المستندة إلى مدارس أكاديمية ورؤى وتجارب وخبرات في النقد التشكيلي. هذا الحال الذي يعيشه التشكيل ينطبق على السينما، والرواية، والتصوير، ومجمل الفنون البصرية والأدبية، وينعكس بصورة مباشرة على المنتج الإبداعي المحلي بشكل واضح، ليجعل المتابع والمتلقي في الإمارات أمام سيل من الأعمال الإبداعية التي لا تجد من يغربلها ويقدم الجيد منها إلى القارئ ضمن عملية واعية ومدروسة. اللافت في ذلك أن الجوائز الإبداعية أخذت دور العملية النقدية وباتت هي المحك والفيصل في تقديم الأعمال الإبداعية للمتابع والمتلقي، فصارت لجان تحكيم الجوائز بما تحمله من ذائقات فردية، وخبرات نقدية، هي الشكل المنظم لطرح الغث من السمين في الأجناس الإبداعية كافة. في ظل ذلك يبقى التساؤل قائماً، هل خرجت العملية الإبداعية الإماراتية من مرحلة التشجيع إلى النقد الحقيقي؟ وهل يمكن أن تكون الجوائز بديلاً عن الناقد الغائب؟
مشاركة :