نموذج أعمال «فيسبوك» هو ما تكرهه بروكسل

  • 2/23/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ليونيل لورينت * النموذج الحالي لأعمال فيسبوك يعتبر مثالياً للشركة المترامية الأطراف التي جذبت مليارات المستخدمين، وتملك مجموعة من التطبيقات المتشابكة التي أصابت مستخدميها بالإدمان، وتخطط لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها لحجز المزيد من الناس في حديقتها المسورة ليس مستغرباً أن تلقى زيارة مارك زوكربيرج إلى بروكسل، التي اتخذت صفة زيارة دولة، استقبالاً فاتراً من مسؤولي الاتحاد الأوروبي. فمؤسس شركة «فيسبوك» يشتكي من تشديد القيود التي يعتبرها هو ومدير حملة الضغط المكلف في الاتحاد الأوروبي، نيك كليج، فشلاً في السياسة التقنية العامة للمفوضية الأوروبية. وفي حال توافقت الحكومات على كيفية تنظيم الإنترنت دون كبح حرية التعبير، فلا شك أن شبكة التواصل الاجتماعي ستكون سعيدة جداً بالامتثال لما تفرضه تلك الحكومات من قوانين. هذا التحليل ليس جديداً، وهو يخطئ في تشخيص المشكلة من وجهة نظر الأوروبيين الذين يعتقدون أن نموذج أعمال «فيسبوك»، الذي يلاحق مليارات أفكار المستخدمين وأنماط سلوكهم لتطوير إعلانات تجارية تعود عليها بعائدات أفضل، وهذه هي المشكلة. فالشركة تفضل إجراء جراحات سطحية على تنفيذ التغيير الشامل نظراً لارتفاع تكاليفه. واستناداً إلى ما جاء في رسالة فيسبوك المؤلفة من 22 صفحة حول تنظيم المحتوى عبر الإنترنت، وعبارات خطب زوكربيرج المنشورة، فإن الشركة تنظر إلى انتقادات هيئات التنظيم حول أخطائها باعتبارها مجرد أعراض لمرض أكبر انتشر على شبكة الإنترنت. فإذا كان بإمكان هيئات التنظيم وضع تعريف واضح لمفهوم المحتوى الضار أو غير القانوني، ووضع حدود لحرية التعبير، وتحديد الأهداف الخاصة بمراقبة الجودة التي يجب أن تلتزم بها منصات التقنية في الحكم على محتوى شبكاتها - شرط تنفيذ ذلك على مستوى عالمي -عندئذ يمكن تحقيق نتائج واضحة. هذا الموقف ينطوي على تمسك واضح بالمصلحة الذاتية. وبغض النظر عن الدخول في التفاصيل والحديث عن مصالح المساهمين، فإن رؤية «فيسبوك» من شأنها أن تضع الحواجز في وجه دخول منافسين أصغر في سوق تسيطر عليه حفنة من كبار اللاعبين، بينما تستمر هي في الاستفادة من مزايا الحجم الكبير للحفاظ على منصتي «واتس آب» و«إنستجرام» تحت مظلة واحدة، في حين استأثرت جوجل بأكثر من نصف الإعلانات الرقمية في العالم عام 2018. ومؤكد أن النموذج الحالي لأعمال فيسبوك يعتبر مثالياً للشركة المترامية الأطراف التي جذبت مليارات المستخدمين، وتملك مجموعة من التطبيقات المتشابكة التي أصابت مستخدميها بالإدمان، وتخطط لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها لحجز المزيد من الناس في حديقتها المسورة. في مثل هذه الحالة يتراجع الخوف من انتقال البيانات حتى لو كان لدى المستخدمين حرية المغادرة آخذين معهم كل بياناتهم وأرقام الاتصال الخاصة بهم، فإلى أين يذهبون؟ من هنا فلا عجب في أن يرفض المفوض الأوروبي تيري بريتون، أفكار زوكربيرج ويصفها بأنها «بطيئة» و«محدودة» عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ الفعلي. فالنقطة الحقيقية العمياء في رؤية زوكربيرج هي نموذج أعمال فيسبوك، وهو بالضبط ما يريد الاتحاد الأوروبي من الشركة معالجته. لكن مارك زوكربيرج يقول إنه لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن 100 مليار جزء من المحتوى. هذا ادعاء مضلل، والأهم من ذلك أن فيسبوك لن تكون قادرة على توظيف جيش من المشرفين والمدققين والفنيين لضبط المحتوى، لأن ذلك يعني انهيار فلسفة وجودها من الناحية الاقتصادية. ويرفض الأوروبيون توصيف زوكربيرج لشركة «فيسبوك» على أنها تؤدي دوراً وسطاً بين الصحافة وتقديم خدمات الاتصالات. ويميلون لوصفها كشركة خدمات مالية، حيث تتم المساومة على ودائع المشتركين القيمة - أو البيانات الشخصية - في نشاط المضاربة المحفوف بالمخاطر، الذي يقوم على قوة الاحتكار والاستهداف الإعلاني. ولا شك في أن المخاطر التنظيمية تتطلب التدقيق الشامل. وهناك يكمن التحدي الأكبر أمام هيئات التنظيم. فكل ما فعلته بروكسل حتى الآن هو نوع من الوخز المؤلم بالإبر حتى الموت. ورغم تراجع سهم فيسبوك نسبياً بعد الإعلان عن نتائج عملياتها للفصل الأخير من عام 2019، إلا أن السهم تعافى تماماً. فالشركة لا تزال ذلك النموذج الذي تبلغ قيمته السوقية 610 مليارات دولار ويحقق أرباحاً بنسبة 35% من عائدات تتجاوز 20 مليار دولار كل ثلاثة أشهر. وتصطدم رغبات مساهميها بتمسك زوكربيرج بحصة سيطرة ما يمنحه حقوق تصويت أكبر. ورغم سعي الساسة الأمريكيين لتفتيت الشركة إلا أن مصالح متبادلة بين زوكربيرج ودونالد ترامب تحول دون الوصول إلى هذا الهدف. أما المحاولات الأوروبية لفرض ضرائب أكبر على شركات التكنولوجيا فقد ووجهت بردات فعل أشد من الولايات المتحدة في مجال التجارة. ويرى ترامب أيضاً أن الخدمات المالية التي تقدمها «فيسبوك» هي امتداد لقوة الدولار الأمريكي. وإذا كان الهدف هو تغيير نموذج أعمال «فيسبوك»، فسيتعين على الأوروبيين الذهاب إلى ما هو أبعد من تطبيق قانون الخصوصية وتحديث قانون مكافحة الاحتكار، بهدف زيادة عمليات التدقيق في كيفية عمل خوارزميات الشركة وضبط المحتوى الذي تعرضه. وإلا فإن زيارة زوكربيرج القادمة إلى بروكسل ستكون ضرباً من العبث. * بلومبيرج

مشاركة :