«أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»

  • 6/5/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد لا‮ ‬يقتصر بناء الفرد المسلم والمجتمع المسلم على منهج الاعتقاد والإيمان في‮ ‬القلب فحسب،‮ ‬بل‮ ‬يقوم المجتمع في‮ ‬الإسلام على منهج حياة إنسانية واجتماعية‮ ‬يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسة عملية في‮ ‬جميع جوانب الحياة ومتطلّباتها الفردية والاجتماعية،‮ ‬حياة تؤسس على التراحم والتكافل والتناصح والمودّة والإحسان والتضحية والإيثار،‮ ‬وجعل التعامل والتخلق بخلق الإسلام،‮ ‬هو ‬المحك الطبيعي‮ ‬لأي‮ ‬التزام‮ ‬يقوم به المسلم نحو ربه،‮ ‬ثم نفسه والآخرين،‮ وعلى رأس تلك القيم الكبرى التي‮ ‬تحكم المجتمع عبادة‮: ‬التعاون على البر والتقوى‮‬،‮ ‬التي‮ ‬جعلها الإسلام صفة أساسية من صفات المجتمع المسلم،‮ ‬وحث عليها،‮ ‬يقول الله تعالى‮: ‬وَتَعَاوَنُواْ‮ ‬عَلَى الْبرِّ‮ ‬وَالتَّقْوَى وَلاَ‮ ‬تَعَاوَنُواْ‮ ‬عَلَى الإِثْمِ‮ ‬وَالْعُدْوَانِ‮ ‬وَاتَّقُواْ‮ ‬اللّهَ‮ ‬إِنَّ‮ ‬اللّهَ‮ ‬شَدِيدُ‮ ‬الْعِقَابِ‮‬. ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حوائج الناس على رأس أولويات هذا التعاون المطلوب،‮ ‬وجعل من قضاء حوائج الناس باباً عظيماً للخير،‮ ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬إن لله عباداً‮ ‬اختصهم بقضاء حوائج الناس،‮ ‬حببهم إلى الخير،‮ ‬وحبب الخير إليهم،‮ ‬هم الآمنون من عذاب الله‮ ‬يوم القيامة‮. ‬وفي‮ ‬الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم‮: (‬من كان في‮ ‬حاجة أخيه كان الله في‮ ‬حاجته‮)‬،‮ ‬وقوله صلى الله عليه وسلم‮: ‬مثل المؤمنين في‮ ‬توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‮‬،‮ ‬وقوله صلى الله عليه وسلم‮: ‬والذي‮ ‬نفسي‮ ‬بيده لا‮ ‬يؤمن أحدكم حتى‮ ‬يحب لأخيه ما‮ ‬يحب لنفسه‮.‬ أفضل من الاعتكاف والإسلام عندما‮ ‬يحث على السعي‮ ‬لقضاء حوائج الناس،‮ ‬فهو‮ ‬يقصد تعميق أواصر الأخوة والتلاحم بين أبناء الأمة،‮ ‬وتيسير أمور المسلمين بالطرق المشروعة،‮ ‬التي‮ ‬لا تعطي‮ ‬الحق لغير مستحق،‮ ‬أو تنصر ظالماً‮ ‬على مظلوم،‮ ‬أو قوياً‮ ‬على ضعيف،‮ ‬إلا أن الكثيرين من أبناء الإسلام لم‮ ‬يتفهموا تعاليم الشريعة في‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬فتقاعسوا عن قضاء حوائج الناس،‮ ‬بل إن البعض‮ ‬يتهربون منها،‮ ‬ويتأفف البعض من لجوء الناس إليه لقضاء حوائجهم،‮ ‬خاصة إذا كان ذا وجاهة أو سعة من المال،‮ ‬وهو لا‮ ‬يدري‮ ‬أن من كان في‮ ‬حاجة أخيه كان الله في‮ ‬حاجته،‮ ‬وأن الله في‮ ‬عون العبد ما دام العبد في‮ ‬عون أخيه،‮ ‬ولئن تقضي‮ ‬لأخيك حاجة كأن تعلمه أو ترشده أو تحمله