حان الوقت لتخلي أوروبا عن نظام «الباب الدوار»

  • 2/18/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انقلبت السياسة رأسا على عقب. أوروبا تلوح بالوداع لسياسات الحزبين التي شكلت ديمقراطياتها. تشرذمت تفضيلات الناخبين، بالتالي فإن الائتلافات التي كانت ذات يوم ضمن أحزاب متعارضة من يمين الوسط ويسار الوسط يجب الآن، بطريقة ما، إعادة تشكيلها خارج تلك الأطر. الصفقات التي كانت تتم في الغرف الخلفية لا بد أن يتم التفاوض عليها الآن بين الأحزاب العاملة على مرأى ومسمع من الجميع. القادة السياسيون يكافحون من أجل التكيف. لطالما كان لأوروبا أكثر من نصيبها من الحكومات الائتلافية. الفرق هو أنه، مع بعض الاستثناءات، كانت بمنزلة الباب الدوار لاثنين من الأحزاب المهيمنة. وإذا كانت هناك حاجة إلى تأكيد هذه النقطة، فإن نتيجة الانتخابات العامة في إيرلندا قدمت تأكيدا للاتجاه الجديد. على مدى 90 عاما، كانت السياسة في إيرلندا يهيمن عليها الحزبان اللذان برزا من خلال الحرب الأهلية الإيرلندية؛ "فيانا فيل" و"فاين غايل". حزب أو آخر منهما، وغالبا حزب فيانا فيل، كان الشريك الرئيسي في كل حكومة منذ عشرينيات القرن الـ20. هذا التوازن انتهى الآن بفوز حزب شين فين في الانتخابات الأخيرة. إيرلندا تتبع مسارا معروفا إلى حد كبير. في فرنسا الأحزاب المهيمنة سابقا، هي الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري من يمين الوسط (وأسلافه)، كانت تتمتع بهيمنة كاملة على الرئاسة والجمعية الوطنية. لكن في عام 2017 فاز إيمانويل ماكرون بجائزة الإليزيه وحركة "الجمهورية إلى الأمام" التابعة له، التي تشكلت في عام 2016، تهيمن على الجمعية الوطنية. الاحتمالات هي أنه في عام 2022، كما في عام 2017، ستكون مارين لوبن، زعيمة حزب التجمع العنصري اليميني المتطرف، هي منافسه الرئيسي. في ألمانيا، انخفض الدعم لحزب يسار الوسط الديمقراطي الاجتماعي بمقدار النصف تقريبا، إلى 20 في المائة منذ مطلع القرن. كان أداء الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط أفضل، لكنهم ما زالوا يرون أن نصيبهم من الأصوات يتراجع إلى أكثر من 30 في المائة بقليل. حتى أواخر التسعينيات لم تنخفض النسبة قط إلى أقل من 40 في المائة. الخوف من احتمال تراجع الديمقراطيين المسيحيين إلى مستويات أدنى حتى من قبل ساعد على تفسير انسحاب أنيجرت كرامب-كارنباور الأسبوع الماضي من كونها خليفة محتملة للمستشارة أنجيلا ميركل. في إسبانيا حصل الاشتراكيون والحزب الشعبي، من يمين الوسط، على 80 في المائة من الأصوات في عام 2000. ظهور حزب بوديموس وأخيرا حزب فوكس Vox جعل هذا الرقم ينخفض إلى 49 في المائة العام الماضي. هذا النمط ليس عالميا. بعض الدول تعمل منذ فترة طويلة وفق أنظمة متعددة الأحزاب. إيطاليا فريدة من نوعها. في بريطانيا النظام الانتخابي القائم على أن الفائز يحصل على كل شيء، شهد تجزئة على أسس وطنية لا أيديولوجية. "المحافظين" و"العمال"، وهما