واشنطن - يتساءل مراقبون في الولايات المتحدة عن مغزى الإشارات التي ترسلها الإدارة الأميركية إلى أطراف الصراع في سوريا بعد إعلان وزير الدفاع عدم وجود خطط أميركية لإعادة الانخراط العسكري داخل هذا البلد. واعتبر هؤلاء أن من شأن ما يشيعه البنتاغون من عدم اهتمام بأيّ أنشطة عسكرية مقبلة الترويج لأجواء قد تفهم على نحو خطير من قبل النظام السوري، كما من قبل تركيا وروسيا وإيران المتورطين بشكل مباشر بالحرب المندلعة في سوريا، خصوصا في شمال البلاد على تخوم محافظة إدلب. ولفتت مصادر أميركية قريبة من وزارة الدفاع الأميركية أن المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة ما زالت تدرس خياراتها المقبلة في المنطقة على ضوء ما تعرّضت وتتعرض له السفارة الأميركية في بغداد، وعلى ضوء تواصل إطلاق الصواريخ باتجاه القواعد العسكرية التي تتواجد داخلها القوات الأميركية في العراق. وأضافت المصادر أن أيّ تطور في المهمات الأميركية في سوريا يأخذ المشهد برمته بعين الاعتبار، من ضمن استراتيجية شاملة للدفاع عن مصالح واشنطن في المنطقة ومنع عودة تنظيم داعش، كما التصدي للخطر الإيراني في المنطقة، ومواجهه تجاوز روسيا للحدود التي تهدد “الحضور الأميركي” في الشرق الأوسط، وفق تعبير المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري. وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر قد أبلغ الكونغرس بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تفكر في إعادة الانخراط عسكريا في الحرب الدائرة حاليا في سوريا. ويأتي تصريح الوزير الأميركي متناقضا مع المواقف التي أطلقها ترامب ضد الهجمات التي تقوم بها قوات النظام السوري بدعم من روسيا ضد مناطق بالقرب من حلب وإدلب تسببت بعمليات نزوح جماعي مقلقة (تقول الأرقام إن الأعداد وصلت إلى أكثر من مليون شخص). وتوحي تصريحات إسبر للمهتمين بشؤون سوريا أن المواقف الأميركية ستبقى نظرية لا تتجاوز حدود التصريحات في شأن طبيعة التموضع الأميركي في أزمة سوريا العسكرية والإنسانية الراهنة. وترى مصادر دبلوماسية أن الالتباس المرتبط بموقف وزير الدفاع يزيد من نسبة الغموض في استراتيجية الولايات المتحدة بشأن ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من دعم لتركيا في حملتها الحالية في سوريا. وتضيف المصادر أنه لم يصدر حتى الآن عن البنتاغون ما يفيد بأن واشنطن تخطط لتقديم الدعم لتركيا على الرغم من تلميح المبعوث جيفري بذلك بعد زيارة قام بها إلى أنقرة اجتمع خلالها مع المسؤولين الأتراك. وكان إسبر قد أشرف على انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا استجابة لقرار ترامب في هذا الشأن. وقد جرت عملية الانسحاب بعد اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الأميركي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر 2018، ما أتاح لاحقا توغل القوات التركية إلى الأراضي السورية، وخصوصا إلى داخل المناطق التي كان الأكراد المنضوين داخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب يسيطرون عليها. وأبقت واشنطن قوات لها في مناطق إنتاج النفط في شرق الفرات. وقال إسبر لأعضاء الكونغرس إن المهمة الأميركية المحدودة التي تضم 600 جندي لا تزال تركّز عملياتها على هزيمة فلول تنظيم داعش وتعمل على عدم عودته. وأضاف الوزير خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الأربعاء أنه “لم يكن هناك نقاش حول إعادة الانخراط في الحرب الأهلية”، مؤكدا أنه “في هذه المرحلة لا أرى أيّ احتمال بأننا سنعود على طول الحدود”. ورأى إسبر أنه “من الواضح أن الوضع أصبح أكثر تعقيدًا في محافظة إدلب في الوقت الحالي نظرًا لاجتماع العديد من الجهات الفاعلة”. إلا أن مراقبين استنتجوا أن دوائر الإدارة الأميركية لم تتوصل إلى قرار نهائي بشأن الدعم الممكن أن تقدمه إلى تركيا لدعم موقفها حيال موسكو داخل سوريا. وكانت تركيا قد تقدّمت بطلب للولايات المتحدة لتسليحها بنظام باتريوت الصاروخي للدفاع الجوي لحماية قواتها داخل سوريا من الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات سورية وروسية على المواقع والأرتال العسكرية التركية في شمال سوريا. وما زال الجدل يدور في الولايات المتحدة حول مسألة تزويد تركيا بالباتريوت، وهي منظومة سبق لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن رفضت بيعها لأنقرة، لاسيما أن لجوء تركيا إلى الاستعانة بمنظومة أس – 400 الروسية المنافسة أثار غضبا في واشنطن وأدى إلى اتخاذ قرار بطرد تركيا من برنامج إنتاج مقاتلة أف – 35 الأميركية. وقد نشر البنتاغون ثلاثة أنظمة باتريوت داخل المملكة العربية السعودية إثر اتهام إدارة ترامب لإيران بأنها استهدفت منشآت أرامكو النفطية في هجوم صاروخي في سبتمبر الماضي. ويدرس مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية إمكانية نشر صواريخ باتريوت في العراق بعد أن أدى هجوم صاروخي باليستي إيراني في يناير الماضي (ردا على مقتل الجنرال قاسم سليماني) إلى إصابة 112 جنديًا أميركيًا بارتجاجات خفيفة في الدماغ. وفي وقت سابق من هذا الشهر أعلن البنتاغون عن طلب بقيمة 200 مليون دولار للعام المقبل لدعم مقاتلي المعارضة السوريين في مواجهة داعش، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وتقل هذه الميزانية بـ100 مليون دولار عن تلك التي اعتمدت العام الماضي. وتقول بعض المصادر الدبلوماسية إن ما يصدر عن البنتاغون يؤكد للطرف الروسي أن واشنطن ما زالت متمسكة بنهج عدم ممارسة ضغوط على روسيا على نحو يرفع من مستوى تشدد موسكو حيال أنقرة، بالمقابل لا يمكن لتركيا حتى الآن الركون إلى موقف أميركي جدي بإمكانه أن يقلب موازين القوى في سوريا على النحو الذي أوحت به تصريحات المسؤولين الأميركيين في الأسابيع الأخيرة.
مشاركة :