في اتصال لـ«البوابة نيوز» بقصر الإليزيه، لمعرفة مغزى وأهداف زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى لدينة ميلوز بشمال شرق فرنسا، أوضح مكتب ماكرون أن هذه الزيارة تتركز حول ملف حساس للغاية، وعد الرئيس بمعالجته في بداية ٢٠٢٠، وكان موضوع عدد كبير من الاجتماعات المشتركة بين الوزارات في الأسابيع الأخيرة، وهذا الموضوع يخص القضايا المتعلقة بمكافحة الانفصالية الإسلامية وظاهرة الطائفية الدينية.واختار الرئيس الفرنسى مدينة ميلوز والتحدث في حى بورتزفيلر، الذى يقطنه ١٥ ألف شخص، لأنه يعتبر واحدا من ٤٧ حيا على مستوى التراب الفرنسى تسعى الحكومة لاستعادتها من «القبضة الإسلاماوية» المتحكمة فيه، فهو أحد ١٧ إقليما زودت السلطات فيها تعزيزات أمنية بما يسمى بـ«الخلايا الخاصة» لمواجهة التشدد الإسلامى والنزعة الطائفية.وأوضح قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسى اصطحب معه وزير الداخلية كريستوف كاستنر، ولوران نونيز، وزير الدولة لدى وزير الداخلية الذى يدير شئون الأديان، وروكسانا ماراسينانو، وزيرة الرياضة التى تدير شئون الشباب، مشيرا إلى أنه تم الالتقاء مع نحو ٦٠ شخصًا في حلقات نقاش للاستشارة حول مائدة مستديرة من مدراء أمن المنطقة والمحافظين وبعض المسئولين والنواب المنتخبين، ورؤساء المؤسسات والجمعيات والمنظمات الاجتماعية ورجال الأعمال والمقيمين، وناقشوا خطط العمل والحلول لمحاربة الطائفية والتطرف. وأوضح مكتب الرئيس الفرنسى لـ«البوابة» أن ماكرون سيفرض قيودا على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى فرنسا، بهدف القضاء على ما وصفه بخطر الشقاق، فضلا عن إعادة تنظيم إسلام فرنسا. وخصص «ماكرون» معظم أجندته الأسبوع الماضى لـ«البيئة»، من خلال ترأسه لمجلس دفاع بيئى في الإليزيه وزيارة سفح الجبل الأبيض «Mont-Blanc»، لكنه قرر هذا الأسبوع تغيير الواجهة بزيارة خصصها لقضية الطائفية والانفصالية في الجمهورية، وهما المحوران الاستراتيجيان لإيمانويل ماكرون، وفرسا رهان الانتخابات بالنسبة له.وكان «ماكرون» يتحاشى من قبل الدخول في قضايا متعلقة بالجالية المسلمة في فرنسا، مكتفيا بالتركيز على الإصلاحات الاقتصادية، لكنه بعد ثلاث سنوات من الحكم رأى أن يتدخل حينما كان ينعى ضحايا هجوم إرهابى في أكتوبر الماضى ودعا إلى التصدى لما أسماه بـ«الوحش الإسلاماوي»، و«الإرهاب الإسلاماوي» عبر مجتمع يقظ ومعركة دون هوادة، وهو ما أثار وقتها غضب المنافسين والخصوم السياسيين الذين استهجنوا دعوته وسخروا منها لكنه أطلق العنان لحملته الانتخابية قبل أقل من شهر من الانتخابات البلدية، وعازم على أن تمتد جولته الوطنية إلى ما بعد الانتخابات البلدية التى من المقرر إجراء دورتيها في ١٥ و٢٢ مارس المقبل، والتى تعد مقياسا سياسيا للانتخابات الرئاسية في مايو ٢٠٢٢.ويبدو أن ماكرون مصمم على طرد حزبى الخضر ومارين لوبان من الساحة، محاولا سحب البساط من تحت أقدام زعيمة أقصى اليمين التى بدأت تستحوذ على أغلب البلديات الفرنسية في أولى محاولاتها للوصول إلى سدة الحكم عبر تغيير وجه فرنسا السياسى في الانتخابات المحلية والتى سترسم معالم الحكومة القادمة، وبالتالى بات الطريق ممهدا أمامها لتصيغ لها قاعدة برلمانية مريحة بأغلبية سياسية تمكنها من منافسة ماكرون في الانتخابات الرئاسية وتثأر لنفسها عن الانتخابات الماضية.ونجحت «مارين» في الاستحواذ على أصوات الفرنسيين الرافضين للأوضاع الأمنية المتردية في البلاد، وفرضت نفسها كثانى قوة سياسية بالبلاد وتزعمت التيار اليمينى المتشدد في أوروبا بامتياز، وساعدها في ذلك تنامى عدد الخلايا الإرهابية النائمة في فرنسا والتى تتغذى منابعها من التنظيمات المتطرفة كل يوم دون رقابة حتى غدت فرنسا تتصدر قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديرا للمقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي.فيما أعلن وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان، أن ما يقارب من ٤٥٠ فرنسيا انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابى خلال السنتين الماضيتين فقط، فيما يعتبر العائدون من المقاتلين منهم قنابل موقوتة يخشى الفرنسيون من كوارثهم المحتملة.ويحاول «ماكرون» سحب البساط السياسى أيضا من تحت أقدام حزب الخضر الذى بدأ يستحوذ على أصوات الناخبين بعد أن غيرت معالم قوته نفوذ دول الاتحاد الأوروبي، ومن أجل هذا بدأ «ماكرون» ملامح استراتيجيته بالعمل على إيقاف التمويل الأجنبى للمساجد والمراكز الإسلامية التى وجدت لها مواطن نفوذ في قلب أوروبا، واستحوذت على أغلب الفقراء والمهمشين في الأحياء الفقيرة، والذين باتوا فريسة سهلة لتنظيم داعش الإرهابي، وسجلت فرنسا إرسال عدد كبير منهم إلى تركيا بهدف السياحة ولكن اكتشفت المخابرات الفرنسية فيما بعد أنهم يقاتلون في سوريا والعراق.
مشاركة :