الشارقة: محمدو لحبيب من الملاحظ أن معظم إصدارات دور النشر الإماراتية تركز على مجال الرواية، بحيث يمكن القول إن ثمة سيادة للسرد على بقية الأجناس الأدبية والثقافية في إصدارتها، وهذا يطرح الكثير من الإشكاليات والأسئلة، عن مدى تعمد تلك الدور الانهماك في نشر الروايات، وهل تراها الأكثر رواجا من غيرها؟، بمعنى هل تغلب نظريات العرض والطلب على المعايير الأخرى، أم أن الأمر مرتبط بظهور طفرة في الكُتاب وخاصة الشباب نحو الرواية أو ما يعرف عند البعض باستسهال الكتابة في السرد مقارنة مع الشعر وغيره ؟، وهل تأثر الناشرون هنا في الدولة بالنظرية التي تقول إن العصر الحالي هو عصر الرواية عالميا، وأنها باتت قادرة على التفوق من حيث الانتشار على الشعر الذي كان يمثل إلى وقت قريب ديوان العرب؟. تلك أسئلة تعكسها الملاحظة المباشرة لما تنشره بعض تلك الدور، والوجود المعتبر للفن الروائي على قائمة منشوراتها، والإقبال المتنامي خصوصا في السنوات الأخيرة على مضاعفة أرقام نشر الروايات بالنسبة لها، «الخليج» استطلعت آراء بعض الناشرين هنا، وطرحت عليهم تلك الأسئلة وغيرها، وكانت إجاباتهم متنوعة بتنوع المدخل الذي نظروا به للموضوع. صالحة عبيد غابش، مديرة المكتب الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، ومديرة دار صديقات للنشر والتوزيع، تحدثت عن المقاربة العامة التي تربط اهتمام دور النشر في الدولة بالرواية والروائيين، بذلك الاهتمام العالمي، والذي يوصف، كما أشرنا سابقا بعصر الرواية، وقالت في هذا الإطار: «إن ظهور عدد كبير من الشباب من الذين وجدوا في الرواية ضالتهم وميدانهم المفضل، ربما هو السبب الأبرز في اتجاه دور النشر لذلك المجال، وكثرة إصداراتها فيه، خصوصا إذا كان أولئك الشباب أو بعضهم قادرين على تقديم رواية محكمة البناء، وذات حبكة قوية ومشوقة تستطيع أن تجتذب القارئ، ولعل اتجاه دور النشر إلى التعامل مع تلك الكتابات يكمن كذلك في تأثرها بآراء كبار النقاد الآن في العالم والتي ترى أن العصر الحالي هو عصر الرواية، وبالتالي فقد تكون تلك رسالة ذهنية إيحائية، جعلت الناشرين مستعدين أكثر للتعامل مع الروائيين باعتبارهم الأكثر قدرة على اجتذاب القراء من الشعراء أو غيرهم من أنواع الكتابات الثقافية الأخرى». حسابات وتؤكد غابش أن ذلك يدخل أيضاً في إطار المعايير التجارية التنافسية التي تضعها دور النشر، من حيث حسابات الربح وغيرها، وتقول: «ثمة تشجيع كبير من دور النشر للكتابة الروائية، وتحمس واضح للإصدارات في هذا المجال، لأنها قادرة ببساطة على تسويق وبيع الرواية أكثر من غيرها، فهناك طلب كبير عليها، وبالتالي هناك تشجيع للكُتاب بأن يكتبوا في هذا الاتجاه، وكأنهم يقولون لهم: إذا أردت أيها الكاتب أن تكون حاضرا فعليك أن تتجه إلى الرواية». وترى غابش أن ثمة عاملاً آخر يضاعف اهتمام دور النشر بالرواية، وهو متعلق بشهرة كاتبهاعلى مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤثر إيجاباً في عملية التسويق وسرعتها وتقول: «ثمة عامل آخر يسهم في إقبال دور النشر على الرواية وهو شهرة كاتبها على مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرته على الحصول على قراء ومتابعين كثر، وهو ما يجعله يمتلك إن جاز التعبير سوقه الخاص، والتي يمكن لدار النشر أن تسوق من خلالها روايته إن نشرتها، وهذا يزيد من رغبة دور النشر في الاتجاه في هذه الاستراتيجية النشرية في مجال السرد الروائي، وبشكل عام يمكننا القول إنه كلما كان هناك مُسوق جيد يعرف كيف يصل بالرواية إلى أكبر عدد ممكن من القراء، حدد حسم ذلك اتجاه للنشر في ذلك المجال، فالنشر هو عملية لها معاييرها التجارية إضافة للثقافية». جمال الشحي مدير دار «كُتاب» يرى الاتجاه إلى الرواية من قبل دور النشر الإماراتية يكمن في قدرتها الفنية على اختزال وتقديم كل أنواع الكتابة الأدبية في نص واحد ويقول: «أنا أعتقد أن الرواية قادرة على اختزال كل الأجناس الأدبية في نص واحد، فقد تجد فيها الحكاية، والشعر، وغيرها، لذلك هي قادرة على الاستيعاب وتقديم نص ثري مكتمل يلبي تطلعات القارئ ويجتذبه لعالمها أكثر من غيرها». ويبين الشحي أن اتجاه دور النشر أكثر فأكثر إلى الرواية والإقبال على نشرها وتوزيعها ليس ظاهرة محلية، بل هي ظاهرة عالمية ويشرحها قائلاً: «هذه الظاهرة ليست محلية، بل ظاهرة عالمية، فالرواية في معظم دول العالم إن لم تكن كلها، لها حظ كبير من النشر مقارنة ببقية الكتابات والمؤلفات، وفي التوزيع كذلك، نحن ببساطة امتداد لما يجري في العالم، وبالتالي من الطبيعي أن تشهد دور النشر هنا نفس الإقبال على نشر الرواية الموجود في بقية العالم». ويضيف الشحي معززاً وجهة نظره حول عالمية الرواية قائلا: «نحن الآن نعيش في زمن القصص، الجمهور بشكل عام يريد قصة ليعيش فيها ويستمتع بها، والرواية هي أفضل ما يقدم له ذلك». ويؤكد الشحي، رغم كل ما سبق، أنه ليست كل دار نشر تولي الأهمية القصوى لنشر الرواية ويتحدث عن دار كُتاب وأولوياتها النشرية قائلا: «نحن في دار كُتاب نعطي للرواية نسبة 35 في المئة من إصدارتنا، وغالبية إصداراتنا هي من أدب الطفل، وكذلك كتب التنمية البشرية التي نوليها كذلك أهمية كبيرة، ويمكنني القول إن ثمة كتباً كثيرة أخرى نوليها عناية في استراتيجيتنا النشرية ككتب القاتون والتاريخ الإماراتي وغيره». صور نمطية ويبين الشحي أن ثمة صورة نمطية تم تعميمها بشكل غير دقيق ما أدى إلى تصنيف دار نشرهم وغيرها بأنهم ينشرون فقط الرواية وقال: «ثمة تعميم مخل في الموضوع، فنحن مثلا ضحية صورة نمطية بأننا لا ننشر سوى الرواية أو أن أغلب منشوراتنا في ذلك المجال، ولكن كما قلت لك آنفا لا نركز على الرواية إلا بنسبة محدودة، وقد يكون هذا التعميم ناتجا عن كون بعض رواياتنا التي نشرناها نالت سمعة كبيرة وزخما نقديا وإعلاميا، جعلنا نصنف كمتخصصين في نشر الرواية في حين أن الواقع عكس ذلك». ويشدد الشحي أن الحديث عن إقبال كبير على كتابة الرواية وارتباط ذلك بتوجه معظم دور النشر لذلك المجال هو صورة مغلوطة، وليست واقعية ويقول: «تلك قراءة مغلوطة، أنا أعمل في النشر وأرى أن لدينا نقصا في الرواية سواء من حيث الكيف أو الكم، فليس لدينا مثلا كتاب فازوا بجوائز عربية في الرواية، وكذلك من ناحية الكم لا أعتقد أن عندنا إقبالا كثيفا على كتابة الرواية، وإن كان هناك فعلا توجه لافت إلى ذلك المجال».
مشاركة :