أفادت مصادر مطلعة أمس بأن تزايد بواعث القلق داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن انتشار فيروس كورونا الجديد دفعهما إلى بحث تقليص اجتماعات الربيع المقررة في نيسان (أبريل) أو عقدها في مؤتمرات عبر الإنترنت "افتراضية". ومن المقرر أن يشارك نحو عشرة آلاف من المسؤولين الحكوميين والصحافيين ورجال الأعمال وممثلي المجتمع المدني من أنحاء العالم في اجتماعات المؤسستين التي تجرى بين 17 و19 أبريل، وتعقد في منطقة مزدحمة في وسط العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث مقارهما. وبحسب "رويترز"، انخفضت الأسواق المالية بشدة في الأيام الماضية بفعل أنباء الانتشار السريع للفيروس في أوروبا، فيما حذر صندوق النقد في الأيام الماضية من ضرر اقتصادي أشد بفعل انتشار فيروس كورونا خارج الصين وخفض توقعاته للنمو العالمي في العام 2020. ويثير انتشار الفيروس مخاوف داخل صندوق النقد والبنك الدوليين من أن اختلاط وفود الدول الأعضاء الـ189 خلال اجتماعات الربيع قد يسهم في المشكلة على نحو لا يمكن تجنبه، وقال مسؤولون من المؤسستين وأعضاء حكومات "إن الحديث عن إلغاء الاجتماعات برمتها سابق لأوانه، لكنهما تدرسان عدة خيارات لتعديلها"، وأضافوا أنه "لم يجر اتخاذ أي قرار حتى الآن"، مشيرين إلى أن هذا يتوقف بشدة على جهود احتواء الفيروس في الأيام والأسابيع المقبلة. وتشمل الخيارات تقليص عدد الاجتماعات وإلغاء الأنشطة الإضافية وتقليل عدد أفراد الوفود المشاركة التي ستسافر إلى واشنطن، ومن البدائل الأخرى إجراء اجتماعات "افتراضية" عبر الإنترنت، في حين يظل احتمال عقد الاجتماعات على النحو المعتاد قائما. وقال صندوق النقد والبنك في بيان مشترك "إن فرق القيادات العليا تراقب عن كثب انتشار الفيروس القاتل"، مضيفا أن "مسألة ترتيبات اجتماعات الربيع ينسقها الصندوق والبنك مع الأمانة المعنية لكل منهما، وهي مكتب الاتصال الرئيس لنا مع المساهمين. نترقب قرارا بشأن نطاق ومجال اجتماعات الربيع في الأيام المقبلة". من ناحيته، بذل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قصارى جهوده أمس لتهدئة مخاوف مواطنيه والأسواق من مخاطر فيروس كورونا المستجد، إذ كلف نائبه مايك بنس بتنسيق جهود مكافحة الوباء وأكد أن تفشي الوباء في الولايات المتحدة "ليس أمرا محتوما"، مناقضا بذلك تصريحات لكبار المسؤولين الصحيين في إدارته. وخلال مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض وخصصه لعرض خطته لمكافحة الفيروس الذي تفشى في الصين ويواصل انتشاره في العالم، قال ترمب "أعلن الآن أنني أعين مايك بنس نائب الرئيس مسؤولا عن ملف مكافحة الفيروس"، مضيفا أن بنس "سيعمل مع الاختصاصيين والأطباء وكل أفراد فريق العمل". لكن الرئيس الجمهوري سعى إلى طمأنة مواطنيه، مؤكدا أنه "بفضل كل ما فعلناه فإن الخطر على الشعب الأمريكي يبقى متدنيا جدا"، منتقدا خصومه الذين "استهزأوا" في البداية بالقرارات التي اتخذتها إدارته لمواجهة الفيروس ولا سيما القيود التي فرضتها على المسافرين الصينيين. وردا على سؤال عن إمكانية فرض مزيد من القيود على السفر، ذكر ترمب "يمكننا أن نفعل ذلك في الوقت المناسب، الوقت الآن ليس مناسبا لذلك، كوريا الجنوبية أصيبت بقوة بالوباء، إيطاليا أصيبت بقوة، ما جرى في الصين واضح، لكن يبدو أن أعداد المصابين الجدد استقرت وتنخفض، وهذا نبأ سار، وبالتالي سنرى ما سيحصل". وأكد الرئيس الأمريكي أن إدارته مستعدة لتعزيز إجراءاتها الرامية إلى مكافحة الوباء على نطاق أوسع بكثير إذا ما استدعى الأمر ذلك، "لدينا بالفعل خطط للتعامل على نطاق أوسع بكثير إذا ما احتجنا إليها، لدينا مستشفيات في بعض الولايات تخلي غرفا وتبني أماكن للحجر الصحي". وردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة قد زادت مخزونها من معدات الحماية مثل الكمامات والأردية، أجاب ترمب "لقد طلبنا كثير منها، في حال احتجنا إليها فحسب"، وفي محاولة منه للتقليل من وقع التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الصحيين في إدارته وحذروا فيها من أن تفشي الفيروس في البلاد واقع لا محالة، عدّ ترمب هذا الأمر "ليس محتوما". وتابع "لا أعتقد أنه أمر محتوم، أعتقد أن هناك فرصة لأن يتفاقم الوضع، وأن هناك فرصة لأن يسوء إلى حد كبير، لكن لا شيء محتوم"، ويتناقض هذا التصريح مع ما قالته نانسي