المهمة التدريبية لحلف الناتو في العراق .. رؤية استراتيجية

  • 2/24/2020
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى يومين وخلال الفترة من 12-13 فبراير الحالي 2020 عقد وزراء الدفاع بحلف شمال الأطلسي «الناتو» اجتماعًا في بروكسيل أسفر عن اتفاق على اضطلاع الحلف ببعض التدريبات التي كان يتولاها التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق، وفي هذا الإطار قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف: «إن توسيع وجود الحلف في العراق سوف يتم بموافقة الحكومة العراقية»، وواقع الأمر أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الحلف تدريب القوات العراقية إذ إنه تم تنفيذ برامج سابقة لتدريب القوات العراقية خلال السنوات التي تلت الإطاحة بالنظام العراقي السابق، فضلا عن إعلان الحلف الانضمام للتحالف الدولي لمحاربة داعش في عام 2017 من خلال الدعم اللوجستي دون إرسال قوات على الأرض، إلا أن للتوجه الجديد للحلف دلالات سواء بالنسبة إلى أمن العراق أو الأمن الإقليمي عمومًا.وقبيل الحديث عن تلك الدلالات من المهم تأكيد أنه لكل قرار تفسير من منظور التوقيت، فقرار حلف الناتو قد جاء في أعقاب طلب الولايات المتحدة من الحلف بأن يؤدي دورًا أكبر في منطقة الشرق الأوسط دون تحديد ماهية ذلك الدور، ولم تكن هي المرة الأولى التي تثير فيها الإدارة الأمريكية ذلك الأمر حيث تردد أنه كان هناك طلب من الولايات المتحدة للناتو بأن يرسل قوات إلى سوريا لتحل محل القوات الأمريكية التي تم إعلان سحبها من هناك، فضلا عن طلب الرئيس ترامب من الحلف بأن ينضم إلى التحالف البحري العسكري لأمن الملاحة البحرية في الخليج العربي.وعلى الرغم من أن دور الحلف ليس قتاليا إذ سيقتصر على التدريب وتقديم الاستشارات فإنه يعد مهما بالنسبة إلى العراق لثلاثة أسباب أولها: استمرار جهود الحكومة العراقية في ملاحقة العناصر الإرهابية في منطقة الحدود السورية العراقية الأردنية وللحلف خبرة في مسألة حرب المدن بالإضافة إلى وجود شراكة استراتيجية للحلف مع الأردن يمكن من خلالها وضع خطط فاعلة للقضاء على تلك العناصر وخاصة أن للحلف 500 مدرب تكمن مهمتهم في زيادة كفاءة قوات الأمن العراقية لمحاربة الإرهاب، صحيح أن قوات الحلف غير قتالية إلا أن لديها خبرات في أماكن النزاعات مثل أفغانستان وكذلك إصلاح قطاع الأمن في دول أوروبا الشرقية سابقًا وخاصة أن عمل قوات الحلف يتسم بالشكل الهيكلي والتنسيقي الأمر الذي من شأنه أن يطيل مهمة الحلف في العراق وخاصة أن للحلف جهودا بشأن بناء أكاديميات دفاعية ضمن الاتفاق مع العراق في هذا الشأن، ثانيها: ربما يضطلع الحلف بمهام أخرى من مهام التحالف الدولي لمحاربة داعش في ظل إعلان الدول الأعضاء في الحلف استعدادهم لنقل أكثر من 200 مدرب يعملون مع القوات الدولية التي تحارب داعش للعمل ضمن مهمة الحلف الجديدة ويعني ذلك أن الدول الغربية لن تكون مدعوة لزيادة قواتها في العراق. ثالثها: على الرغم من المخاوف بشأن توظيف التكنولوجيا الحديثة في الصراعات الراهنة فإن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب تجاهل مخاطر العبوات الناسفة يدوية الصنع وهو ما اضطلع به حلف الناتو خلال برنامج تدريبي سابق للقوات العراقية على مدى خمسة أسابيع خلال عام 2017.