أو تقرضه أو تشفع له في‮ ‬خير أفضل عند الله من ثواب اعتكافك شهراً كاملاً،‮ ‬فعن عبد الله بن عمر رضي‮ ‬الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ‬وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم،‮ ‬أو تكشف عنه كربة،‮ ‬أو تقضي‮ ‬عنه دينا،‮ ‬أو تطرد عنه جوعا،‮ ‬ولأن أمشي‮ ‬مع أخي‮ ‬المسلم في‮ ‬حاجة أحب إلى من أن اعتكف في‮ ‬المسجد شهرا،‮ ‬ومن كف‮ ‬غضبه ستر الله عورته،‮ ‬ومن كظم‮ ‬غيظا،‮ ‬ولو شاء أن‮ ‬يمضيه أمضاه،‮ ‬ملأ الله قلبه رضا‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬ومن مشى مع أخيه المسلم في‮ ‬حاجته حتى‮ ‬يثبتها له،‮ ‬أثبت الله تعالى قدمه‮ ‬يوم تزل الأقدام،‮ ‬وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما‮ ‬يفسد الخل العسل‮.‬ قضاء حوائج الناس إن خير العبادة ما‮ ‬يتعدى نفعها إلى‮ ‬غير العابد فيكون أجرها أعظم إذا احتسبتها عند الله،‮ ‬فعن أبي‮ ‬هريرة رضي‮ ‬الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬من نفَّس عن مؤمن كربة نفَّس الله عنه كربة من كرب‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬ومن‮ ‬يسّر على معسر‮ ‬يسر الله عليه في‮ ‬الدنيا والآخرة والله في‮ ‬عون العبد مادام العبد في‮ ‬عون أخيه‮.‬ وحاجة الناس لبعضهم أمر لا بد منه،‮ ‬لكن من الناس من أنعم الله عليه ووسع عليه في‮ ‬الرزق،‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يقضي‮ ‬حاجاته من خلال استئجار من‮ ‬يقضيها له،‮ ‬ومنهم من قُدِر عليه رزقه ألا‮ ‬يملك القدرة على ذلك،‮ ‬وقد لا‮ ‬يملك الوقت أيضاً‮ ‬لانشغاله بوظيفة أو عمل طويل ونحو ذلك،‮ ‬ومن الناس من كانت له كلمة عند ذوي‮ ‬السلطان‮ ‬يستطيع بها القيام لإخوانه المسلمين بشفاعة حسنة،‮ ‬ينال أجرها عند الله تعالى،‮ ‬لأن السعي‮ ‬لخدمة الدين وقضاء الحوائج والشفاعة عند ذوي‮ ‬الوجاهة خير من نوافل العبادة،‮ ‬يقول ابن عباس‮: ‬من مشى بحق أخيه إليه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة‮.‬ الوظيفة العامة والإسلام‮ ‬ينظر إلى الوظيفة العامة باعتبارها أمانة وخدمة عامة،‮ ‬ففي‮ ‬هذا المجال‮ ‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‮: ‬من ولي‮ ‬من أمر المسلمين شيئا فاحتجب عنهم احتجب الله عنه‮ ‬يوم القيامة‮‬،‮ ‬بل إن الوظائف وجدت من أجل قضاء حوائج الناس،‮ ‬فالموظف للوظيفة وليس العكس،‮ ‬لكن كثيراً‮ ‬من المسلمين اليوم‮ ‬يجهلون ما في‮ ‬قضاء حوائج إخوانهم المسلمين من الأجر عند الله،‮ ‬أو‮ ‬يعلمون ولكنهم‮ ‬يغفلون عن ذلك،‮ ‬فلا‮ ‬يلتفتون إلى إخوانهم ولا‮ ‬يساعدونهم ولا‮ ‬يشفعون لهم،‮ ‬وينسون أن الله عز وجل هو الذي‮ ‬يقضي‮ ‬حاجة من‮ ‬يقضي‮ ‬حوائج إخوانه كما أخبر صلى الله عليه وسلم‮: ‬ومن كان في‮ ‬حاجة أخيه كان الله في‮ ‬حاجته‮‬،‮ ‬وينسون كذلك أن قضاء حوائج الناس من أسباب دوام النعمة على صاحبها،‮ ‬فعن ابن عباس رضي‮ ‬الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال‮.