نشوى عمران توثق حرفا ومهنا على وشك الاندثار

  • 2/25/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عاشت «البوابة نيوز» في رحلة بين مجموعة من الرسومات الفنية المُستخدمة للألوان الزيتية بإتقان وبراعة في معرض «أحلام مُلونة»، الذى افتتح مؤخرًا بقاعة إيزيس في مركز محمود مختار الثقافى، ويستمر حتى الأحد الأول من مارس المقبل.كانت بداية الرحلة الفنية مع الفنانة التشكيلية «نشوى عمران» التى عرفتنا خلالها على مجموعة كبيرة من الشخصيات التى تتعامل معها بشكل دائم، ومجموعة أخرى من شخصيات الحرف التى كادت أن تندثر، فيظهر على كل لوحة من لوحات المعرض مدى حبها لما تُقدمه، ومدى اهتمامها برسم ورؤية البسمة على وجوه من رسمتهم سواء عرفانًا وتقدير لفنهم وعملهم، أو توثيقًا لبعض الأعمال التى تكاد تغيب عن عقول وأذهان الجمهور، وكان رسم كل شخصية منهم يكاد ينطق قصة وحكاية تختلف مع الأخرى في الكثير من النواحي.أوضحت نشوى عمران أن اسم المعرض به إسقاط وليس بمعناه المُباشر، وقالت إن كلمة أحلام هنا تأتى بمعنى أهداف، ومُلونة تأتى بمعنى مُتباينة ومُختلفة، ثم بدأت الجولة بين شخصيات المعرض، وجاء من بينها مجموعة من الشخصيات المُقربة للفنانة، ثم مواقف مع مجموعة شخصيات مثل الأم التى تجلس بجوار طفلتها لتُذاكر معها الدروس وتقرأ الكتاب بجوارها في جو يتسم بالهدوء حتى تستطيع الابنة إدراك ما تقرأه وتفهمه، ولوحة أخرى لسيدة تبدو في الثلاثينيات من عمرها وتظهر بزى يتوافق مع صيحات الموضة، ويبدو أنها تُفكر في بعض الأمور المهمة كما يظهر على ملامح وجهها وفى يدها كوب مشروبها الساخن المُفضل.وعن الأعمال المعروضة قالت «نشوي» إن كل شخصية بلوحات المعرض لها أحداثها التى تختلف عن الأخرى، وكل شخصية تمثل طبقة مختلفة عن الأخرى، حتى عرفتنا على «أم حسين» من خلال إحدى لوحاتها.و«أم حسين» هى بائعة البازلاء، ورسمتها الفنانة بابتسامتها التى اعتادت عليها من هذه السيدة، مع اهتمامها بالزى الذى ترتديه متمثلًا في الجلباب والإيشارب وبجوارها قفص الخضراوات وبأيديها البازلاء التى تقوم بتفصيصها للزبائن، وسردت «نشوى» عن هذه السيدة أنها تجلس في ميدان الجامع، وأن ما لفت نظرها لها هو تشابه ملامحها مع الرجل الذى يقوم بوضع الأطر أو «براويز» الصور في منطقة الزمالك، فلهم نفس الشكل والملامح بصورة يصعب تخيلها، وما جعل للسيدة مكانة أكبر في تفكير الفنانة هو أن عينيها بها شبه من عمتها، وواصلت نشوى: «سألتها ووافقت أن أرسمها، ووجدت أنها سيدة شديدة الطيبة».في انبهار شديد من الفنانين بشكل الخبز والفرن المرسوم بإحدى اللوحات، تابعت «نشوى» حديثها حول الخبازة التى رأتها بإحدى المطاعم، وقالت: «وجدت لها قسما خاصا وكل الأطفال واقفون منبهرون بما تقدمه لأنه مكان سياحى وهذه الأفران أصبحت نادرة الوجود، حتى منازل الفلاحين لم تعد مجهزة بهذا الشكل، فأصبح من النادر وجود السيدات اللاتى يحرصن على وجود هذا الفرن بمنازلهن، فاستأذنت منها وذهبت لها في عدد من الجلسات ورسمتها، وكانت سيدة جميلة ومتعاونة».ثم أخذتنا لوحات المعرض نحو موضوع آخر، وهو ندرة الوجود الحالى لبعض الحرف والمهن التى اعتدنا عليها قديمًا، ويأتى من بينهم «مكوجى الرجل» فقالت عنه الفنانة: «وجدته في محل بجانب محل الخراط، وهذه المهنة لم تعد موجودة أيضًا في وقتنا الحالي، ولاحظت بجانبهم محل آخر لرجل بائع الزجاج، فهم الثلاث بمكان واحد اسمه صحراء المماليك على ما أذكر بمنطقة قايتباي».وفى منتصف المعرض عُرضت لوحة كبيرة المساحة، جسدت فيها الفنانة صورة للفنان محمد مندور، وهو في مرسمه يُنهى أحد أعماله النحتية في تركيز شديد، وبدخول الفنان إلى معرضها «أحلام ملونة» لرؤية الأعمال المعروضة، وصفته «عمران» بأنه بطل المعرض وهو في ذهول بأنها قد أنهت هذا العمل في وقت سريع جدًا وبمهارة شديدة.وسردت نشوى عمران أن أكثر الأشخاص تشوقًا وانتظارًا لرؤية العمل الخاص بعملهم وصورتهم كان المعز الفاطمى والخراط، حتى طلب منها الثانى أن تُرسل له لوحته بعد الانتهاء منها، والمعز الفاطمى أيضًا متشوق لرؤيتها، فطلب من الفنانة إرسالها لابنته عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعدم استخدامه لها بشكل شخصي، ووصفتهم «نشوى» بالطيبة قائلة: «كانوا من أكثر الشخصيات طيبة واهتمامًا بالرغم من ضغط الشغل عليهم»، وأن هذه الأعمال التى يقومون بها للحصول على المال لتلبية احتياجات منازلهم قد منعهم من حضور افتتاح المعرض بالرغم من اهتمامهم الشديد برؤية الأعمال.وعن أعمال المعرض الأخرى التى يتوقف عندها كل زائر، تأتى شخصية الهانم المُهتمة بأمور مثل السفر، ومديرة المدرسة وفكرها في كيفية تطوير المدرسة، والخياطة التى تقوم باستخدام أرقى أنواع الأقمشة وأغلاها، فكل شخصية تعكس صورة أن الكل يقوم بإنتاج جمال وحضارة من وجهة نظره، وأهدافهم مُتباينة ومختلفة، وبالرغم أن كل هذه الأعمال كانت تُفصح بأن راسمها لا بد أن يكون خبيرا بمجال التصوير، إلا أن كل هذه الأعمال تعود إلى فنانة موهوبة تدرس بالفرقة الإعدادية من كلية الفنون الجميلة بهدف معرفة المزيد في مدارس الفن التشكيلى ومعرفة أصول الرسم وخاصة التصوير الزيتى بعد تخرجها من كليتها الأولى، حيث طورت من هذه الموهبة من قبل الدراسة الأكاديمية بالفنون الجميلة من خلال مجموعة من الدورات الفنية وأصبحت تُعلم الأجيال الصاعدة.ربما يعود اهتمام المعرض بإلقاء الضوء على أعمال واقعية للحرف المُختلفة في أماكنهم، وخاصة الحرف التى بالفعل قد أوشكت على الاندثار، إلى ثقافة الفنانة وأصالة مصريتها كما وصفها الفنان التشكيلى محسن منصور، مشيرًا إلى أنها شبت وترعرعت بين أجواء وأحضان كل ما هو مصرى من مفردات أصيلة تحمل في طياتها المفردات والجمل المحلية الملونة والمحملة بعادات وتقاليد وحرف من كل أنحاء المناطق المصرية بتنوعها من صعيدية، وريفية، وسواحلية، من شمالها لجنوبها، شرقها لغربها.-تشكيليون وفنانون يُشيدون بمعرض «أحلام ملونة»-فاروق فلوكس: معرض متميز.. أشرف رضا: مجموعة متميزة من الأعمال الزيتية.. محمد مندور: أنجزت لوحتى في وقت قياسى.. جمال هلال: فوجئت بها ترسمنى بألوان الزيت دون إدراكىرغم حبها الشديد للفن التشكيلي، لم تكن كلية الفنون الجميلة اختيارها الأول عند دخولها أولى سلالم المرحلة الجامعية، فدخلت كلية أخرى وأتمت مراحلها وحصلت على البكالوريوس منها، ولكن شغفها وتعلقها بالفن لا يزال يشغلها، فانضمت من جديد وبقلب وروح أكثر حيوية لتدرس الفن التشكيلى بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، وبالفعل بدأت في هذا العام أولى خطواتها بالفرقة الإعدادية للفنون الجميلة، هى التشكيلية نشوى عمران. ويأتى معرضها بعنوان «أحلام مُلونة» خير دليل على صحة اختيارها لطريق الفن التشكيلي، فتمكنت من جذب أنظار وخواطر كل من زار معرضها.قال الفنان التشكيلى أشرف رضا، رئيس المجلس المصرى للفنون التشكيلية ووكيل كلية الفنون الجميلة، وأعرب عن سعادته بالمعرض، خاصة أنها طالبة لدينا في كلية الفنون الجميلة التى انضمت لها بعد تخرجها من كليتها وحصولها على البكالوريوس من كلية التجارة، فقامت بتغيير المسار لتبدأ دراسة الفنون الجميلة من أولها؛ والتحقت بالفرقة الإعدادية مع الطلاب النظاميين حتى تتعلم الفنون الجميلة وتتعلم على الأصول الكلاسيكية رغبة منها في الالتحاق بقسم التصوير الزيتى لعشقها للرسم والتصوير.«نشوى تُقدم في معرضها بعنوان «أحلام ملونة» مجموعة متميزة من الأعمال الزيتية، هكذا واصل وكيل كلية الفنون الجميلة حديثه حول معرض «عمران»، وتابع قائلًا: ركزت «نشوى» في أعمالها على الحرفيين والفنانين وما يُقدمه المصريون من منتجات فنية أو حرف يدوية أو غيرها، وهذه اللوحات تشمل تكوينات مميزة جدًا بها البورتريه والمنظر الطبيعي، وتفاصيل وتقنيات تلوين مُحترفة جدًا».وحول أكثر الأعمال براعة، قال أشرف رضا: «أعجبت بمجموعة كبيرة من اللوحات، ويأتى على رأسهم مثلا صانع الطرابيش، والخراط، واللوحات الخاصة بالحرفيين، فكلها مجموعة متميزة».كما شارك الفنان فاروق فلوكس برأيه في المعرض كأحد المهتمين بالحركة التشكيلية بجانب عمله الأساسى كفنان دراما وسينما، وقال عن «أحلام ملونة»: «معرض نشوى عمران متميز في نوعه، ويمتاز بمزجه للصورة الطبيعية بالروح، فالفنانة قامت بذلك من خلال اختيارها مهنة قديمة مثل المكوجى وصانع الفخار وتعطى له من خلال عملها روح المكان، فبالطبع ذلك جديد ويُشكل بالنسبة لى بروزًا جيدًا في عالم الفن التشكيلي».وواصل فلوكس: «بالطبع الفنانة لها آراء في أعمالها الفنية ونحن لنا رؤية، فبالنسبة لى أرى أنها أعمال أكثر من رائعة ويجب أن آتى بمعرضها القادم أيضًا»، وعن اهتمامه بالحركة التشكيلية تابع: «طول عمرى أهتم بالفن التشكيلى وعلى رأسهم أعمال الفنان فرحات زكى رسام البورتريه، وكثيرا ما أتردد على أتيليه فادية جرانت لأرى العديد من الأعمال الفنية به».كما تحدث الفنان التشكيلى محمد مندور، أحد الفنانين الذين فاجأتهم نشوى عمران بلوحة لتنقل صورته وهو يقوم بالانتهاء من إحدى منحوتاته، فقال: «أول مرة أقوم بحضور معرض للفنانة نشوى عمران، وهذا المعرض يُعتبر بداية مُبشرة بموهبة واعدة، وبالطبع لا يمكن الحكم على الفنان من خلال معرض أو اثنين ولكنه خط طويل وعريض، وبالنسبة لـ«عمران» فسنها صغير ولا تزال لديها الفرصة لتقديم الكثير»، وعن معرضها الحالى قال: «معرضها «أحلام ملونة» يُعتبر بداية جيدة جدًا».وعن قصة اللوحة التى رسمتها له الفنانة نشوى، واصل مندور: «جاءت نشوى لى في زيارة وهذا الاسكتش استغرق منها دقائق محدودة بالرصاص، ثم نفذته واستكملته في الاستوديو الخاص بها، فقد أنجزتها في وقت قياسى ولم أتوقع هذه السرعة في التنفيذ التى لم تتعد الأسبوع الواحد، فأنا شخصيًا عندما أبدأ في عمل فنى لم أنته منه قبل شهر».وتابع محمد مندور: «فالحقيقة الفنانة نشيطة، وكنت أود معرفة ما إذا كانت هذه الأعمال قامت برسمها من موديل أم صور، ولكن بشكل عام كل الأعمال التى تُقدمها تتميز بمستوى جميل وجيد».فوجئ أيضا الفنان التشكيلى جمال هلال بلوحة له وهو يرسم أحد الشخصيات، وقال: «كنت أقوم بتدريس ورشة فنية وكانت نشوى عمران إحدى الحاضرين، وفوجئت أنها ترسمنى بألوان الزيت دون إدراك مني، بالرغم من حركتى في الشرح والرسم أمام الحاضرين».وواصل هلال: «في الحقيقة انتبهت لها وبدأت أقابلها في العديد من المناسبات، حتى اكتشفت أنها مُجتهدة جدًا وترسم بالزيت، ثم جمعتنا ورشة حوارات الوجوه والأماكن في جاليرى ضى ووجدتها ترسم موديلا على مساحة كبيرة جدًا، وفى الحقيقة هى موهبة واعدة وننتظر منها المزيد». وتابع الرسام حول معرض نشوى الحالي: «قدمت «عمران» في معرضها «أحلام ملونة» جُهدا كبيرا جدًا، من خلال تسجيلها الحرف النادرة التى كادت أن تنقرض بالإضافة إلى البورتريهات، فهى تُحاول بذل جهد كبير جدًا في توزيع التكوين بلوحتها، حتى أننى شعرت بتفوقها في لوحات عدة من ناحية توزيع التكوين في لوحتها، فهى موفقة في لوحات كثيرة في توزيع العناصر داخل مساحة اللوحة، لذلك أنتظر منها المزيد والمستقبل الباهر».وعن أكثر اللوحات جمالًا من وجهة نظره، قال جمال هلال: «كل لوحة لها مذاق، وأعجبنى التكوين في لوحة السيدة التى تقوم بالخياطة، لأنها قامت بتوزيع العناصر بإحكام، وحاولت ضبط المساحات دون الوقوع في السيمترية، وفى المستقبل ستهتم بالظل ولون البشرة بشكل أكبر، ولكن ما قدمته جيد جدًا».

مشاركة :