في بداية شهر مايو، قبل أكثر من 50 عاماً، كان آباؤنا وأجدادنا ينتقلون من سكناهم التي غالباً ما تكون في الجبال أو بالقرب من الوديان أو على السواحل، إلى حيث تكون المزارع في السهول والسيوح. لم تكن حياتهم مستقرة كما هي الآن، كانوا يطبقون رحلة الشتاء والصيف ينتقلون من ديار إلى أخرى، في زمن يستغرق يوماً ونصف ، في البداية يهيئون منازلهم الصيفية بجانب المزارع، وينشئون حظائر لحيواناتهم، ويحضرون المياه من الآبار القريبة، والحطب من الأشجار الميتة في السهول، وبعدها ينفذون الانتقال الذي يبدأ بإحضار حيواناتهم، التي تتكون من الماشية والدجاج والأبقار، ولعل صور الدجاج أو القطط التي توضع على كيس الأرز ما زالت في ذاكرة من كانوا أطفالاً في ذلك الحين، وغدوا الآن أجداداً يحكون قصص الانتقال لأحفادهم، حين كانوا يتعاونون رجالاً ونساء على تلك النقلة إلى أن يستقروا في المنازل الصيفية لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر وبعدها تعاد الكرة ويرجعون إلى منازلهم الشتوية في الجبال أو على السهول البحرية. النوخذا صالح حنبلوه 62 عاماً من الرمس، يقول: كنا نحن أهل البحر ننتقل مرة واحدة في العام، في أوقات متزامنة تبدأ في نهاية إبريل/نيسان ونمكث بالقرب من المزارع في شهري مايو/ايار ويونيو/حزيران ويظل المزارعون أو أصحاب المزارع إلى أن ينتهي موسم الرطب، فيما يرحل الباقون قبلهم إلى حيث منازلهم على السواحل. ويضيف: ننتقل في نهاية شهر إبريل/نيسان من منطقتنا على سواحل الرمس، إلى منطقة ضاية المعروفة بخصوبة تربتها وكثرة المزارع فيها، وتبعد عنا مسافة 5 كيلو مترات، ننتقل مشياً على الأقدام، وحين نصل تلك المنطقة نشرع في إقامة العرش وهي منازل صيفية مصنوعة من سعف النخيل، وحين تطورنا في الستينات من القرن الماضي، كان ميسور الحال منا يبني له دهريزا ، لقسيمة الأرض التي وزعتها الحكومة لمن يريد أن يبني عليها، وكانت مساحتها 100 والدهريز أو الدهليز غرفة من الطابوق لها نوافذ عدة حوافها من سعف النخيل وكذلك سقف الدهليز من الدعون جمع دعن، وهو سعف النخيل المصفوف والمربوط مع بعضه ليشكل بساطاً واحداً، يستخدم كسقف أو بساط يوضع عليه التمر وله استخدامات متعددة. عبدالله بن لقيوس، من أهالي منطقة خت في رأس الخيمة، يقول: كنا ننزل من الجبال في نهاية شهر إبريل إلى حيث المزارع، وكانت مزارعنا في منطقة خت أيضاً، والبعض يرتحل إلى دبا أو غليلة وشعم، حيث تكثر المناطق الزراعية والنخيل. عبدالله راشد بن سليم، 50 عاماً، من أهالي منطقة خت، يؤكد: كنا في هذه الفترة على مشارف نهاية شهر إبريل، نهم بالانتقال من مناطقنا الجبلية في السلية الصحصحة في قمم جبال منطقة خت، إلى الشرميلة وهي أيضاً منطقة جبلية إلا أنها تتميز بتوافر العشب والمياه وقليل من النخيل، موضحاً أن أهل الجبال في منطقته ينتقلون كل 3 شهور تقريباً إلى مناطق تتوفر فيها العشب والمياه. محمد عامر الشميلي 56عاماً، من أهالي منطقة شمل في رأس الخيمة، يوضح: كنا نحن أصحاب النخيل مستقرون في أماكننا لا ننتقل إلا بتغيير المسكن، ما بين العرش إلى المنازل الشتوية المبنية من حصى وطين، في المنطقة الزراعية ذاتها. محمد سعيد راشد الشميلي 27 عاماً، من منطقة وادي حقيل، يؤكد وهو يتحدث بثقة، أن الانتقال كان في منطقته يحدث مرتين مرة في الصيف وأخرى بالشتاء، يقول: علمت أخبار أجدادي من والداي اللذين يحرصان على نقل صورة من حياتهم السابقة لأبنائهم، وما زلنا متمسكين بالخطوط العريضة لتفاصيل تلك الحياه الصعبة، موضحاً أنهم في فترة نضوج ثمار النخيل في بداية الصيف ينزلون من مساكنهم في أعلى الجبال في منطقة السل وحقيل وسل ضاية، إلى منطقة شمل حيث المزارع، ويمكثون فيها إلى أن يحين الشتاء، بعدها ينتقلون إلى أعالي الجبال في مناطقهم التي تكون فيها سكناهم من بيوت القفل الشتوية. من مسافي يقول عبدالله الشريقي، 54 عاماً: قبل حوالي 40 سنة كانت منطقتنا تؤمها الكثير من العائلات أثناء المقيض صيفاً كونها منطقة زراعية، فمنذ بداية شهر يونيو/حزيران إلى شهر سبتمبر/أيلول، تتجمع العائلات من أم القيوين والشارقة وعجمان، ونرحب بهم كجيران في المنطقة، ونستضيفهم بالقرب من مزارعنا حيث نقطن في تلك الفترة، أما في الشتاء فننتقل إلى مساكن الحجر الأسمنتية أو الخيام في المنطقة ذاتها، التي لا تبعد عن المزارع مسافة كيلو متر واحد. سالم حسن البايض 65 عاماً، من منطقة شمل، يقول: كنا في الشتاء نسكن منطقة جبلية تسمى الكهف ثم نتحول منها أي ننتقل في شهر مايو، إلى قرب المزارع في شمل، جنوب القلعة، كنا نتحين الخامس من التسعين لينتهي، ولنطمئن أن الجو مستقر، حيث كان الخامس من التسعين من الدرور القديمة، معروف بتقلب الجو فيه حيث تأتي الأعاصير أو الأمطار، حين تختفي نجوم الميزان والثريا، فإن انتهى ذلك اليوم، نتأكد أن الوضع مستقر ويشجع للانتقال بسلام، ونبدأ من عصر اليوم بتحضير المنازل التي سنقطنها في شمل، وننقل معنا مستلزمات المنزل من فرش وأدوات الطبخ وكل المستلزمات التي نستخدمها بشكل يومي، وحين نصل للمنطقة، ننظف الصفة وهي غرفة من الحصى مغطى سقفها بشجر الإسبق، ونحضر المياه من الآبار القريبة من المنطقة، وكذلك الحطب، الذي نحضره ونتركه بجانب منازلنا استعداداً لاستخدامه كوقود للطبخ، وبعدها يبدأ الانتقال في صباح اليوم التالي من خلال استخدام الجمال في نقل الأغراض، وننقل معنا الماشية والحيوانات التي نربيها، ونتشارك نساء ورجالاً في توجيه تلك الحيوانات إلى حيث المكان الصيفي.
مشاركة :