وعلى الصعيد الإقليمي فإن ذلك الدور الجديد سوف يرتب عدة دلالات وخاصة في ظل ما تردد بشأن انتهاء المعارضة الفرنسية والألمانية لزيادة دور الحلف في العراق، إذ عارضت هاتان الدولتان مقترحات أمريكية سابقة بهذا الشأن خشية تجدد الجدل حول من يتحمل كلفة تلك العمليات على غرار حالة قوات الناتو في أفغانستان، بالإضافة إلى المخاوف من حدوث مواجهة مباشرة بين قوات الحلف والقوات الروسية في المنطقة، وأولى تلك الدلالات هي تنامي دور الحلف خارج أراضيه وإدراك الحلف ضرورة الحفاظ على توازن القوى الإقليمي ولا يعني ذلك نية الحلف لخوض حرب ضد طرف ما ولكن سياسة الحلف تمثلت دائمًا في ممارسة الردع، وخاصة مع إدراك الحلف لتهديد مصالح أعضائه الحيوية في منطقة الخليج العربي مع الاعتداء على ناقلات النفط خلال عام 2019 وهو الأمر الذي رآه مسؤولو الحلف تصعيدًا خطيرًا، وثانيها: مع سيادة الجدل حول سحب القوات الأمريكية من العراق فإن إعلان الحلف توسيع مهمته يعني أنه لن يكون هناك ما يتردد بشأن الفراغ الذي يمكن أن تسعى الجماعات الإرهابية لاستغلاله، بالإضافة إلى دعوة تركيا - أحد أعضاء الحلف – إلى حماية قواتها في سوريا من هجمات الجيش السوري وبالتالي فإن الوجود الرمزي للحلف في العراق سيكون له دلالات مهمة سواء لأمن تركيا أو الأمن الإقليمي، وخاصة أن تلك العمليات سوف تكون تحت راية الناتو وليس الولايات المتحدة التي لطالما طالبت شركاءها في حلف الناتو بالالتزام بتخصيص نسبة 2% من إجمالي الناتج القومي لأغراض الدفاع، وثالثها: في ظل التمدد الروسي في جبهتي الحلف الشرقية مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والجبهة الجنوبية مع التدخل الروسي في سوريا عام 2014. ومن ثم فإن الوجود الأطلسي في العراق سوف يحقق نوعًا من التوازن مع الوجود الروسي في سوريا. ومع أهمية تلك الخطوات فإنها تثير تساؤلات أو بالأحرى تحديات قد يواجهها الحلف في العراق يأتي في مقدمتها الميلشيات الموالية لإيران التي تهدد باستهداف القوات الأمريكية في العراق، ويعني ذلك أنه حال استهداف قوات الناتو فإنه ثمة مواجهة محتملة بين الحلف وإيران، الأمر الثاني الجدل بشأن إمكانية تولي الحلف مهام قتالية بدلا من الولايات المتحدة حيث لوحظ سيادة حالة من عدم قبول الدول الأوروبية داخل الحلف لتلك الفكرة من خلال التصريحات الرسمية لقادة تلك الدول خلال مؤتمر ميونخ للأمن 14-16فبراير، إلا أن عمل الحلف في الوقت ذاته يظل مرتكزًا على القوات الأمريكية التي تمثل نصف قواته، أما الأمر الثالث فإن حلف الناتو ضمن العمل في مناطق الصراعات خارج أراضيه لا يسعى إلى العمل منفردًا إلا إذا كان الأمر يرتبط بمهمة عسكرية محددة على غرار الحالة الليبية عام 2011 ولكن لديه خيار العمل ضمن أطر جماعية.ويعكس الدور الجديد للحلف في العراق ثلاث دلالات استراتيجية الأولى: إعطاء مؤشرًا مهمًا على رأب الصدع داخل الحلف وخاصة في ظل ظهور مقترحات من آن لآخر بتأسيس جيش أوروبي موحد، والثانية: أن دور الحلف الإقليمي ربما يشهد تطورًا مستقبلا، والثالثة: ربما يكون ذلك إيذانًا بملامح حرب باردة حامية الوطيس وخاصة في ظل سعي روسيا إلى تعزيز حضورها في ذات المناطق التي يحظى فيها الحلف بشراكات إقليمية.‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»

مشاركة :