الأسبوع الماضي، تم الاحتفال بالذكرى السنوية لانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، وقبل نحو 31 عاماً، غادر آخر جندي سوفييتي الدولة عبر نهر أمو داريا. لكن الأفغان يعرفون أن ذلك كان بداية كابوس جديد، هو اندلاع الحرب الأهلية، والكثير من الأفغان الذين لم ينسوا تلك الحرب، يخشون أن يحدث شيء مشابه لها، عندما تنسحب قوات حلف شمال الأطلسي. ولكنهم يدركون مع ذلك أن الانسحاب سيتم، لو لم يكن الآن فسيكون لاحقاً. وقال أحد قادة المقاتلين، خلال ثمانينات القرن الماضي، في منطقة لوغار شرقي البلاد، محمد نسيم، حيث قاتل الحكومة الشيوعية وداعميها: «سيتعين على الأميركيين يوماً المغادرة، فنحن الأفغان لا نحب الغزاة الأجانب». وأضاف نسيم، وهو يأكل التوت في مانداي، إحدى أضخم الأسواق المفتوحة في كابول: «نحن نقتل بعضنا بعضاً، من أجل قوى أجنبية وأيديولوجيات أجنبية، لكن الانسحاب سيتم بصورة منهجية وبمسؤولية». وقال نسيم، الذي يدعم الرئيس أشرف غني: يجب على حركة «طالبان» أن تتفاوض مع الحكومة أيضاً، وليس مع الأميركيين فقط. أكبر القضايا ومن المحتمل أنها أكبر القضايا الباقية، إثر الإعلان عن هدنة مدتها سبعة أيام بين الولايات المتحدة وقوات «طالبان» في الأيام الأخيرة. وإذا كان الانخفاض في وتيرة العنف ناجحاً، فإن اتفاق المرحلة الأولى يتوقع أن يتم التوقيع عليه في نهاية فبراير. وتشترط الاتفاقية برنامجاً زمنياً من 135 يوماً لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وإطلاق سراح الآلاف من السجناء الأفغان، وفي الوقت ذاته، بدء المحادثات بين الأفغان أنفسهم، أي بين الفرقاء السياسيين المختلفين. وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني، الذي انتهى يوم الأحد الماضي، تم التأكيد على المرحلة النهائية من الاتفاقية بين الولايات المتحدة و«طالبان» من قبل العديد من الأطراف، بمن فيهم إدارة الرئيس دونالد ترامب، والمبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاده، الذي وضع الاتفاقية مع وفد «طالبان» بعد جهود شاقة. وأعرب أشرف غني عن قلقه من أن «طالبان» يمكن أن تستغل عملية السلام «كاستراتيجية حصان طروادة» بهدف تقويض حكومته، ولكنه شدد على حقيقة أن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بعد الانخراط في عملية سلام تختبر المتمردين. ابتعاد عن المشهد وخلال المفاوضات التي استمرت لمدة شهر بين واشنطن ووفد «طالبان»، كانت الحكومة الأفغانية بعيدة تماماً عن المشهد. وعلى الرغم من أن خليل زاده قد أكد مرات عدة أن المفاوضات بين الأفغان أنفسهم، ومع حكومة غني بصورة خاصة، تعتبر أمراً حاسماً لأي اتفاقية، إلا أن النقاد يعتقدون أن واشنطن كانت تحاول بصورة أساسية ترضية «طالبان»، التي لاتزال تطرح التساؤلات بشأن شرعية ما تصفه بأنه «حكومة الدمية» في كابول. وقالت الباحثة في علم الأعراق السياسي ورئيسة مركز وحدة التقييم والبحث في أفغانستان، وهي منظمة بحث مستقلة مقرها كابول، أورزالا نعمت: «يجري قتل الأفغان بصورة يومية، وأصبحت حياتهم بلا أهمية. وفي الوقت ذاته، فإن هؤلاء الناس المعرضين للقتل غير ممثلين خلال كل المفاوضات بين (طالبان) والأميركيين. لكن هذه المجموعة الصغيرة التي تريد الوصول إلى أهدافها من خلال الإرهاب بصورة رئيسة، لا تمثل المجتمع الأفغاني، الذي يتألف من 30 مليون نسمة». ويرى العديد من المراقبين الأفغان أن وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام كاختبار مهم، لن يكشف عن النيات الطيبة لكلا