بعد الجولة التي قامت بها “العرب” في أروقة المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء في دورته الـ26، تبين أن الكتاب الأمازيغي محدود التوزيع والإنتاج سوى في بعض الأروقة، الشيء الذي يكشف واقع الكتابة والتأليف بالأمازيغية المتدني. والذي يرتبط في أساسه بإشكالات النشر والتوزيع، رغم ما سجل من حركية إبداعية والطفرة النوعية والكمية التي تشهدها صناعة الكتاب الأمازيغي في السنوات الأخيرة. الدار البيضاء – أكد متدخلون في ندوة بعنوان “صناعة الكتاب الأمازيغي: الإنتاج والنشر والتوزيع والتلقي” على هامش المعرض الدولي للكتاب والنشر بمدينة الدار البيضاء في دورته الـ26، أن الكتاب الأمازيغي في حاجة إلى دعم من جميع المؤسسات المعنية بالثقافة بالمغرب، مع تشجيع المؤلف على الإنتاج والتوزيع حتى يتم الرفع من مقروئيته. وطرح عدد من المهتمين بالنشر الصعوبات التي يلقاها الكتاب الأمازيغي بالمغرب، ومنها غياب الثقة لدى شركات إنتاج الكتاب والتوزيع والنشر، كما أكد الناشط لحسن زهور، الذي أضاف أنه لا توجد صناعة للكتاب الأمازيغي مع محدودية العمل الذي يقوم به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والجمعيات الأخرى. وأكد الباحث في الأدب الأمازيغي، العربي موموش، أن نشر الكاتب الأمازيغي مرتبط بمبادرات فردية، كونه لم يحظ بثقة الناشر، ومع ذلك أكد أن الكتابة الأمازيغية أخذت تتغير، وكذلك واقع النشر بعدما حقق زخما كبيرا قبل سبع سنوات، مرجعا ذلك إلى الوعي بالمحافظة على الموروث الثقافي الأمازيغي الشفهي بتدوينه. ومع الديناميكية ومستوى الإنتاج التأليفي للغة الأمازيغية، خصوصا في مجالات البحث والتاريخ والكتابة الإبداعية، سردا وشعرا، يرى الباحثون أن المنتوج الأدبي الأمازيغي بكل تجلياته وأشكاله التعبيرية الشفهية غني ومتنوع ويتمركز في مكونات الثقافة المغربية، وطابعه الشفهي دون تدوينه هو ما ساهم في اندثار الكثير منه بشكل نهائي، والذي وصل عن طريق التوارث والتواتر الشفهي والسرد والرواية. ولهذه الغاية تم خلق اتحادات ورابطات للكتّاب الأمازيغ، وظهر جيل جديد من الكتّاب الشباب في الرواية والقصة والمسرح والسيناريو، وهو ما أدّى كما يقول أحمد عصيد إلى حدوث تطوّر نوعي في كل هذه المجالات، كاشفا أن الكتاب الأمازيغي يعكس اهتمامات النخب الأمازيغية. وفي هذا السياق أكد أحمد الخنبوبي أن واقع الكتاب الأمازيغي لا يزال يعاني من تبعات هذا التهميش رغم أن هناك إرادة سياسية، نسبيا، لإعادة الاعتبار للأمازيغية، ويضيف “بالتالي فموقعه في اعتقادي في إطار المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء وفي سوق الكتاب بصفة عامة، مازال ضيقا”. وحسب تقرير مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، يحتل الكتاب الأمازيغي المرتبة الرابعة في مجال النشر بالمغرب. وأكد لحسن زهور أن التمويلات الذاتية هي ما يسعف النشر، مشيرا إلى أن التوزيع ضعيف بسبب ضعف التلقي، ولكي يشهد انتعاشا يتوجب على المؤسسات المعنية السماح بتداوله في المدارس والجامعات. ومن جهته أكد جمال أبرنوص، الباحث في الثقافة الأمازيغية بجامعة وجدة، أن المعيقات مرتبطة بإشكالية المفاهيم والمصطلحات في ما يخص ترجمة النصوص الأدبية، مشيرا إلى أن الترجمة إلى الأمازيغية شهدت حركية جيدة في السنوات القليلة الماضية دون تراكم في الأعمال المترجمة. باحثون: نشر الكاتب الأمازيغي مرتبط بمبادرات فردية باحثون: نشر الكاتب الأمازيغي مرتبط بمبادرات فردية وبنوع من التفاؤل أكد أحمد عصيد، الباحث في الثقافة الأمازيغية، أن الكتاب الأمازيغي يعرف في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا من حيث النوع والكم، بعد أن ارتفعت الإصدارات بسبب إدراج الأمازيغية في التعليم، ما منحها وضعا اعتباريا أفضل وخضعت لمسلسل تهيئة لغوية من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وانطلقت الترجمة إلى الأمازيغية في ثمانينات القرن الماضي، حيث أن خمسين في المئة تمت ترجمتها منذ العام 2013، وفي هذا الإطار أكد الخنبوبي أنه لا يمكن لأي شعب أن يرتقي ويتقدّم دون العودة إلى أصوله وثقافته وتراثه، مشددا على دور الكتاب الأمازيغي، لأنه يجسد مكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية. وبالتالي “لا يمكن الحديث عن التنمية أو التقدّم دون التشبث بتراثنا وأصولنا، بمعنى أنه إذا همشنا الكتاب الأمازيغي وأعطينا العناية للغات أخرى غير اللغات الوطنية فإننا نحتقر ذواتنا”. لكن أحمد عصيد حصر المشكلات التي تعترض الكتاب الأمازيغي، في التوزيع، كون الكتاب لا يصل إلى القراء في مختلف المناطق، بسبب عدم اهتمام الموزعين بكتب اللغة الأمازيغية، بل وأحيانا رفض توزيعه، مشيرا إلى أن هذه الذهنيات القديمة تؤثر على وضعية الكتاب اليوم. وعلى مستوى ربط الكتاب الأمازيغي بالمنتوج الأمازيغي إعلاميا كان المتتبعون على موعد مع ندوة حول البرامج الثقافية بالإذاعة الأمازيغية، تحدّث فيها عدد من المتدخلين عن الأدوار الطلائعية لهذه الإذاعة التي تبث برامجها منذ 80 سنة، في خدمة الثقافة والكتاب بتواز مع كثافة الإنتاج الثقافي الأمازيغي. وفي هذا الخصوص أكد أحمد عصيد أن البرامج الثقافية للإذاعة الأمازيغية تميّزت بدورها التاريخي في النهوض بالأمازيغية، من خلال نجاحها في إيصال الإنتاج الثقافي بطبيعته كخطاب نخبوي إلى عموم فئات الجمهور، لاسيما من خلال تقديم التفسيرات البسيطة والملائمة للأسئلة المعقدة التي يثيرها هذا المنتوج وسياق إنتاجه لدى الجمهور.
مشاركة :