تشهد الولايات المتحدة في الفترة من فبراير وحتى يونيو2020. سلسلة من الانتخابات التمهيدية في كل ولاية على حدة، بداية من أيوا وانتهاء ببورتوريكو، لاختيار المرشحين المنافسين على الرئاسة الأمريكية، وذلك بعد مرور 4 سنوات على انتخاب دونالد ترامب عام 2016. وإذا كان من المتوقع استمرار الأخير في الانتخابات الرئاسية القادمة مرشحا للحزب الجمهوري؛ نظرا إلى شعبيته، فإن الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي يمكن من خلالها التنبؤ بالمنافس الرئيسي له في الانتخابات المقبلة.ففي 11 فبراير، أدلت ولاية «نيوهامبشير» بأصواتها في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، وأسفرت عن فوز السناتور السابق «بيرني ساندرز»، إذ حصل على 26% من الأصوات، يليه «بيت بوتيجيج»، بنسبة 24.4%. وتعد هذه الولاية هي الثانية من بين 50 أخرى تجرى فيها الانتخابات، وذلك بعد ولاية «آيوا»، التي أسفرت نتيجتها عن بروز اثنين من المرشحين، أولهما «بوتيجيج»، الذي حصل على 13 مندوبا، وثانيهما «ساندرز»، الذي أتى في المرتبة الثانية بـ12 مندوبا، فيما حصلت «إليزابيث وارن»، على «8»، و«جو بايدن» على «6»، وجاءت «وآمي كلوباتشر»، بمندوب واحد. وكانت الأصوات قد تم تحويلها إلى مندوبين يؤيدون كل مرشح، ومن يحقق في النهاية 1990 مندوبا سوف يفوز بالترشيح. ووفقا للعديد من المحللين، فإن الانتخابات التمهيدية في ولاية «نيوهامبشير»، برزت بشكل كبير عن الانتخابات في ولاية «أيوا»، بل إن البعض يرى أنها ستكون أهم انتخابات تمهيدية في سباق الانتخابات الرئاسية2020. وأوضحت «إيلا نيلسين»، في موقع «فوكس»، أن هذه الولاية «تتمتع بقدر كبير من القوة السياسية؛ إذ لم يفز أي مرشح حزب كبير في التاريخ الحديث الأمريكي من دون أن يأتي في المرتبة الأولى أو الثانية في نتائجها؛ وبالتالي فإن المرشح الفائز فيها سيكون بمثابة «الحصان الأسود» في الانتخابات، وعموما لدى إقليم نيو انجلاند «الذي يتكون من 6 ولايات منها نيوهامبشير»، تاريخ جيد في رفع نتائج المرشحين الأقل حظًا وتوفيقًا». ومع ذلك، فإن تجربة «ساندرز» عام 2016. تدحض ذلك، فقد فاز في انتخاباتها، فيما كانت «هيلاري كلينتون» في النهاية هي المرشح النهائي للحزب؛ لكن لا شك أن الثلاثة مرشحين الأوائل في «نيوهامشير»، سينهون سباق الانتخابات التمهيدية بصورة جيدة، وقد يكون من يفوز فيها هو المرشح النهائي المنافس لترامب في انتخابات نوفمبر الرئاسية.وفي المقام الأول، يرجع نجاح «ساندرز» إلى حصوله على معظم الأصوات الاشتراكية داخل الحزب، وذلك على النقيض من منافسيه مثل «بايدن» و«بوتيجيج» و«بلومبرج»، الذين يتنافسون على أصوات الديمقراطيين المعتدلين. ويرى كل من «ديفيد تشارتر» و«هنري زيفمان»، في صحيفة «التايمز»، أن «الانشقاقات بين الديمقراطيين المعتدلين سمحت لساندرز بأخذ زمام المبادرة قبل التصويت الأساسي في نيو هامبشير، إذ تفرق الناخبون من الديمقراطيين الوسط مع تزايد المخاوف بشأن إمكانية انتخاب جو بايدن، ما يعني أن تصويت الديمقراطيين ذي الفكر المعتدل منقسم بين خمسة مرشحين على الأقل؛ بينما يميل اليساريون إلى ساندرز، وهو ما سمح له بالسيطرة على قسم كبير من الناخبين في الحزب».بالإضافة إلى ذلك، سمحت هيمنة ساندرز على يسار الحزب الديمقراطي بإجراء حملة انتخابية أكثر وضوحا وإيجازا وتناسقا، على خلاف منافسيه الذين كانت برامجهم تتمحور حول السعي إلى إقناع الناخبين بإعطائهم الفرصة للترشح في الانتخابات العامة. ولكن بغض النظر عن مزايا حملته، فلا يزال هناك تحد أمامه يتمثل في حقيقة أن غالبية الديمقراطيين يعارضون رسالته الاشتراكية القوية، وبالتالي، إذا تمكن الديمقراطيون المعتدلون من العثور على مرشح يتحدون وراءه، فمن المحتمل أن يصبح مرشحهم هو المنافس الأقرب لترامب في نوفمبر. وفي الوقت الحالي، يبدو «بوتيجيج» هو المرشح الديمقراطي صاحب الفكر المعتدل الأقرب لمنافسة ساندرز أو ربما ترامب، وذلك على خلفية انتصاره في ولاية أيوا، بحملة انتخابية حماسية ورسالة ديمقراطية واجتماعية واضحة. وكتبت «راشيل بيتيكوفر»، في صحيفة «الجارديان»، أنه «بعد أيام من تجمع اللجنة الانتخابية في ولاية أيوا، وبينما كان الحزب الديمقراطي في الولاية يعاني من أجل تحديد الفائز بسبب المشاكل التقنية، ارتفع رصيد «بيت بوتيجيج» في استطلاعات الرأي في نيو نيوهامشير».وعلى صعيد آخر، فَقَدَ كل من «جو بايدن»، و«إليزابيث وارن»، ثقة الكثير من الأعضاء الديمقراطيين والمحللين السياسيين، فالأول كان نائبا سابقا للرئيس «باراك أوباما»، وكان يعتبره الكثيرون المرشح المفضل للحزب، لكنه حقق نتائج أقل بكثير من التوقعات. وترى «بيتيكوفر»، أن «أداء بايدن اتسم بالضعف، سواء من خلال جمع التبرعات أو التجمعات، أو لأدائه الفوضوي؛ إذ رأى الناخبون أنه لن يكون قادرا على إزاحة ترامب، بسبب قدرة الأخير على تشويهه عبر ابنه هانتر بايدن، الذي سبق وكال له الاتهامات بالفساد؛ ووفقًا لذلك، كان أداؤه سيئًا في نيو هامبشير، وحل في المرتبة الخامسة، ما قد يقوض فرصه في الحصول على الترشيح النهائي».أما «وارن»، والتي كانت تعتبر في السابق من أفضل المنافسين، فإن أداءها الضعيف في «أيوا، ونيوهامبشير»، المركزين «الثالث، والرابع»، على التوالي، يشير إلى استمرار هذه الإخفاقات حتى نهاية مراحل الانتخابات التمهيدية وحملتها برمتها، وهو ما وضعها في موقف صعب، فالناخبون الذين يبحثون عن مرشح معتدل استبعدوها باعتبارها أكثر ميلا إلى اليسار، في حين أن أولئك الذين يبحثون عن مرشح تقدمي وقع اختيارهم على ساندرز بأغلبية ساحقة بدلا منها، وبالتالي فهي بعيدة عن فرصة الترشح النهائي.وعلى الرغم من أن كلا من «ساندرز» و«بوتيجيج»، يبرزان كمنافسين رئيسيين لبقية السباق الأساسي، فإن البرنامج السياسي للمرشح سيكون له التأثير النهائي. ويبقى واضحًا أن جميع المرشحين الديمقراطيين توحدوا على بعض النقاط المشتركة وتبنوا برامج سياسية ذات نهج يساري على غير أسلافهم، ويعزى ذلك إلى نجاح ترامب بين الأمريكيين من الطبقة العاملة. تقول مجلة «الا يكونوميست»: إنه «على خلاف حملة الرئيس باراك أوباما عام 2012. وهيلاري كلينتون عام 2016. يتبنى جميع المرشحين حملات ذات نهج يساري، ولديهم خطط طموحة بشأن قضية تغير المناخ، ويشكك جميعهم في التجارة الحرة، وإن كان ساندرز يبدو الأكثر تشددًا من الناحية الاشتراكية سواء في الأسلوب أو المضمون بالمقارنة بباقي المرشحين، لذلك إذا تم اختياره كمرشح، فإن برنامج سياسة الديمقراطيين لتحدي ترامب سيكون اشتراكيًا بشكل أكثر جذرية من برنامج بوتيجيج».