الجانبين، وإنما يجب أن يثبت ما إذا كانت «طالبان» تمتلك هيكلية منظمة وسلطة هرمية على الأرض. واتضح ذلك مرة من قبل، خلال عطلة عيد الأضحى عام 2018، عندما توقفت ميليشيات «طالبان» عن القتال، ووضعت السلاح جانباً لمدة ثلاثة أيام في جميع أنحاء الدولة. وفي تلك الفترة قال العديد من المراقبين والمحللين إنه بخلاف ما يتم تصوير ميليشيات «طالبان» دائماً، اتضح أنها تمتلك نظاماً هرمياً صارماً في شتى أنحاء أفغانستان. وفي الحقيقة، إن توقيع اتفاقية جديدة لن ينهي 40 عاماً من الحرب، لكنه سيمكن من إجراء عملية سلام تضم جميع الفرقاء السياسيين المختلفين ضمن أفغانستان، إضافة إلى عدد كبير من الأفغان الموجودين في الشتات، والمجتمع المدني فيها. لكن العديد من المراقبين يخشون أن الاتفاقية بين الأميركيين و«طالبان» يمكن أن يتم انتهاكها من أطراف مختلفة. وقال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الذي درس حركة «طالبان»، زاكر جلالي: «تريد (طالبان) توقيع هذه الاتفاقية، وليس من مصلحتها انتهاكها، ولكنْ هناك لاعبون آخرون غير سعداء بالاتفاق بين الأميركيين و(طالبان)، وبوضوح تام إن أحدهم هي الحكومة الأفغانية ذاتها. وهناك معارض كبير آخر للاتفاقية هو تنظيم (داعش)»، وفق ما قاله جلالي من المحتمل أن يعمل الطرفان بصورة منفصلة لتخريب الاتفاقية. ومن المعروف أنه وقعت هجمات وحوادث في الماضي، نسبت إلى «طالبان». وقالت الصحافية والكاتبة الهولندية، بيتي دام، التي تركز في عملها على أفغانستان: «في الوقت الحالي، ثمة مجموعات معينة غير مهتمة بالسلام، لأسباب عدة، يمكن معرفتها لدى الحكومة الأفغانية، وداخل (طالبان) بحكامها العنيدين أو قادتها على الأرض، والسؤال الحقيقي هو: إذا حدث شيء ما.. فهل نحن مستعدون لمعرفة القصة الحقيقية وراءها؟ أنا لا أعتقد ذلك، وأنا أعتقد أن ذلك أمر خطر». عمران فيروز صحافي أفغاني مستقل شكوى متكررة تبقى الشكوى المتكررة للأفغان العاديين، تتمثل في أنه حتى الآن تم استثناؤهم من أي عملية سلام. وقال الناشط السياسي وقائد حركة «توجه الشباب الأفغاني»، إدريس ستانيكازي: «بصورة أساسية، نحن الأفغان وحكومتنا الرسمية، لا نعرف أي شيء عن عملية السلام». وأضاف: «تمت جميع المفاوضات دون مشاركتنا وفي غرف مغلقة، وهي مشكلة عويصة يمكن التحدث ملياً بشأنها. وأخيراً، فأنا متأكد من أن (طالبان) مجموعة إرهابية ستأتي إلى كابول، حيث ستعتبر نفسها منتصرة، وستتصرف على هذا الأساس». وكالعديد من الشبان الآخرين القادمين من المناطق المدنية، يعتقد إدريس أن «طالبان» لن تقبل التغير الإيجابي، والتنمية التي حدثت خلال غيابها الذي استمر 18 عاماً. أما في ما يتعلق بتخفيض العنف، فيبدو إدريس غير متفائل كثيراً به. وقال إدريس في مقابلة: «أعتقد أن كلا الجانبين (الأميركي وطالبان) غير جدير بالثقة. ولنتذكر المرة الماضية عندما قام ترامب بإلغاء كل شيء من خلال تغريدة، بعد أشهر عدة من المفاوضات. من يضمن أن يحدث ذلك مرة ثانية؟ وأيضاً من سيكون الحكم إذا استمرت الغارات الأميركية أو هجمات (طالبان)؟». يرى العديد من المراقبين الأفغان أن وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام كاختبار مهم، لن يكشف عن النيات الطيبة لكلا الجانبين، وإنما يجب أن يثبت ما إذا كانت «طالبان» تمتلك هيكلية منظمة وسلطة هرمية على الأرض. أعرب أشرف غني عن قلقه من أن «طالبان» يمكن أن تستغل عملية السلام «كاستراتيجية حصان طروادة»، بهدف تقويض حكومته.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :