عدم التكافؤ العلمي بين الوالدين لا يؤثر سلبا على تربية الأبناء

  • 2/15/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يمثل الاستقرار الناجم عن تكافؤ الوالدين عاملا إيجابيا في تربيـة الأبنـاء، لكن ربط التكافؤ بالتحصيل العلمي للطرفين يعتبر تجنّيا على من لا يمتلك شهادة جامعية لسبب أو لآخر. كما أن خلق وسط أسري سويّ وخال من المنغصات، لا يتطلب بالضرورة أن يكون الوالدان حاصلين على أرقى الشهادات الجامعية وفق ما يؤكده الخبراء. تعد الأسرة المكان الأول الذي تنمو فيه أنماط التنشئة الاجتماعية كما تعتبر الوحدة الاجتماعية الأولى التي يحتك فيها الطفل احتكاكا مستمرا ومتواصلا. كما تتداخل عديد العوامل على نطاق المحيط الأسري بـشكل عـام وعلى نطاق الوالدين على وجه الخصوص، لتؤثر على الحياة الأسرية وعلى تربية الأطفال كالمستوى المعرفي للزوجين مثلا. وكلّما كانت درجة التكافؤ على المستوى العلمي كبيرة بين الزوجين، كان هناك استقرار بينهما مما ينعكس إيجابا على أدائهما التربوي، وبالتالي يولد انسجاما في انتقائهما لمختلف الأساليب والطرق التربوية لأطفالهما. هذا الطرح النظري قد يسقط ويفقد معناه حالما يصطدم بعدد من المعوقات على أرض الواقع. فكم من زيجة بين رجل وامرأة حاصلَين على أرقى الشهادات العلمية انتهت حتى قبل أن تبدأ. وكم من طفل غادر المدرسة في سنوات عمره الأولى والداه من ذوي المناصب المرموقة، وبالتالي فإن اختلاف التحصيل العلمي بين الوالدين ليس دائما عنوانا لفشل الأبناء كما أن التقارب على المستوى الفكري بينهما ليس دائما عنوانا للنجاح في تربيتهم. تقول رانية ذات الخمس والأربعين سنة “أنا حاصلة على الأستاذية في اختصاص الآداب وزوجي ليس معه من الشهادات سوى شهادة ختم التعليم الأساسي ومع ذلك فإن زواجنا قائم منذ 12 سنة ولم تهتز أركانه. كما أن ابنتي التي تدرس بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي متفوقة ومتميزة خاصة في اللغات”. وتضيف، “التفاوت على مستوى التحصيل العلمي بيننا لم يؤثر على العلاقة التي تجمعنا منذ سنوات بل كان دافعا لكلينا لتحقيق المزيد من النجاح، فزوجي كان يدعمني كي أحقق الاستقرار المهني وأنا كنت أدعمه على تحقيق الاستقرار الأسري، وهو ما جعلنا نتغلب على الصعوبات التي تعترضنا وبالتالي أصبحنا قادرين على خلق مناخ أسري جيد أثر إيجابيا على حياة ابنتنا وساعدها على التفوق”. وتردف “وفي اعتقادي فإن كثرة الشهادات لا تخلق بالضرورة أبا متفهّما أو أمّا حنونا، ولا زوجا ثائرا على العادات والتقاليد أو زوجة تقدس الأخلاق”. بدوره، يؤكد توفيق الورغي الحاصل على شهادة المرحلة الثالثة في اختصاص التصرف والمتزوج من السيدة عفاف الحاصلة على الأستاذية في الكيمياء أن لا علاقة للتفاهم الأسري بالارتقاء المعرفي وأن الطموح المتواصل للزوجين قد يقتل في بعض الأحيان مشاعر الود التي تربط بينهما وهو ما يؤثر سلبا على تربية الأبناء في بعض الحالات. الثقافة الأسرية هي ثقافة واحدة قد تختلف من حيث أساليب التربية ونمط العيش، إلا أنّها تظل محكومة بقواعد الدين وبالبيئة الاجتماعية كما يؤكد الدكتور الصحبي بن منصور المؤرخ والباحث في الحضارة الإسلامية أن التربية الأسرية هي بلا شك مفتاح بناء شخصية الأجيال الجديدة. وقد تختلف أساليب التربية ومضامينها من أسرة إلى أخرى بحسب المستوى العلمي للوالدين، غير أنّ هنالك عوامل أخرى تتقاطع مع التربية الأسرية سواء بالسلب أو بالإيجاب فهي تكمّلها وتدعمها في جوانب وتشوش عليها في جوانب أخرى. ويقول بن منصور لـ“العرب”، “يذهب في اعتقاد البعض أن التفاوت في مستوى التكوين العلمي للأم والأب داخل الأسرة الواحدة قد يكون له التأثير البالغ في تربية الأولاد، لكن هذا الأمر نسبي ومحدود التأثير، لأنّ المسألة أعمق من ذلك بكثير”. ويضيف، “المستوى العلمي يتعلق مثلا في تونس بالشهادات الجامعية وبالاختصاصات العلمية التي يتعمق فيها أحد الوالدين خلال مرحلة الدراسات العليا، أما الثقافة التي يقع نقلها من الأولياء إلى الأبناء فإنها ستكون بلا شك ثقافة مجتمعية، وهذه الثقافة المجتمعية هي في تونس على سبيل الحصر ثقافة محافظة في جوهرها، وإن وقع تسجيل تفاوت في انفتاحها على العصر، وفي مدى تأثّرها بالثقافات الغربية، فإنّها تظل واحدة عند جميع الأسر التونسية ولو تباينت مستويات الدراسة بين الوالدين”. ويردف “نتحدث هنا عن سلطة العادات والتقاليد وتأثير الدين في أفكار المواطنين ومعتقداتهم وسلوكياتهم. إذن، الثقافة الأسرية هي ثقافة واحدة قد تختلف من حيث أساليب التربية ونمط العيش إلا أنّها تظل محكومة بقواعد الدين وبالبيئة الاجتماعية التي هي في الواقع ثمرة الأعراف والعادات والتقاليد الراسخة في وعي الأفراد ولاوعيهم، والمتوارثة على نحو جماعي لا انفكاك منه بين الأجيال المتعاقبة”. من جهتها، تؤكد عصمت حوسو رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية بالأردن، أن التكافؤ على مستوى التحصيل العلمي بين الزوجين قد يخلق نوعا من المشاكل في عديد الأحيان مما قد يؤثر سلبا على تربية الأبناء. وتقول حوسو “المشكلة الأزلية أن الزوجين المثقفين يعتبران نفسيهما في حالة صراع وفي ساحة معركة فيها الرابح والخاسر، القوي والضعيف، الحاكم والمحكوم، مما يؤدي إلى تنافس غير بناء يؤجج حالة الصراع”. وتضيف، “هذا التصور الخاطئ الذي يشكل أصل العلاقات بين الجنسين يخلق عقدة من الدونية لدى المرأة تنتج بالمقابل عقدة التفوق لدى الرجل، وباعتبار أن المنظومة القيمية تعطي السيادة للرجل، ترفض المرأة المثقفة التسلط الذّكوري وتسعى إلى الحد منه”. وتشير حوسو إلى أن التعليم ليس شهادة من ورق تعطى للشخص وإنما مجموعة من التجارب يعيشها الإنسان تجعله يكتسب خبرات في الحياة وبالتالي تجعله قادرا على إدارة أسرته دون عوائق. كما يؤكد علماء الاجتماع أن الأخذ في الاعتبار ببعض القيم مثل احترام كل طرف للآخر، واحترام اهتماماته لا يتطلب ضرورة التكافؤ على مستوى الشهادات العلمية مشيرين إلى أن الاحترام المتبادل داخل الأسرة يسهل مفهوم الحياة المشتركة بين الطرفين، ويساهم في تكوين شخصية متوازنة لدى الأبناء. وأشار المختصون إلى أن الأبناء الذين ينشؤون تحت الضغوط يصبحون قليلي الراحة، كثيري القلق مما يضعف الجانب الاجتماعي لديهم، فإما أن يكونوا منزوين بعيدين عن الناس، وإما أن يكونوا متشردين لا ملجأ لهم سوى الطرقات والشوارع. كما أن الخلافات المستمرة بين الزوجين قد تعطل مسيرة الطفل وتجعله يعيش في دائرة القلق النفسي والتخلف الدراسي. تقول الأخصائية في علم نفس الطفل أنس نويرة محجوب “إننا لم نعد نتحدث عن المستوى العلمي للشخص بقدر ما أصبحنا نتحدث عن مستوى ثقافي، معرفي واجتماعي”. وتضيف لـ”العرب” أن “الشخص الذي لم يحصل على مستوى علمي جيد خلال مرحلة الدراسة يمكن أن يكون حاصلا على مهارات اجتماعية تجعله قادرا على الاندماج في المجتمع وناجحا في تسيير أموره الحياتية. ويمكن بالتالي أن يكون أبا جيدا أو أما نافعة”. وتشير محجوب إلى أن التفاهم بين الوالدين من شأنه أن ينعكس إيجابيا على سلوك الأبناء، مؤكدة أن كثيرا من الأمهات غير الحاصلات على شهادات علمية مرموقة، حريصات أكثر من غيرهن على متابعة أبنائهن خلال مراحل الدراسة.

مشاركة :