لينكون وشاهد العبقرية - د. حمزة السالم

  • 2/28/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صعد إبراهام لينكون لكرسي الرئاسة الأمريكية، وهو لا يملك أي خبرة إدارية سابقة على الإطلاق، ولا حتى خبرة سياسية تذكر، ما عدا شغل كرسي نائب في مجلس ولايته. تولى لينكون الرئاسة في أعظم فتنة دموية عرفتها بلاده على الإطلاق، بعد أسوأ رؤساء مروا على أمريكا، ووسط انعدام المؤهلين من القادة ومن المستشارين الأكفاء، بل وانعدام ثقة وزرائه فيه، فقد كانوا كلهم بلا استثناء يظنون لينكون غبياً جاهلاً عديم الخبرة. فقاد لينكون الجيوش بنفسه عندما خذله الجنرالات، وساس البلاد والعباد والدول والجيوش والحروب، وترك أعظم إرث حضاري، استطاعت بلاده به أن تتجاوز خلافاتها وتلعق جرحها، وتولد نبلاءها الذين قادوا مسيرة العدالة والحريات والمساواة. كانت عبقرية لينكون وعلمه يمنحانه خبرة سنة بعمل يوم واحد، فالعبقري تكفيه خبرة يوم عن سنة، والبليد، لا تساوي خبرته لثلاثين عاماً، يوماً واحداً. ومثل ذي الخبرة من غير علم أكاديمي متقدم أو عبقرية متفردة، كمن يضيء زر المصباح كل يوم دون أن يعرف كيف وصلت الكهرباء إلى المفتاح، فقد تجده جيداً في عمله، وقد تجده جيداً في إدارة الأزمات المتوقعة، وإيجاد البديل حينما ينكسر المفتاح أو تنقطع الكهرباء، ولكنه أبداً لن يطور عملية الإنارة فهو يجهل ماهية الكهرباء، ولن يحسن التعامل مع المتغيّرات والمفاجآت، وهو عديم الذكاء، وهكذا هي حال خبرات مجتمعاتنا العربية في الجملة. وشاهد ذلك: أنك تجد معظم مديري الشركات العالمية والتنفيذيين فيها ورؤساء الحكومات والوزراء في البلاد الغربية هم من خريجي أعظم الجامعات العالمية، ولذا تجد ذلك العالم في تطور مستمر. فهم يبدؤون من حيث انتهى إليه العلم الذي درسوه في الجامعات فلا يدمرون منظماتهم في تجارب فاشلة. وهم الأذكياء والناجحون فلا يحسدون المتفوّقين والأذكياء الشباب ولا يشعرون بتهديد مستقبلي منهم فلا يقفون عثرة في وجه إبداعاتهم. في إحدى المواد التحضيرية لبرنامج الدكتوراه في أمريكا، قدَّم لي أحد الطلبة الهنود أسئلة الاختبار القديمة، فإذا بها تأتي كما هي في الاختبار، فأخبرت مدرس المادة فما زاد إلا أن قال: ولم أكترث؟ فلهذا يأتي بي قومك من العرب مستشاراً لهم ويدفعون لي الملايين، ولا يثقون لا بك ولا بغيرك من دول العالم الأخرى. ولهذا ترى غالب التنفيذيين العرب، يُزهدون في العلم الأكاديمي وهم لا يجيدون إلا الضغط على زر الإنارة، ذلك لأنهم ما فلحوا في دراستهم الجامعية، ولم يستفيدوا من دوراتهم التدريبية وأكثروا من صحبة مزوِّدي أسئلة الاختبارات القديمة فلم يدركوا عظم مصيبتهم ومصيبة أوطانهم التي جمدت على التكرار ولم تعرف قط طعم الابتكار. الحياة العملية في المجتمعات العربية، يغيب عنها الإبداع والعلوم، ولو وجد فسيُحارب حتى ينكسر أو يترك. لذا فهي بيئة يغلب عليها الخمول والكسل، فلا تطوير فيها ولا تغيير، وعند الحاجة فالخبير الأجنبي هو الملجأ والنصير.

مشاركة :