ويتضح ذلك في سياسة «ساندرز»، نحو الشرق الأوسط، فعلى الرغم من اتفاقه مع «بوتيجيج» على بعض النقاط المشتركة، مثل دعم الصفقة النووية الإيرانية والتعهد بالانضمام إليها مجددًا إذا جرى انتخابهما، إلا أنه يختلف بشكل كبير حيال عدد من الموضوعات، مثل دعمه حقوق الفلسطينيين وانتقاد إسرائيل، وهو أمر نادر في السياسة الأمريكية، بينما جاء «بوتيجيج» على النقيض، فعلى الرغم من أنه مؤيد لحل الدولتين، إلا أنه سيواصل السير على سياسات واشنطن بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بدلا من تغييرها جذريًا كما يريد أن يفعل ساندرز.ومع ذلك، وعلى الرغم من احتمالية نجاح إما ساندرز أو بوتيجيج في الحصول على الترشيح النهائي في الحزب الديمقراطي، إلا أن المحللين يصرون على أن هذا قد يتغير بالنظر إلى التكوين الديمغرافي لحالتي نيوهامبشير وآيوا. وتبين التقديرات أن الأولى نسبة البيض بها90%، مقارنة بـ85% في الأخرى، في حين أن الولايات المتحدة ككل، تبلغ نسبة البيض بها حوالي60% فقط، وهو ما يعني أن أصوات الولايتين لا تمثل أمريكا، لا سيما أن هناك ولايات أكثر تنوعًا مثل «نيو مكسيكو» و«كاليفورنيا» و«نيويورك» قد تصوت الأقليات العرقية والدينية فيهم لمرشحين مختلفين. يقول «إريك جولدمان»، في صحيفة «الجارديان»، إن «السؤال الأبرز.. هو كيف ستكون النتائج عندما يريد السود الإدلاء بأصواتهم؟ فلقد تحدد مصير، أوباما وهيلاري كلينتون بناء على رغبة عدد لا بأس به من الأمريكيين الأفارقة». مضيفا «قد يصبح «بايدن» المرشح الأكثر شعبية بين الناخبين السود، لأنه سيفوز على الأرجح بولايات بها أعداد كبرى منهم مثل، ولاية ساوث كارولينا في حين أن بوتيجيج لا يتمتع بجاذبية داخل هذا المجتمع، أما ساندرز فقد ينال تصويتًا متوسطًا، ما يعني أن عودة بايدن متوقعة». وفي هذا الصدد، صرح «نك رحال»، العضو الديمقراطي السابق بالكونجرس، في مقابلة تليفزيونية، بأن «خبرة بايدن السابقة في مجال السياسة الخارجية، وعلاقاته الجيدة مع القادة والرؤساء، وإدراكهم بأنهم سوف يشاركون في النقاشات مثلما حدث مع سوريا ولبنان أثناء توليه نائبا للرئيس أوباما، سيشجع دولا كثيرة ومنها دول في الشرق الأوسط على تأييده». على العموم، فإنه على الرغم من أهمية الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين بولايتي نيوهامبشير وأيوا؛ فإن التنبؤ بفوز أحد المرشحين أمر يصعب حسمه، لكن المؤشرات المبكرة تشير إلى أنه قد يكون «ساندرز» أو «بوتيجيج»، هو المرشح النهائي للحزب، نظرا إلى قوة أدائهما، وربما يسطع نجم «بايدن» بالنظر إلى شعبيته بين الأقليات وخاصة الناخبين السود. ولكن بالنظر إلى البداية المتقلبة والمضطربة لسباق الانتخابات التمهيدية، فمن المحتمل أن تتغير نتائجها بشكل كبير في أي لحظة.
مشاركة :