أكدت معالي نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، أن «هناك العديد من المبادرات التي تحقق التوازن بين موروثنا الثقافي وانفتاحنا على الثقافات الأخرى»، كما قالت إن «الوزارة تشجع قطاع الصناعات الإبداعية، وترسيخ ثقافته في المجتمع، باعتباره من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها اقتصاد المعرفة»، مشيرة إلى أهمية هذه الصناعات في إبراز الهوية الإماراتية والمحافظة عليها. وأضافت معاليها، في حديث اختصت به ملحق «الاتحاد الثقافي»، أنه «من خلال التوجه الاستراتيجي الجديد لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة، فإننا نعمل على وضع السياسات والتشريعات التي تنظم القطاع الثقافي بشكل عام في الدولة بالتنسيق مع الجهات الاتحادية والمحلية المعنية». وفيما يتعلق بالعلاقة التاريخية بين الإمارات ومنظمة «اليونيسكو»، قالت معالي نورة الكعبي: «الإمارات ترتبط بسجل تاريخي حافل من التعاون الوثيق مع (اليونيسكو)، وسنستكمل العمل مع المنظمة الدولية لتوسيع آفاق التعاون الدولي، وتفعيل الحوار العالمي مع شركائنا، وتحويل الأفكار إلى مبادرات جديدة تخدم المجتمع الإبداعي والثقافي في جميع دول العالم». وفيما يلي نص الحوار: * دولة الإمارات على موعد مع استحقاقات مهمة في المرحلة المقبلة، وعلى رأس هذه الاستحقاقات الإعداد لاحتفاليات العام الخمسين من مسيرة الاتحاد، ما هي الرؤية الاستشرافية المستقبلية لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة إزاء هذا الحدث الوطني الكبير، وما الخطط والبرامج والأطر التنفيذية على المستوى الثقافي لدعم مضامين ورسائل هذا الحدث والترويج له محلياً وعالمياً؟ - يمثل التخطيط طويل الأمد وبناء المواهب والاستفادة من قدرات الأجيال القادمة عنصراً مهماً في رؤية وزارة الثقافة وتنمية المعرفة؛ لذا عقدنا جلسات ونقاشات معمقة مع مختلف الهيئات الثقافية والجهات المحلية الفاعلة في المشهد الثقافي، بمن فيهم الأفراد والجمعيات للتعرف على احتياجات القطاع الثقافي في الدولة، خلال السنوات العشر المقبلة؛ بهدف تعزيز التعاون مع جميع الجهات المعنية في المجال الثقافي، وتحديد الأدوار والمسؤوليات، وتجنّب الازدواجية وتعزيز التنسيق لتكامل الأدوار. توصلنا إلى مجموعة من الاحتياجات والمتطلبات، أطلقنا عليها «الأجندة الثقافية»، وهي الاستراتيجية القطاعية الأولى من نوعها للقطاع الثقافي في الدولة التي تهدف إلى قطاع ثقافي متكامل وملهم للإمارات والعالم، وقد تم إعدادها بعد دراسات متعددة لقطاع الثقافة وإنجازاته على مستوى الدولة، مقارنةً بأفضل الممارسات العالمية والتجارب الدولية. تضم الأجندة مجموعة من التوجهات الاستراتيجية لتقديم منظومة ثقافية متكاملة ومستدامة، تسهم في تحقيق رؤية حكومة دولة الإمارات.. كما تركز الأجندة الثقافية على التعليم، كونه أحد أهم المحاور الأساسية لتعزيز الوعي، وصقل المهارات الثقافية وتطويرها لمختلف فئات المجتمع، بالإضافة إلى أن تعزيز المحتوى الثقافي في المناهج لجميع المراحل التعليمية - وفق أفضل الممارسات العالمية - سيساهم في وصول مستوى التعليم في الدولة إلى أفضل المستويات العالمية. وتطرح الأجندة الثقافية، لأول مرة في دولة الإمارات، مفهوم الصناعات الثقافية والإبداعية التي تهدف إلى جعل الثقافة أداة اقتصادية تخلق الفرص الوظيفية، وتطرح البدائل المهنية، وتساهم في تحويل اقتصاد الدولة إلى اقتصاد معرفي يعتمد على السياحة الثقافية والصناعات الثقافية والإبداعية والإنتاج المعرفي. تعد الثقافة أيضاً وسيلة تعبير أساسية، تستخدمها الأمم للتعبير عن تاريخها ومبادئها، كما تستخدم حالياً في مجال الصحة والبرامج الأمنية والحفاظ على البيئة، وعليه قامت الأجندة الثقافية بالتركيز على التداخل والتكامل بين الثقافة والمجتمع، بهدف تعزيز جهود الدولة للوصول إلى أفضل مجتمع في العالم. الإمارات و«اليونيسكو» * كيف تنظرون لفوز دولة الإمارات مؤخراً بعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة لأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، وما إيجابيات هذا الفوز وأصداؤه المنتظرة ثقافياً على المجتمع المحلي وعلى الحضور الإماراتي في المحافل الدولية؟ - نرتبط في دولة الإمارات بسجل تاريخي حافل من التعاون الوثيق مع «اليونيسكو» عبر مبادرات وبرامج ترعاها الدولة بإشراف المنظمة، فقد تم تصنيف دولة الإمارات في المرتبة السادسة على قائمة أكبر الدول المانحة لمنظمة «اليونيسكو»، بالإضافة إلى مبادراتها في مجال التعليم والثقافة والعلوم، ومن بين أبرز مشاريعها في مجال التعليم، إنشاء صندوق حمدان بن راشد آل مكتوم لدعم «اليونيسكو» في عام 2013 لدعم المبادرات والمشاريع التعليمية، وتبلغ قيمته نحو 2.2 مليون دولار أميركي، وقد استفادت منه حتى اليوم أكثر من سبعين دولة حول العالم. وبناءً على ذلك، سنستكمل العمل مع المنظمة الدولية لتوسيع آفاق التعاون الدولي، وتفعيل الحوار العالمي مع شركائنا، وتحويل الأفكار إلى مبادرات جديدة تخدم المجتمع الإبداعي والثقافي في جميع دول العالم. لقد عكس فوزنا بعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة «اليونيسكو» السمعة الطيبة التي تتمتع بها دولة الإمارات وسط المجتمع الدولي والتي عملت على تأسيسها منذ عقود، واليوم توجت بمكانة تليق بجهودها وما تحظى به من تقدير واحترام على الساحة الثقافية العالمية، فنحن في دولة الإمارات لطالما آمناً حتى قبل انضمامنا لعضوية منظمة «اليونيسكو» في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بأن التعليم والثقافة والعلوم يمكن أن تصنع فرصاً جديدة للأجيال القادمة. وعلى مر السنين، توسعت هذه الرؤية لتعبر الحدود، وتصبح جهداً عالمياً ملموساً بنتائج مثمرة قادها الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي دائماً ما كان يؤكد حاجة عالمنا لمزيد من التعاون على نطاق أوسع، حيث نتبادل الأفكار مع شركائنا، لتحقيق مبادرات جديدة ذات أهداف سامية. لدينا أيضاً شراكة مع «اليونيسكو» في الحفاظ وصون التراث الثقافي الموصل، من خلال مشاركتنا في مبادرة «إحياء روح الموصل»، وإعادة ترميم الجامع النوري ومنارته الحدباء، وكنيستي الطاهرة والساعة، حيث يسير المشروع وفق الجدول الزمني المخطط له ونرى إنجازات تحقق هناك.. هدفنا هو إعادة الأمل للسكان بعد ما قامت به عصابات الإرهاب. حققنا إنجازاً آخر على الصعيد الثقافي، تمثل في قيام مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم»، باختيار دولة الإمارات العربية المتحدة عضواً دائماً بصفة مراقب في مجلس إيكروم، وذلك تقديراً لدولة الإمارات وإسهامها المتميز خلال مسيرة عمل المنظمة الدولية، بما فيها استضافة مركز إيكروم الإقليمي الوحيد في إمارة الشارقة. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس إيكروم هذا القرار، لتصبح الإمارات ثاني دولة في العالم تحصل على هذه المكانة بعد إيطاليا، باعتبارها دولة مقر المنظمة الدولية. اللجنة الوطنية * تترأسين اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، ما هي الاختصاصات المنوطة باللجنة؟ تم إنشاء اللجنة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة للتربية والثقافة والعلوم لتكون حلقة الاتصال فيما بين أجهزة الدولة المعنية بشؤون التربية والثقافة والعلوم والاتصال من ناحية وكل من المنظمات العالمية ومكتب التربية العربي من ناحية أخرى، وتكون هذه الاتصالات بهذه المنظمات في أي شأن من هذه الشؤون عن طريق اللجنة الوطنية. وخلال العام الماضي، انتقلت مسؤولية الإشراف عن اللجنة من وزارة التربية والتعليم لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وتناط باللجنة جملة من المهام والاختصاصات، أبرزها رسم وتبني خطة لتحقيق الاستفادة والتعاون فيما بين مؤسسات الدولة ذات العلاقة من جهة والمنظمات ومكتب