إذا عطست الصين

  • 2/16/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عانت البشرية عبر العصور أمراضا وأوبئة كثيرة خلفت خسائر فادحة في الأرواح والأنشطة الاقتصادية. وتخرج إلى الوجود، كل عدة أعوام، تحديات صحية وأمراض وأوبئة جديدة سواء على مستوى الدول أو العالم. ويأخذ التعرف على الأمراض الجديدة وتطوير وسائل وتقنيات التصدي لها بعض الوقت. قاد التطور التقني والمعرفي المتسارع ــ خلال القرنين الماضي والحالي ــ إلى تحسين الرعاية الصحية ونشر خدماتها وتعميمها على معظم سكان المعمورة. ونتيجة لذلك ارتفعت قدرات التعرف على الأمراض والتصدي للأوبئة المهلكة التي عصفت بالبشرية لآلاف الأعوام. وعانت الصين منذ عدة أعوام انتشار مرض السارز الذي خلف خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، حتى تمت السيطرة عليه والحد من انتشاره. وتعاني الصين حاليا انتشار نوع جديدة من مرض كورونا الذي كبدها خسائر بشرية أكبر من مرض السارز، كما تسبب في عزل مقاطعات عدة وأشاع الذعر في أرجاء الصين والعالم. إضافة إلى الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن، يخفض انتشار الأمراض المعدية معدلات النمو الاقتصادي وقد يحولها إلى سالبة. وتدفع غريزة حب البقاء والخوف من العدوى معظم الناس لتجنب الخروج من المنازل وخفض أو وقف الأنشطة الخارجية كالعمل والدراسة والتسوق والسفر والتنقل قدر الإمكان. وينتج عن هذا تراجع الطلب على منتجات قطاعات اقتصادية معينة وخفض إمدادات عديد من السلع والخدمات، وقد يؤدي إلى شلل اقتصادي جزئي يرتفع وينخفض مع خطورة الأوبئة ومدى ومدة انتشارها. يواجه المختصون صعوبات كبيرة في تقدير آثار الأمراض والأوبئة في الاقتصادات الوطنية والعالمية خصوصا إذا كانت جديدة وتشح المعلومات المؤكدة حولها مثل كورونا ووهان المنتشر في بعض المناطق الصينية. وتعاني الصين حاليا تراجعا قويا في أنشطة المقاطعات والمدن المتأثرة بالمرض، حيث يشهد بعضها شبه توقف في الحياة الاقتصادية بسبب الحجر الصحي والسياسات الخاصة والعامة التي أغلقت المصانع والمدارس وأماكن العمل والمطاعم ووسائل النقل العام. ومن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي الصيني بقوة في الربع الأول من العام الحالي وبدرجة أقل باقي العام الحالي. ويتوقف حجم الخسائر المستقبلية في الأمدين المتوسط والطويل على سرعة وإمكانية السيطرة على المرض. تسهم الصين بنحو 16 في المائة من الناتج الاقتصادي المحلي العالمي، كما أنها أكبر مصدر وثاني مستورد للبضائع في العالم. إضافة إلى ذلك ينتج كثير من الشركات متعددة الجنسية والعالمية كثيرا من منتجاتها وأجزاء منتجاتها في الصين. وتنتشر سلاسل إنتاج السلع والمنتجات حول العالم وتلعب الصين أهمية كبرى في هذه المنتجات وقطعها، ومن أبرزها السيارات والهواتف الخلوية والمعدات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية بشكل عام. وقد توقف إنتاج كثير من شركات السيارات العالمية في الصين وخصوصا في المقاطعات الأشد تأثرا، كما تراجع إنتاج عدد من شركات السيارات خارج الصين بسبب نقص القطع المنتجة في مصانع الصين. ولن تعاني شركات سلاسل الإنتاج كثيرا توقف إنتاجها في الصين إذا عادت مصانعها بسرعة إلى الإنتاج، ولكن إذا طالت مدد الإغلاق فإن هذا سيخفض إمدادات بعض السلع ويحدث خسائر للشركات المنتجة وقد يغلق بعض المصانع. تعد الصين أكبر دولة مستوردة ومصدرة للسياح في العالم كما أن السياح الصينيين الأكثر إنفاقا. وسافر نحو 166 مليون صيني للخارج في 2019 أنفقوا ما يقارب 270 مليار دولار، بينما زارها نحو 143 مليون سائح في العام نفسه صرفوا 130 مليار دولار. أما في الوقت الحالي فهناك شبه توقف للرحلات السياحية من وإلى الصين مما سيحدث خسائر كبيرة للصين وهونج كونج وعدد من الدول السياحية المهمة عالميا. وأوقفت معظم شركات الطيران العالمية جل رحلاتها المغادرة والقادمة من الصين. وبوجه عام قد تتراجع هذا العام أنشطة قطاعات السياحة والنقل الجوي على المستوى العالمي بسبب مخاوف انتشار العدوى بالمرض. تعد الصين أكبر دولة صناعية في العالم، لهذا تمثل أهمية قصوى لأسواق ومنتجي السلع الأولية بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والحديد. وهي أكبر مستورد للنفط في العالم حيث وصل صافي وارداتها قبل انتشار كورونا إلى نحو عشرة ملايين برميل يوميا. وتراجعت أسعار النفط بنحو 20 في المائة منذ بداية انتشار المرض حتى الآن بسبب المخاوف من تراجع النمو والطلب الصيني، ما سيخفض إيرادات الدول المصدرة للنفط. وعموما تلعب الصين دورا مهما ومحوريا في الاقتصاد العالمي وتزداد أهميتها كثيرا للدول القريبة منها مثل كوريا الجنوبية واليابان وفيتنام وتايوان وأستراليا، ولهذا يمكن القول إنه إذا عطست الصين أصيب باقي العالم بالبرد. يزداد القلق العالمي حول هذا المرض مع مرور الوقت وتفاقم الخسائر البشرية والاقتصادية الصينية والآثار الارتدادية لتراجع النمو الاقتصادي الصيني ومخاطر انتشاره في دول أخرى. ولم تعلن منظمة الصحة العالمية حتى الآن تحول هذا المرض إلى وباء وهذا أمر جيد، ولكن لا سمح الله في حالة تحوله إلى وباء عالمي فإن مخاطر حدوث ركود اقتصادي عالمي ستكون كبيرة. وعموما من المتوقع تراجع النمو الاقتصادي العالمي هذا العام ويصعب تحديد حجم الخسائر ولكنه يتوقف على سرعة السيطرة على المرض ومدى انتشاره.

مشاركة :