القول بأن إياب ربع نهائي كأس محمد السادس للأندية الأبطال أمام مولودية الجزائر شكلي للرجاء البيضاوي، ولا يستدعي أبدا التمنطق بأحزمة الحذر والإحتراز، بحكم التفوق الرقمي والتقني الذي أظهره الرجاء هناك بالبليدة في لقاء الذهاب، وبحكم الهزات العنيفة التي يعيش على إيقاعها فريق المولودية، أشبه ما يكون شروعًا في الإنتحار. ولغاية الأسف هذا ما سقط فيه لاعبو الرجاء، عن عمد أو غير عمد لا يهم، إذ كادوا يجرعون جماهيرهم، ويتجرعون هم أيضا مرارة إقصاء تندمل كل جراح الهزائم الأخرى ولا يندمل هو، وكيف يندمل والهزيمة بأكثر من هدف كانت تعني خروج الرجاء من مسابقة يرشحهم للقبها كل المحللين. قال جمال السلامي وهو يعيش قمة التناقض، بين مرارة الهزيمة أمام الجماهير والأنصار وفرحة العبور للمربع الذهبي لكأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، أن لاعبيه استهانوا بالمنافس لفوزهم عليه ذهابا، ولما تناهى إلى علمهم من أزمات مالية تضرب الفريق الجزائري، وتلك الإستهانة كشف عنها التدبير الأرعن لأول ثلاثين دقيقة من المباراة، حيث اختلط التسرع بالبداءة في إنهاء الهجمة وفي استسهال عملية الوصول للمرمى، حتى خيل لي شخصيا أن هذا الذي يلعب أمام المولودية فريق آخر غير الرجاء، فلا نسق تقني ولا منظومة تكتيكية حامية للهوية ولا مخطط لعب واضح المعالم، ويجب أن نعترف بأن من عاقب الرجاء على هذا الإستهجان الذي يصل حد الميوعة، راعى ظروف التخفيف، بل إن مولودية الجزائر الذي تقدم من الشوط الأول بهدف، لم يحصل على جرعة مجازفة أكبر للبحث عن الضربة القاضية. وأعتقد أن هذا الذي شاهدناه من لاعبي الرجاء أمام مولودية الجزائر وما تنبه إليه جمال السلامي من تراخ ومن خروج عن النص ومن استسهال للمباراة، ولم تسعفه الأدوات للتصدي له، هو حالة ملازمة للاعب المغربي بسبب أنه لم يحصل في مرحلة التكوين على ما يكفي من العتاد الذهني لمقاومة مثل هذه الإنحرافات، وهو أيضا تعرية للضعف الكبير الذي يتسم به الإعداد الذهني للاعبين، الذي من دونه لا نستطيع الإرتقاء بمبارياتنا إلى المستويات العالية. وإن كان السلامي قد أيقن من أن الهزيمة أمام مولودية الجزائر ستكون للاعبين درسا، وأن نقمتها تنطوي على نعم كثيرة، فالقصد هو أن يتعلم لاعبو الرجاء من هذا الذي حدث، أن الرياح إن هبت فلابد من اغتنامها، وإن لاحت للفريق فرص سانحة للتسجيل استثمرها بشكل قوي، وإن دانت له السيطرة في زمن من أزمنة المباراة توجها بقدر كبير من الأهداف، وإن كنت أعتقد أن هذه الإرادة الجماعية لا تحصل إلا باعتماد خطاب تكتيكي ونفسي قوي ونافذ، يصل إلى اللاعبين بشكل مباشر وسلس. وسيكون على لاعبي الرجاء أن يسارعوا إلى طي صفحة الهزيمة أمام مولودية الجزائر، وتنقية محيطهم من كل بذرات الشك، من دون الإستخفاف بقيمة الدروس المستفادة، لطالما أن النهائي التاريخي لكأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، يقف خلف أكمة الإسماعيلي المصري، وحتمًا فإن ذهاب الدور نصف النهائي أمام الدراويش يوم الأحد القادم بالإسماعيلية، سيكون البوابة الأولى للعبور، وككل مباراة ذهاب يلعبها الرجاء خارج قواعده ولو في ظل الغيابات الوازنة التي يشكو منها، ستكون هناك حاجة لتدبير سعار المباراة والمنافس بشكل ذكي، فإن اضطر النسور للعب متأخرين لفترات تحت تأثير ضغط الدراويش، ابتعدوا عن الأخطاء البدائية كتلك التي تسببت في ضربة الجزاء أمام مولودية الجزائر، وإن حصل لاعبو الرجاء على فرصة للضغط على الدراويش في منطقتهم، هاجموا جماعيا بشكل يشتت تركيز المنافس ويبرع في إيجاد منفذ للمرمى، وبصورة تجعل الفريق يتحول سريعا إلى منطقته عند ضياع الكرة من دون ضرائب ثقيلة وتبعات تكتيكية خطيرة. وقبل أن يفك نسور الرجاء طلاسم مباراة نارية أمام الإسماعيلي المصري، سيكون أولمبيك آسفي أمام الإختبار الأهم في مشواره البطولي، فلو نجح في إسقاط عميد الأندية السعودية اتحاد جدة وبلوغ المربع الذهبي لكأس محمد السادس للأندية الأبطال، فسيكون قد استحق لقب الفارس المغوار لهذه المسابقة التي تعني لنا نسختها الحالية، كمغاربة الشيء الكثير، كيف لا والقرش المسفيوي سيكون بإسقاطه للعميد، قد أكمل اصطياده للحيتان، بعد أن نجح في إقصاء الرفاع البحريني والترجي التونسي. والحقيقة أن الدرس الذي استخلصه الرجاء من سقطته أمام مولودية الجزائر، يجب أن يحضر بشكل كبير في أذهان لاعبي أولمبيك آسفي لتشابه السياقات، فالأولمبيك عاد بتعادل إيجابي من جدة، والإتحاد السعودي يعيش وضعًا متأزمًا على مستوى البطولة المحلية، دلت عليه خسارته الإثنين الأخير بميدانه أمام ضمك، لذلك فإن التوهم بأن اتحاد جدة سيكون صيدًا سهلًا هو شروع فعلي في الإنتحار، مثلما أن اللعب على التعادل بالأصفار هو لعب بالنار، ومن يجرؤ على اللعب بالنار يكون مآله الإحتراق. *نقلاً عن المنتخب المغربية
مشاركة :