الحزبان الرئيسيان على مستوى المملكة المتحدة، يشغلان فيما بينهما سبعة مقاعد فقط من أصل 59 مقعدا في اسكتلندا. عانت أحزاب يسار الوسط أكثر من غيرها من التشرذم. خسرت الأصوات لصالح المتعصبين القوميين من اليمين، وللأحزاب اليسارية تاريخيا مثل حزب الخضر. الخيط المشترك هنا هو تصدع ما كان في السابق تصويتا متجانسا للطبقة العاملة. العولمة والتقدم التكنولوجي فصل "المطلعين" الذين ما زالوا يعملون في وظائف آمنة وغالبا ما تكون نقابية، عن "الخارجيين" الذين تقطعت بهم السبل على الهامش بسبب التغيير. هؤلاء الخارجيون هم "المخلفون" الذين يأتون وراء الشعبويين. السياسة القديمة التي تدور حول حزبين كانت مستقرة بطبيعتها. الهزيمة التي يتعرض لها يمين الوسط تعني النصر ليسار الوسط، والعكس صحيح. كانت التحولات عادة سلسة. كانت التوترات التي لا مفر منها بين الفصائل المختلفة ومجموعات المصالح داخل كل ائتلاف مقيدة بسبب الحاجة إلى الانضباط الحزبي. تم حرمان الناخبين من رؤية أي صفقات قذرة يجري ترتيبها. تبدو السياسة الجديدة المجزأة غير مستقرة بطبيعتها. بناء تحالفات متعددة الأحزاب يتطلب من السياسيين التسوية، والاعتراف بأنهم يقذفون إلى الخارج بسياسات كانت جزءا من برنامجهم الانتخابي. من هنا يأتي التوقع بأن عدة أشهر ستمر قبل أن تجد إيرلندا ائتلافا حاكما – هناك إشارات تفيد بأن الإجابة قد تكون انتخابات ثانية. يقول بعضهم إن عدم الاستقرار أفضل من التسوية. لكن هناك طريقة أخرى للنظر إلى هذا المشهد المجزأ الجديد. العنصر المفقود الذي يفعل أكثر ما يمكن لشرح الضغوط والتوترات في السياسة الأوروبية هو الثقة. قلة من الناخبين هم على استعداد للتشبث بولاءاتهم الحزبية في عالم انخفضت فيه كثيرا قيمة الوعود السياسية. هم أكثر انجذابا للأحزاب الجديدة الأصغر التي تمثل في كثير من الأحيان، مثل الخضر، قضية أو قضيتين كبيرتين. من هذه الزاوية، الشفافية التي يتطلبها بناء الائتلاف متعدد الأحزاب فرصة لاستعادة الثقة. تقول الرسالة الموجهة إلى الناخبين: "هذا هو ما اقترحناه في بياننا، وهذه هي التغييرات التي نحن على استعداد لإجرائها من أجل استيعاب منصات الآخرين". هذا لن يكون سهلا على السياسيين الذين اعتادوا العمل بعيدا عن الأنظار. لكن تخميني هو أنهم سيفاجأون برد الفعل. يحب الناخبون تماما الصراحة وهم قادرون تماما على مكافأتها. على أي حال، ليس لدى السياسيين خيار يذكر عندما تكون البدائل هي عدم الاستقرار المزمن وانتخابات أكثر توترا. التجزئة يمكن أن تكون مصدرا للاستقرار. تخلت نيوزيلندا بوعي عن سياسة الحزبين في أوائل التسعينيات لمصلحة نظام انتخابي مصمم لإفساح المجال للأحزاب الصغيرة. كان التغيير مصحوبا بتوقعات قاسية من الحرس القديم بأن البلاد ستصبح غير قابلة للحكم. على العكس تماما. كان لنيوزيلندا أربعة رؤساء وزراء، بمن فيهم الرئيسة الحالية، منذ عام 2000، في حين كان عددهم خمسة، مثلا، في بريطانيا ذات الحزبين.

مشاركة :