لكل تجربة تلفزيونية جديدة تأثير ما تتركه في المشاهد، فإما أن يرحب بها ويحبها وإما أن ينتقدها. لكن التجارب الجديدة باتت نادرة تلفزيونياً رغم كثرة القنوات وسعي كل محطة إلى كسب الجمهور وتقديم أفضل ما لديها. قلة تختار فعلاً أن تقدم الأفضل، وتسعى إلى التطوير الحقيقي لمفهوم الإعلام المرئي، وتذهب إلى ابتكار أو تبني فكرة مختلفة عما هو سائد خصوصاً في العالم العربي. ومن هذه القلّة، محطة تسير على نهج واحد منذ انطلاقتها، وتعمل على تطوير ذاتها باستمرار، وهي سكاي نيوز عربية التي يمكننا القول إنها قدمت نفسها كشاشة إخبارية مختلفة عن كل القنوات الإخبارية الأخرى ونجحت، وجذبت الجمهور إليها بفضل مواكبتها للتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، فكسرت القواعد الروتينية، وخرجت من إطار شاشة التلفزيون لتصل إلى كل الناس بأسرع الوسائل وأحدثها. اليوم سكاي نيوز عربية التي ولدت من أبوظبي، تقرر مرة أخرى كسر الأطر التقليدية، لتطل على المشاهدين ببرنامج يقدم نفسه بنفسه، يستغني عن المذيع ويكتفي بخلق حوار بين ضيوفه. وكما يوحي اسمه نيران صديقة، فما يفهمه المشاهد من خلاله أنه عبارة عن جلسة حوار ساخنة بين أصدقاء. الحلقة الأولى التي عرضت مساء الاثنين الماضي مباشرة على الهواء من مكاتب القناة في لندن، انتظرها كثيرون وتابعوا النمط الجديد في البرامج التي تقود نفسها بنفسها، تماماً كما القطار أو المترو الذي يمشي على سكته بلا سائق. لا بد أن يتوقف كل المذيعين أمام هذه التجربة لأنها تعنيهم أولاً، ونجاحها وانتشارها سيشكل خطراً على وجودهم على الشاشة، لاسيما وأن المشاهد العربي بات يهرب من مجموعة من البرامج بسبب عدم مهنية مقدميها، أو كثرة غرورهم، أو سطحيتهم وقلة معرفتهم وضيق أفقهم، أو صراخهم وعصبيتهم، أو تطرفهم وتحريضهم للجمهور على العنصرية ونبذ الآخرين.. كل هؤلاء تهددهم تجربة نيران صديقة إذا كتب لها الاستمرار. هل يمكنك أن تحكم على البرنامج من أول حلقة؟ يمكنك أن تضع بعض الملاحظات، إنما لن تحكم عليه قطعياً لأنه تجربة أولى، وفكرة تحتمل التعديل والتحسين إذا شاء أصحاب ومسؤولو المحطة. ففي الشكل، يبدو البرنامج خارجاً عن المألوف وعما تعودت عليه عين المشاهد منذ أن دخل التلفزيون بيته. واستقبال الضيفين الإعلاميين الكاتب الصحفي المصري مأمون فندي والكاتب السعودي عبد العزيز الخميس لبعضهما البعض، والدخول إلى الاستديو وبدء الحوار مباشرة بلا مقدمات، حول موضوع الحلقة المقرر سلفاً.. إشارة إلى أن الضيفين متساويان في البرنامج، ولا تفضيل لأحدهما على الآخر، ولا يأخذ أي منهما مساحة أكبر من الثاني ليستأثر بالحديث أو ليلعب دور الموجّه الذي يملي شروطه ويدير الجلسة. مفيدة فكرة إلغاء دور الرقيب الذي يمارسه المذيع في البرامج الحوارية، لفتح المجال أمام الضيوف ليعبروا عن آرائهم. والأهم أن الحلقة هذه أثبتت أن الضيف الواعي، يدرك جيداً أصول اللعبة الإعلامية ويمارس الديمقراطية في حواره مع الآخر، فيمنحه فرصة للكلام توازي فرصته. وفي الفقرة الثانية بعد الفاصل الإعلاني، استضاف فندي والخميس ضيفين آخرين، كل منهما جاء بشخص يعرفه ليصبح الحوار رباعياً وتتوسع المناقشة. الجدل كان قائماً، والحلقة نجحت في الوصول إلى المشاهد بسلاسة ودون أخطاء. وككل خطوة أولى، لا بد أن يكون هناك كلمة لكن والتي من شأنها أن تساهم أيضاً في تطوير الفكرة.نيران صديقة لا تتجاوز مدته النصف ساعة بينما برامج التوك شو والبرامج الحوارية السياسية تمتد لنحو الساعة على أقل تقدير، فهل في تقصير المدة هروب من الوقوع في فخ الجدل العقيم وربما الشجار على الهواء بين الضيوف في ظل غياب الحكم أي المذيع؟ وهل اختيار أول ضيفين لأول حلقة، من الإعلاميين الذين اعتادوا الظهور على الشاشة في برامج سياسية والتحاور في شؤون الساعة، هو من أجل ضمان نجاح الحلقة بحكم الخبرة وموقعهما القريب من موقع الإعلامي المذيع؟ مر وقت البرنامج سريعاً وليته طال أكثر، خصوصاً أن المتحاورين يعرفون ماذا يقولون ولكل منهم وجهة نظر مختلفة حول الأزمة في سوريا، فبدت الحلقة وكأنها مجرد عرض لمجموعة آراء تمر سريعاً. كما نتمنى أن تنجح التجربة مرة ثانية وثالثة، مع ضيوف غير إعلاميين، وأن يلتفت مذيع التوك الشو إلى أهمية إدارة الحوار برقي ويلتزم حدود الاحترام وأن يعي حقاً طبيعة دوره، لأن الإعلام الجديد سيفتح الباب أمام الضيوف ليخدموا أنفسهم بأنفسهم، ويصبح الحوار مباشر بين الضيف والمشاهد، بلا وسيط ولا مذيع مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :