مع كلّ أزمة إقليمية يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل للواجهة، ويعود الحديث عن عراقيل تحرم لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية. وفي ظل أوضاع اقتصادية خانقة أدت إلى حراك شعبي في لبنان، يبدو حزب الله حريصا على توظيف الملفّات الإقليمية الحساسة ضمن استراتيجياته للتنفيس عن إيران، إذ يرهن الحزب تجاوز أزمة ترسيم الحدود بمفاوضات أميركية إيرانية تخرج طهران من العزلة الإقليمية. بيروت - تراجع الحديث في لبنان عن مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر الماضي، التي تتولّى وساطتها الولايات المتحدة، عبر مساعد وزير خارجيتها لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر. وكانت آخر زيارة قام بها شينكر إلى لبنان في الـ12 من سبتمبر الماضي، لمواصلة جهود الوساطة في ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، بعد أن عين في منصبه خلفاً لديفيد ساترفيلد. وبينما تسعى واشنطن للوساطة بين بيروت وتل أبيب في مسألة ترسيم الحدود البحرية فقط، يرفض لبنان فصل الحدود البحرية عن البرية في أيّ عملية تفاوض، وتبرز هنا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر التي تحتلها إسرائيل ويطالب لبنان بتحريرها. وفيما يرتبط بالحدود البحرية، فإن النزاع بين لبنان وإسرائيل يتركز على مثلث في البحر المتوسط تبلغ مساحته نحو 860 كيلومتراً مربعاً، ويقسم إلى بلوكات عدة، أبرزها البلوك النفطي رقم 9، الذي يقع في المياه الإقليمية اللبنانية الجنوبية. ويرى متابعون أن حالة الجمود في مفاوضات ترسيم الحدود مرتبطة بالأزمة الاقتصادية اللبنانية الراهنة، والإعلان الأميركي عن خطة السلام “صفقة القرن” الشهر الماضي، إضافة إلى انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في الثاني من مارس المقبل. الانتخابات الإسرائيلية وإيران يقول الكاتب السياسي والصحافي منير الربيع إن “المفاوضات متوقفة الآن وهي مرتبطة بمسألتين، الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة، والثانية أن لبنان لم يقدم إجابات على المبادرة الأميركية لترسيم الحدود”. ومن المقرر أن تجري الانتخابات الإسرائيلية، في الـ2 من مارس المقبل، وذلك بعد فشل رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، وغريمه السياسي بيني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، في تشكيل حكومة بعد انتخابات أبريل وسبتمبر الماضيين. وأضاف الربيع أن “الخلاف الأساسي هو على مساحة البلوك رقم 9 حيث تقترح المبادرة الأميركية منح لبنان 60 في المئة منه و40 في المئة إلى إسرائيل”. وأشار إلى أن لبنان يرفض هذا المقترح ويطالب بالبلوك كاملاً، ولذلك يقترح الأميركيون أن يبدأ لبنان بالاستفادة من مساحة 60 في المئة من البلوك ويجري بعد ذلك الكشف عن نسبة الـ40 في المئة المتبقية، وإذا تبين وجود للنفط فيها تحصل صيغة للتوافق على تقسيمها. وتابع “لبنان لا يزال مصرّا على التلازم البري والبحري، بينما الأميركيون والإسرائيليون يعتبرون أن الترسيم البري انتهى من خلال تشييد الجدار العازل منذ عدة أشهر”. من زاوية أخرى، اعتبر الربيع، أن تنظيم حزب الله لا يمكن أن يقدم أيّ تنازل الآن في ملف ترسيم الحدود، قبل الوصول إلى مفاوضات أميركية إيرانية، وهذه المفاوضات تشمل كل ملفات المنطقة ومن ضمنها لبنان. وأردف قائلا “واشنطن تعتبر أن الضغط المالي والعقوبات والانهيار الاقتصادي بالإضافة إلى الضغوط على إيران ستجبرها على تقديم تنازلات، وبالتالي موافقة حزب الله فيما