تحت عنوان «إشراقة نساء» نقلت ثلاثون سجينة من سجن بعبدا للنساء ذكرياتهن الحلوة والمرّة التي عشنها وراء القضبان، من خلال رسوم فنية وحقائب قماشية. ADVERTISING ضمّ هذا المعرض الذي أقامته دار «Sarah’s bag» لتصميم الحقائب ضمن أسبوع بيروت للموضة 2015، 40 لوحة فنية حقائب يد وإكسسوارات تنقل زائرها إلى أعماق العالم الخاص لتلك السجينات. الفكرة اقترحتها صاحبة الدار سارة بيضون على ثلاثين سجينة لإعداد هذه الرسومات ولتشكّل جزءا من مجموعتها الجديدة للحقائب. الفكرة جديدة بحدّ ذاتها، وقد تفاجأت بها السجينات اللاتي يعاد تأهيلهن من خلال ممارستهن أعمالا حرفية داخل السجن، وأخريات صرن خارجه ووجدن من خلاله وسيلة عيش محترمة يمارسنها بعد أن انهين فترة الحكم عليهن. وتقول السجينة جوليانا التي كانت موجودة في المعرض وشاركت فيه من خلال لوحة بعنوان «خلّي السعادة عادة»، إن الحظ حالفها دون شك عندما بدأت في العمل مع «Sarah’s bag» منذ ثلاثة عشرة عاما حتى اليوم، فلمست السعادة الحقيقية، ولا سيما أن أعمالها خرجت إلى النور بعد أن كانت تعيش في ظلمة السجن. وقالت: «أشعر اليوم بأنني إنسانة قوية فالتجربة الصعبة التي مررت بها وراء القضبان (لعام واحد) سكنني خلالها حزن عميق ما لبث أن تحوّل إلى فرح عندما بدأت العمل في هذا المجال». وعن سبب اختيارها لوحة السمك في البحر أجابت: «البحر يعني لي الحرية، والسمك يعيش فيه دون أي قيود، وهي لوحة تحكي عن لقائي الحرية منذ أن عملت مع سارة بيضون». «من الثلاثاء للثلاثاء»، و«النزهة»، و«كفّ فاطمة»، و«يا عدرا»، و«الاكتظاظ»، و«شمس الحرية»، و«الممنوعات»، و«حلمي نام شي ليلة»، وغيرها، تشكّل عناوين 40 لوحة فنية تحكي كلّ واحدة منها حالة من الحالات التي حفرت في ذاكرة هؤلاء السجينات، فحوّلنها إلى رسائل فنيّة يحاكين فيها العالم خارج سجن بعبدا بلغتهن البسيطة والشفافة معا. استخدمت السجينات للوحاتهن قماش الكتّان حينا وقطع «الكانفا» أحيانا أخرى، وبخيط تطريز تلوّن بالأحمر مرة وبالأبيض والأسود مرات أخرى، عزفت السجينات بالإبرة والخيط موسيقى صورا استرجعنها من ذاكرتهن لتشكّل قطعا فنيّة مؤثرة. اللوحات جميعها علّقت على جدران الدار، فيما الحقائب الأسبور الشبابية التي حملت بدورها خواطرهن بأسلوبهن السهل الممتنع استلقت على طاولات الدار، وقد أحاطت بها من هنا وهناك كراسي خشبية مصنوعة من القشّ. أما مقاعدها فقد رسم عليها بتأنٍ، لوحات فنّية اعتمدت هندسة أنيقة لأشكال من الورود والزهور الملوّنة. كل لوحة معروضة أرفقت بنصّ عنون بالعربية وكتب بالإنجليزية، يروي قصة كل واحدة منها. فهنا المقصّ وأقلام الحمرا والكحل والمرآة ومنشّف الشعر، وقد طرّزت على خلفية بيضاء وحددت بإطار أسود تحت عنوان «فقط نهار الأحد». فتعلمك بأنها أدوات التجميل التي كان يسمح للسجينات باستعمالها في السجن مرة في الأسبوع. أما «شمس الحرية» فتطالعك أشعتها المنتشرة على مساحة كبيرة من اللوحة التي تحملها، وقد