التربية من جهة أخرى، الاتصال بالمنظمات ومكتب التربية والتعاون في تنفيذ برامجها وأنشطتها التربوية والثقافية والعلمية داخل الدولة، وتعريف المواطنين ومؤسسات الدولة ذات العلاقة برسالة المنظمات ومكتب التربية وبأهدافها وأوجه نشاطاتها، ونشر المعلومات عنها خلال وسائل الإعلام المختلفة والنشرات الخاصة، تزويد المنظمات ومكتب التربية بالمعلومات اللازمة عن النشاط التربوي والثقافي والعلمي في الدولة حسبما تطلبه برامجها وأنشطتها، وتقديم المشورة والمعلومات اللازمة لوفود الدولة إلى المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها وتشرف عليها المنظمات ومكتب التربية المتعلقة ببرامجها التربوية والثقافية والعلمية سواء داخل الدولة أو خارجها. * ما هي أهم الخطط والاستراتيجيات التي وضعتها الوزارة لخلق التوازن بين خصوصية التراث المحلي والهوية الوطنية، وبين شمولية الانفتاح على الثقافات الأخرى والاستفادة من التجارب العالمية العريقة والمتقدمة في أفقها الثقافي والمعرفي؟ - لدينا في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة العديد من المبادرات التي تحقق التوازن بين موروثنا الثقافي وانفتاحنا على الثقافات الأخرى، بل والتعريف بثقافتنا على المنصات العالمية. وتعد مبادرة «البردة» منصة تجسد المساهمة الفاعلة المحلية والعالمية لدولة الإمارات للحفاظ على الفنون والثقافة الإسلامية ونشرها والتعريف بها والحث على ممارستها، وتكريم المبدعين في مجالاتها. وتسعى إلى توسيع نطاق الثقافة والفنون الإسلامية من خلال التعريف بالفنانين المبدعين الذين يتبنون أساليب تفكير جديدة في التعبير عن أعمالهم ورؤيتهم للثقافة والفنون الإسلامية. وتيسير تقديم الدعم المالي للفنانين وتنظيم برامج التبادل الدولي لاجتذاب المواهب الإبداعية من الدول الأخرى. كما تعيد وزارة الثقافة وتنمية المعرفة التأكيد على التزامها بالفن والثقافة الإسلامية، من خلال تقديم برنامج عام وموسّع على منصة مهرجان البردة الذي يجمع رموزاً وقادة وشخصيات إبداعية من جميع أنحاء العالم للتعاون وتبادل الرؤى والأفكار من خلال جلسات حوارية ومعارض فنية، ويسعى المهرجان إلى تفعيل دور الشباب وإلهامهم من خلال تعميق شعورهم بهويتهم الثقافية، بما يعزز مكانة الثقافة الإسلامية في المستقبل. * كيف تتعامل الوزارة مع التغيرات السريعة للوسائط الإعلامية وللتغير الكبير الحاصل في بنية الصناعات الثقافية والإبداعية والتي باتت مؤثرة ومتأثرة بنشاطات حيوية وديناميكة أخرى، مثل السياحة والاقتصاد والتقنيات المتقدمة؟ - يعد قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية إحدى الركائز المهمة في إستراتيجيتنا؛ وذلك بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث تمثل الصناعات الإبداعية مصدراً مهماً من مصادر الدخل، لاسيما للدول التي ترعى الإبداع والتي توفر البيئة المحفزة لتلك الأنشطة والصناعات، ومن بينها دولة الإمارات التي اهتمت بترسيخ أسس الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يمثل الإبداع مقوماً محورياً من مقومات نموه وازدهاره. تشجع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة قطاعات الصناعات الإبداعية وترسيخ ثقافته في المجتمع، باعتباره من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها اقتصاد المعرفة، وقد برزت الصناعات الثقافية والإبداعية خلال السنوات القليلة الماضية أحد روافد الاقتصاد العالمي، ومحركاً من محركات النمو، باعتبارها مصدراً رئيساً للوظائف، ومساهماً في توفير المداخيل، وضامناً لاستقرار ورفاهية المجتمعات. لدينا كل مكامن القوة، لنرفع من سقف طموحنا في مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في اقتصادنا، ونمتلك دافعاً أكثر أهمية من العائد الربحي، فهذه الصناعة مهمة في إبراز هويتنا، والمحافظة عليها، وتعريف المجتمعات والثقافات بمكوناتها وعناصرها وخصوصيتها.
مشاركة :