ديون الأسر في العالم، ليست حكرا على دول بعينها. فأغلب هذه الدول تعاني ارتفاع هذا النوع من الديون لديها، ويواجه مصاعب عديدة في عملية الحد منها، رغم أنها مسيطرة عليها بطريقة أو أخرى. فديون الأسر جلبت أزمات اقتصادية فتاكة في الماضي، كان آخرها الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، وظلت آثارها موجودة على الساحة لمدة تزيد على عشرة أعوام. ماذا فعل بعض الحكومات؟ قامت بتأميم المؤسسات المالية المتعثرة أو التي واجهت الانهيار بالفعل. أي إنها ببساطة استخدمت أموال الناس من أجل إنقاذ هذه المؤسسات. وهذه الديون تشكل في بعض الحالات عبئا على الاقتصادات المحلية، خصوصا إذا ما زاد الشك حولها. دون أن ننسى، أنها تسهم في الوقت نفسه في تحريك الاقتصاد إذا ما كانت تحت السيطرة. وديون الأسر ببساطة هي الدين المشترك لأفراد الأسرة الواحدة، والدين يشمل تلك الخاصة بالعقارات والاستهلاك، فضلا عن ديون مخصصة لتعليم الأبناء، إلى آخر أنواع الديون الأسرية. وهذه الديون إذا ما جمعت مع الديون السيادية الهائلة حول العالم، فإنها تشكل "صدمة" من حيث مستواها. ففي نهاية عام 2017 ارتفع إجمالي الدين العالمي ثلاثة تريليونات دولار، ليصل المجموع الكلي لهذا الدين إلى أكثر من 188 تريليون دولار بنهاية عام 2018. وهذا يعني أن حجم الديون العامة يصل إلى 226 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتحذر الدوائر الاقتصادية المختصة من مغبة فقدان السيطرة على هذه الديون أيضا، خصوصا في ظل اقتصاد عالمي يعاني الهشاشة في النمو، حتى إن بعض المراقبين توقعوا العام الماضي إمكانية دخول الاقتصاد حالة ما من الركود. وتشهد الولايات المتحدة ارتفاعا هائلا في حجم ديون الأسر. ففي العام الماضي أضافت هذه الأسر ما يقرب من 193 مليار دولار إلى ديونها في الربع الأخير من العام المشار إليه، الأمر الذي رفع الحجم الإجمالي لها إلى 14.15 تريليون دولار. ورفع مستوى الديون المذكورة الزيادة الكبيرة في الديون العقارية التي زادت 120 مليار دولار، لتصل إلى 9.56 تريليون دولار. ويشمل مجمل ديون الأسر على الساحة الأمريكية أيضا تلك الخاصة بالسيارات وبطاقات الائتمان التي تستحوذ وبالطبع على القروض الطلابية. فهذه الأخيرة بلغت أخيرا أكثر من 1.4 تريليون دولار. والأمر مشابه بالنسبة لديون الأسر على الساحة الدولية خصوصا في الدول المتقدمة، لكن المستويات تبقى أقل نظرا لعدد السكان واتساع رقعة الاقتصاد الوطني في هذا البلد أو ذاك. ومن أهم الأسباب التي تؤدي عادة إلى ارتفاع ديون الأسر، انخفاض معدل الفائدة. فكثير من الحكومات يتبع سياسة خفض الفائدة لتحريك الاقتصاد، حتى إن بعض الدول أوصلت مستواها إلى نحو الصفر. ويتم ذلك عندما تعاني الاقتصادات تباطؤا كبيرا، كما هو حاصل حاليا في كثير من الدول، بما في ذلك دول كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها. لكن هنا تظهر المخاوف من إمكانية فقدان السيطرة على الديون بشكل عام، ما يؤدي حتما إلى أزمة اقتصادية عالمية، بينما لم يخرج العالم من الأزمة الأخيرة إلا قبل أشهر معدودة فقط. لا شيء يشير إلى احتمال تراجع ديون الأسر، تماما لا شيء يدل على انخفاض الديون السيادية حول العالم تقريبا. وعلى هذا الأساس، من المتوقع زيادة مستويات الديون بكل أنواعها في العام الحالي، لكن الأهم أن تكون تحت السيطرة المطلوبة.
مشاركة :