رسمت بطريقة تدل على الحرّية التي كنّ يحلمن بها. «بحبك»، و«اشتقتلّك»، و«مظلوم»، و«أحتاج السلام»، و«أفتقد مياه البحر المتلألئة تحت الضوء»، و«السجن»، و«البراءة»، وغيرها من اللوحات الدائرية الصغيرة، عبّرت عن أفكار وأحلام هؤلاء السجينات وهي تراودهن وراء القضبان. أما اللوحة التي تأخذك إلى لحظة مؤثرة من تلك اللحظات التي عشنها السجينات في حبس بعبدا للنساء، فهي تلك التي تحتضن اثنتين منهن (فاطمة وماريا) وهما واقفتان فرحتان، تتمتعان بأشعة الشمس في وقت النزهة المخصص لهما تمضيتها على شرفة من شرفات السجن. وقد ارتدت السجينتان فيها فستانين ملوّنين، وتم تصميم قبعتين وهميتين رسمتا على رأسيهما بتطريزات جمعت أزهار الربيع، الملونة بالبرتقالي والأصفر والأحمر والأخضر لتعكس الفرحة الحقيقية التي تسكن قلبيهما في تلك اللحظة. وعن الهدف من إقامة هذا المعرض قالت صاحبة الدار سارة بيضون: «الهدف بشكل أولي هو أن نمنح للسجينات حرية التعبير عما يخالجهن من أحاسيس بطريقة فنية تصل إلى كل الناس، وبالتالي أن يعود ثمن اللوحات الكبيرة إلى السجينات مباشرة، فيما تذهب أرباح اللوحات الصغيرة إلى سجن بعبدا للمساهمة في تحسينه وتطويره من خلال مؤسسة دار الأمل». ورأت بيضون أن المواضيع التي تمّت معالجتها في لوحات السجينات، تم إعدادها لتكون بسيطة وقريبة من القلب تنقل الفرح أكثر من الحزن لأن الدار ترغب في تسليط الضوء على هذه الناحية بشكل أكبر، بعيدا عن المأساة والمعاناة التي نقلتها السجينات أيضا ولكن في إطار جميل. تتراوح أسعار اللوحات ما بين 45 دولارا لتصل إلى الـ250 وما فوق أحيانا، والتي ستتم الاستعانة في قسم منها لمساعدة السجينات في الكلفة التي يتكبدنها في قضاياهن في المحاكم. استغرق هذا المشروع نحو الستة أشهر، وركّزت دار «Sarah’s bag» على أن تكون هذه المجموعة من اللوحات والحقائب التي تدخل ضمن مجموعتها الجديدة لتصاميم ربيع وصيف 2015 ليست مجرّد إكسسوارات، بل قطع فنيّة حرفية بامتياز. والمعروف أن دار «Sarah’s bag» تأسست منذ نحو أربعة عشرة عاما، وقد قررت سارة بيضون وإثر زيارتها لسجني بعبدا وطرابلس للنساء ضمن عملها كمساعدة اجتماعية، أن تستعين ببعض السجينات في تطريز تصاميم الحقائب التي تبتكرها الدار. وكان ذلك بمثابة وسيلة نجحت في تحفيزهن على إكمال حياتهن بصورة طبيعية، ولا سيما أنهن لا يجدن بسهولة عملا يعيلهن عندما يخرجن من السجن. نالت الدار شهرة واسعة تحت عنوان «صنع في لبنان»، وهذه العلامة الفارقة على الحقائب، حملتها نساء شهيرات أمثال الملكة رانيا والمحامية أمل علم الدين كلوني والممثلة كاترين دونوف. «إشراقة نساء» معرض نجح في إثبات مقولة «على قدر العزم تأتي العزائم»، بحيث استطاعت النساء من خلاله، أن يبرزن مرة أخرى قدرتهن على مقاومة الظلم، من خلال فكرة قد تصل العالمية إذا ما عزمت صاحبتها سارة بيضون على أن تنثر أحلامها المطرّزة على حقائبها اللبنانية الصنع مرة جديدة.
مشاركة :