وهذا ماعبّر عنه الشاعر المبدع ابن الرومي حين قال: (ألا مَن يُريني غايتي قبل مذهبي ومِن أينَ والغاياتُ بعد المذاهبِ)؟! فعلى عكس المدرسة الاختبار في الحياة يكون قبل المذاكرة. ولقد كان ابن الرومي فقيراً متشائماً وحريصاً على الدنيا وفيه (باعترافه) جُبْنٌ وخوف، ودعاه أمير إلى القدوم إليه ووعده بأن يغنيه ولكن المشكلة أنه لا بد من ركوب البحر للوصول إلى هذا الأمير، وابن الرومي يخاف من الماء في الكوب فكيف به في البحر: (فأما بلاءُ البحر عندي فإنه طواني على روع مع الروح واقبِ وَلِم لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ فأيسر إشفاقي من الماء أنني أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب وأخشى الردى منه على كل شارب فكيف بأمنيه على نفس راكب أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى إليَّ وأغراني برفض المطالبِ فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ ومن راح ذا حرصٍ وجبنٍ فإنه فقيرٌ أتاه الفقر من كل جانبِ أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها وأستارُ غَيْب الله دونَ العواقبِ ألا من يريني غايتي قبل مذهبي::ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ؟) فهو لن يعلم مصيره في البحر حتى يركبه! والحياة كلها بحر متلاطم امتحانها قبل مذاكرتها وخوضها قبل معرفتها!.. ومهما كانت نصائح الآباء فلن يعرف الأبناء الحكمة إلا من حرارة التجربة الشخصية! ابن الرومي شجاع في التعبير عن مشاعره ولكن الشجاعة في مواجهة مجاهل الحياة أهم..
مشاركة :