‬ وقد ورد في‮ ‬الحديث القدسي‮: ‬يا ابن آدم أنفق‮ ‬ينفق عليك‮‬،‮ ‬وقيل‮: ‬صنائع المعروف تقي‮ ‬مصارع السوء‮‬،‮ ‬ولقد أدرك ابن عباس فضل قضاء الحوائج فترك اعتكافه في‮ ‬المسجد ليمشي‮ ‬في‮ ‬حاجة أخ له،‮ ‬وروي‮ ‬عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم أنه قال‮: ‬من مشى في‮ ‬حاجة أخيه كان خيراً‮ ‬له من اعتكافه عشر سنين ومن اعتكف‮ ‬يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين‮‬،‮ ‬فما أشد حرمان من لم‮ ‬يوفق لقضاء حوائج الناس وأشد منه خسارة وبؤساً‮ ‬من سعى في‮ ‬تعطيل حوائج الناس،‮ ‬ومن جعل الله حاجة الناس إليه فبدأ‮ ‬يتبرم ويضيق بتلك الحاجات‮. ‬ أبو بكر وعمر كان أبو بكر الصديق رضي‮ ‬الله عنه‮ ‬يحلب للحي‮ ‬أغنامهم،‮ ‬فلما استخلف قالت جارية منهم‮: ‬الآن لا‮ ‬يحلبها،‮ ‬فقال أبو بكر‮: ‬بلى وإني‮ ‬لأرجو ألا‮ ‬يغيرني‮ ‬ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله‮. ‬وكان عمر بن الخطاب رضي‮ ‬الله عنه‮ ‬يتعاهد بعض الأرامل فيسقي‮ ‬لهن الماء بالليل،‮ ‬ورآه طلحة بالليل‮ ‬يدخل بيت امرأة،‮ ‬فدخل إليها طلحة نهارا فإذا بعجوز عمياء مقعدة،‮ ‬فسألها‮: ‬ما‮ ‬يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت‮: ‬هذا له منذ كذا وكذا‮ ‬يتعاهدني،‮ ‬يأتيني‮ ‬بما‮ ‬يصلحني‮ ‬ويخرج عني‮ ‬الأذى،‮ ‬فقال طلحة‮: ‬ثكلتك أمك‮ ‬يا طلحة،‮ ‬عثرات عمر تتبع؟،‮ ‬وكان أبو وائل‮ ‬يطوف على نساء الحي‮ ‬وعجائزهن كل‮ ‬يوم فيشتري‮ ‬لهن حوائجهن وما‮ ‬يصلحهن،‮ ‬وقال مجاهد‮: ‬صحبت ابن عمر في‮ ‬السفر لأخدمه فكان‮ ‬يخدمني‮ ‬أكثر‮.‬ وقضاء الحوائج زكاة أهل المروءات،‮ ‬بل إن من المصائب عند ذوي‮ ‬الهمم عدم قصد الناس لهم في‮ ‬حوائجهم،‮ ‬وكان حكيم بن حزام‮ ‬يحزن على اليوم الذي‮ ‬لا‮ ‬يجد فيه محتاجا ليقضي‮ ‬له حاجته،‮ ‬فيقول‮: ‬ما أصبحت وليس ببابي‮ ‬صاحب حاجة،‮ ‬إلا علمت أنها من المصائب التي‮ ‬أسأل الله الأجر عليها‮.‬ وأعظم من ذلك أنهم‮ ‬يرون أن صاحب الحاجة منعم،‮ ‬ومتفضل على صاحب الجاه حينما أنزل حاجته به،‮ ‬يقول ابن عباس رضي‮ ‬الله عنه‮ما: ‬ثلاثة لا أكافئهم‮: ‬رجل بدأني‮ ‬السلام،‮ ‬ورجل وسع لأخ المجلس،‮ ‬ورجل اغبرت قدماه في‮ ‬المشي‮ ‬إلى إرادة التسليم علي،‮ ‬فأما الرابع فلا‮ ‬يكافئه عني‮ ‬إلا الله،‮ ‬قيل‮: ‬ومن هو‮؟ ‬قال‮: ‬رجل نزل به أمر فبات ليلته‮ ‬يفكر بمن‮ ‬ينزله،‮ ‬ثم رآني‮ ‬أهلاً‮ ‬لحاجته فأنزلها بي‮‬،‮ ‬فأين نحن من سلفنا الصالح‮؟

مشاركة :