جدل كبير أثير عبر وسائل الإعلام، خلال الآونة الأخيرة، عقب إصدار نقابة المهن الموسيقية في مصر قرارًا، يحظر التعامل مع مطربى المهرجانات ومنعهم من الغناء في المنشآت السياحية وإقامة الحفلات الغنائية، القرار أثار الجدل بين من يؤيد تلك لنوعية من الغناء، ومعارض يرى أنه جاء كنتيجة نطقية لحالة انهيار في الفن والثقافة والذوق العام.ومعروف أن الفنون عامة تتأثر كأى شىء بمحيط اجتماعي متغير، يقضى على أنواع من الفن ويولد من جهة أخرى أنواع فنية جديدة ومختلفة، والدليل أنه عقب ثورة يناير ٢٠١١، بدأ شباب المناطق العشوائية في مصر يهتمون بإبراز لونهم الغنائى الخاص (أغانى المهرجانات) للتعبير عن أفكارهم وأحلامهم، علاقاتهم ونمط حياتهم اليومية، وبغض النظر عن فجاجة الكلمات في بعض الأحيان، إلا أن هذا اللون صمد وبرز أكثر وهى عوامل تدل على قوته وحجم انتشاره الواسع.هذا النوع من الغناء، ولد في جو من المعاناة، يشبه إلى حد كبير الظروف التى نشأت فيها ثقافة «الهيب هوب» في أمريكا، والذى يبرز كواحد من أقوى الفنون في العالم في يومنا هذا، لما له من أثر على المجتمع وأسلوب حياة الشباب خاصة، لكن هل تساءلنا سابقًا عن مدى ارتباط (أغانى المهرجانات) وثقافة الهوب هوب ببعضهم البعض، وكيف تتقبل المجتمعات تلك الأنواع الموسيقية الجديدة باختلاف ثقافتها؟نشأ «الهيب هوب» في سبعينيات القرن الماضى بحى البرونكس، أحد أشهر الأحياء بمدينة نيويورك الأمريكية، كحركة ثقافية صغيرة، كانت تستخدم في الكثير من المظاهرات لمواجهة اضطهاد الحكومة للأقليات العرقية خاصة السوداء، حيث يعود الفضل فيها، إلى حفلات الشارع التى كان يستضيفها «Dj Kool Herk» الذى استخدم خطوط الكهرباء العامة لتوصيل المعدات في الشارع، مستفيدًا من الحشد الجماهيرى الكبير لمحبى كرة السلة.بمرور الوقت، ارتبطت مجموعة من الفنون بثقافة «الهيب هوب» وأصبحت تضم داخلها أنواعا موسيقية مثل «البيت بوكسينج» و«الإم سينج» و«الدى جى»، هذا بجانب «البريك دانس» وهو الرقص الحركى المتناغم مع موسيقى الهيب هوب، حيث لا يرتبط مباشرةً بإنشاء الموسيقى، بل يرافقها ليكوّن عرضا خاصا، ثم أضيف لاحقا فن الجرافيتى (الرسوم على الجدران)، والذى ارتبط بأماكن تجمعات هذه الفرق خلال فترة الثمانينيات، حيث انتشرت الكليبات المصورة في ذلك التوقيت وغيرت مسار هذه الفنون. بالإضافة إلى الفروع السابقة، هناك أربعة أقسام أخرى ضمن ثقافة الهيب هوب غير شائعة للكثير من الناس، وهى ما تجعل (أغانى المهرجانات) في مصر أقرب للهيب هوب.في الأخير، أغلب الشباب الذين نشأت على أيديهم موسيقى «الهيب هوب» لم يدرسوا الموسيقى في الأساس ومعظمهم ينحدر من المناطق الفقيرة، وهو نفس الأمر الذى يسرى على مطربى المهرجانات. لكن في الولايات المتحدة الأمريكية اهتم الموسيقيون بهذا اللون الثقافى، وأصبح له شريحة واسعة من المتابعين، ليس في أمريكا وحسب، وإنما في مختلف أنحاء العالم، كما تم تخصيص قسما لجوائز هذا النوع الموسيقى بجوائز الأكاديمية الوطنية لتسجيل الفنون والعلوم «جرامى» والتى تعد واحدة من أهم الفعاليات الموسيقية المرموقة في العالم، لذلك لا بد من العثور على آلية أو نقطة تلاقى مشتركة بين القائمين على الموسيقى وهؤلاء الشباب، لتقنين هذا النوع لا حظره ومعاداته، فمن الممكن أن تستطيع منع هؤلاء الشباب من الظهور في وسائل الإعلام أو الغناء في الحفلات والمنشآت السياحية، لكن ماذا عن المناطق الشعبية ووسائل المواصلات والهواتف الذكية والإنترنت، هل سيسرى عليها قرار الحظر أيضًا؟
مشاركة :