يتعلق بترسيم الحدود”. وشدد على أنه “لا يمكن أن يحلّ هذا الموضوع (ترسيم الحدود) إلا بمفاوضات أميركية إيرانية، ومفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع حزب الله لأنه صاحب الموقع والتنظيم في المنطقة”. ولا يستبعد النائب في تكتّل الجمهورية القوية (يتزعمها رئيس حزب القوات سمير جعجع) جورج عقيص، سيناريو تأثير الصراع الإقليمي على ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل “لأن مصالح الدول تمتد من البحر المتوسط إلى الخليج العربي بكل تشعباته وتعقيداته وصراعاته”. وعن حزب الله وارتباطه بالحروب الإقليمية، قال عقيص “سلاح حزب الله أكبر من ملف واحد، فهو يؤثر على سيادة الدولة وحصرية اتخاذها القرارات الكبرى والمصيرية بمفردها من دون أيّ شريك مسلّح داخلها أو أيّ جهة خارجية كانت”. وتابع “هذا السلاح أصبح يشكل عبئًا على مستقبل الوطن ويربطه بأجندات، ليس كل اللبنانيين يجتمعون عليها وليست دائما تصب في مصلحة لبنان وازدهاره واقتصاده، ومن بينها للأسف ملف النفط”. وفي 2012 رفض لبنان مقترحاً أميركيا يقوم على منح لبنان 360 كيلومتراً مربعاً من مياهه لإسرائيل، مقابل حصوله على ثلثي المنطقة الاقتصادية، ويطالب بأحقية ملكيته للمنطقة الاقتصادية بشكل كامل. ويعود هذا التنازع لثغرة ارتكبها لبنان عام 2007 أثناء توقيعه مع قبرص على اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بين البلدين. وتم ترسيم هذه الحدود بخط وسط مؤلف من ست نقاط، وهنا حصل الخطأ، إذ تُبيّن الخرائط تراجعا غير مقصود وغير مدروس من الجانب اللبناني عن النقطة 23 جنوب منطقة الناقورة (جنوب). رأى النائب عن كتلة اللقاء الديمقراطي بلال عبدالله، أن ملف ترسيم الحدود غير مرتبط بـ”صفقة القرن” وهو عالق قبل الحديث عن الصفقة. وقال عبدالله “القضية مرتبطة بشكل مباشر بالملف العالق بيننا وبين إسرائيل وسوريا، لأن منطقة مزارع شبعا لا تزال أرضا سورية بحسب الوثائق الدولية بالرغم من أن مالكيها لبنانيون، لذلك إسرائيل تعتبر أن هذا الأراضي سورية وهي خارج إطار اتفاق الانسحاب من لبنان”. وشدد عبدالله، على أن “الحكومة اللبنانية ملزمة بالحفاظ على ثروتنا النفطية والغازية والإسراع بإنهاء الملف عبر التفاوض والاتصالات أو عبر الضغط. يجب أن نأخذ حقنا”. والثلاثاء، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون عن وصول سفينة التنقيب عن النفط للمياه الإقليمية اللبنانية، وستبدأ عملها خلال 48 ساعة في البلوك رقم 4، مقابل ساحل العاصمة بيروت الشمالي. وفي فبراير 2018، وقع ائتلاف عالمي مؤلف من “توتال” الفرنسية بصفتها المشغل (40 في المئة) والشركة الإيطالية إيني (40 في المئة)، والشركة الروسية نوفاتيك (20 في المئة)، مع الدولة اللبنانية اتفاقية التنقيب والإنتاج في البلوك رقم 4. ويقدر إجمالي حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من النفط بـ865 مليون برميل، ومن الغاز 96 تريليون قدم مكعبة. عزا النائب عن تكتل الجمهورية القوية، وهبي قاطيشا، غياب المفاوضات إلى الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان. ورأى قاطيشا أن الولايات المتحدة أوقفت المفاوضات حول ترسيم الحدود بسبب عدم وجود طرف يفاوض في لبنان ولانشغال الحكومة بتحسين الأوضاع الاقتصادية. ويعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، تفاقمها الاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلاد، وبلغ إجمالي الدين العام 86.2 مليار دولار في الربع الأول من 2019، وفق أرقام رسمية.
مشاركة :