أحمد محمد (القاهرة) اجتمع نصارى نجران وأحبار يهود عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهودياً، والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وما بك إلا الحسد، وقال النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)، «سورة آل عمران: الآيات 65 - 68». ثناء الجميع يقول أهل العلم جاءت هذه الآيات في سياق دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، وبيان أنه دين جميع أنبيائهم الذين يدينون بإجلالهم، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام موضع إجلال الفريقين منهم لما في كتبهم من الثناء عليه في العهد العتيق والعهد الجديد، كما كانت قريش تجله وتدعي أنها على دينه، فأراد تعالى أن يبين لهم جميعا أن هذا النبي لم يكن على شيء من تقاليدهم، وإنما كان على الإسلام الذي يدعوهم هو إليه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبدأ بالاحتجاج على أهل الكتاب بقوله: (...وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ...)، «سورة آل عمران: الآية 65»، أي فإذا كان الدين الحق لا يعدو التوراة كما تقولون أيها اليهود، أو لا يتجاوز الإنجيل كما تقولون أيها النصارى، فكيف كان إبراهيم على الحق واستوجب ثناءكم وثناء من قبلكم، أفلا تعقلون أن المتقدم على الشيء لا يمكن أن يكون تابعا له. بلا علم وينكر الله على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل، ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم، وقال محمد بن إسحاق كيف تدعون أيها اليهود، أنه كان يهودياً، وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى، وكيف تدعون أيها النصارى، أنه كان نصرانياًَ، وإنما جاءت النصرانية بعد زمنه بدهر ولهذا قال «أفلا تعقلون». وأنكر على من يحاج فيما لا علم له به، فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم، ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لكان أولى بهم، وإنما تكلموا فيما لم يعلموا به، فأمرهم الله برد ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم الأمور على حقائقها. إقامة الحجة وما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفاً مسلماً متحنفاً عن الشرك قصداً إلى الإيمان وما كان من المشركين وأحق الناس بمتابعته الذين اتبعوه على دينه، وهذا النبي - يعني محمدا صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن بعدهم.
مشاركة :