ميسونييه، المسؤولة في المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، الثلاثاء الماضي للصحافيين إذ عدّت أنه "في نهاية المطاف، نتوقع أن ينتشر الوباء في هذه الدولة.. السؤال لم يعد حقا إذا ما كان سيحدث ذلك، بل متى سيحدث، وكم من الناس في هذه الدولة سيكون مرضهم خطرا"، كما يتناقض مع التحذير الذي أطلقه أليكس آزار وزير الصحة بقوله "إنه إذا كان خطر كورونا في الولايات المتحدة هو تحت السيطرة حاليا فإن هذا الوضع قد لا يستمر على حاله طويلا"، مشيرا إلى أن "مستوى الخطر يمكن أن يتغير بسرعة، وبإمكاننا أن نتوقع رؤية عدد أكبر من الإصابات في الولايات المتحدة". من جهة أخرى، تواجه تجارة الصين الخارجية صعوبات كبيرة، إذ تجد الشركات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل إمداداتها صعوبات في ظل القيود التجارية ونقص المواد الخام وتأخر المدفوعات بسبب تفشي فيروس كورونا، وذكر بيان لوزارة التجارة الصينية، أن مسحا أجرته الوزارة خلص إلى أن أكثر من 90 في المائة من نحو سبعة آلاف شركة منخرطة في التجارة الخارجية واجهت تأخيرات في الشحن والمدفوعات بسبب تفشي الفيروس. وقال لي شينج شيان مدير إدارة التجارة الخارجية في الوزارة "إن كثيرا من الشركات واجه مخاطر كبيرة من طلبيات الشراء الملغاة ورفض تسلم منتجات ورفض الدفع"، داعيا إلى توفير التأمين لهم ضد مخاطر التصدير الائتمانية، مضيفا أن "الوزارة ستقدم مزيدا من إجراءات المساعدة في الوقت المناسب،" دون أن يحدد إطارا زمنيا. لكن مسؤولين في الوزارة ذكروا أنه ليس هناك تحول كبير في سلاسل الإمداد أو الإنتاج خارج الصين، مضيفين أن "بعض الشركات الأجنبية يواصل الاستثمار، مراهنا على آفاق السوق الصينية في الأجل الطويل"، وأوضح تشونج تشانج شينج المسؤول في الوزارة أن المشكلات التي تواجهها الشركات الأجنبية لاستئناف العمل في أعقاب فرض قيود على السفر والتنقلات لكبح انتشار الفيروس ستحل قريبا، إذ توجه بكين صناعاتها الكبرى باستئناف الإنتاج. وأشار تشونج، وهو مدير إدراة الاستثمار الأجنبي في الوزارة، إلى أن "تأثير تفشي فيروس كورونا في سلاسل الإمداد والصناعة مؤقت.. وضع الصين المهم في سلسلة الإمداد والصناعة العالمية لن يتغير بسبب ذلك". ومن الواضح أن تداعيات تعطل ثاني أكبر اقتصاد في العالم لمدة شهر أو أكثر ستكون واسعة النطاق، حيث تتراجع أسعار الأسهم بدرجة أكبر وتهبط أسعار النفط وترتفع أذون الخزانة الأمريكية وسط تنامي المخاوف من الوباء، وانخفضت الأسواق العالمية لليوم السادس على التوالي ما بدد أكثر من 3.6 تريليون دولار من قيمتها السوقية. وأثار انتشار الفيروس اضطرابات في حركة الطيران الدولية فألغت شركات طيران رحلات في حين منعت دول الزوار من مناطق التفشي وألغى مسافرون قلقون خطط سفر، ومن شأن أنباء عن إصابة مضيفة على الخطوط الجوية الكورية عملت على رحلات طيران بين سيئول ولوس أنجلوس أن تزيد من قلق المسافرين. وأوصت وكالة السياحة الاتحادية الروسية شركات السياحة المحلية بتعليق الرحلات إلى كل من إيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران لحين السيطرة على تفشي "كورونا" هناك، وأثار تباطؤ السياحة الخارجية والصناعات التحويلية المحلية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، توقعات واسعة النطاق بتراجع النمو الاقتصادي في معظم دول جنوب شرق آسيا، بما في ذلك ماليزيا التي تعهدت أمس بتقديم 20 مليار رينجت "4.75 مليار دولار" لتعويض الآثار الاقتصادية المحلية للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتفشي فيروس كورونا، وتأتي المقترحات الاقتصادية، التي تشمل إعفاءات ضريبية للشركات السياحية وتخفيض الرسوم المفروضة على محال البيع في المطارات، في الوقت الذي يتنافس فيه الساسة الماليزيون على ملء فراغ السلطة. وضمن التأثيرات الاقتصادية للوباء القاتل في الشركات العالمية، خفضت شركة "مايكروسوفت" من توقعات إيراداتها للربع الحالي، مشيرة إلى أنها ستتأثر بانتشار "كورونا" مع تراجع في مبيعات نظام التشغيل "ويندوز" وأجهزة "سورفيس". وانضمت شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة بذلك إلى مجموعات عالمية أخرى للتحذير من العواقب المالية لانتشار الوباء، وأوضحت "مايكروسوفت" في بيان "مع إننا نتوقع طلبا قويا على نظام ويندوز، إلا أن سلسلة التزويد تعود إلى عملها الطبيعي بوتيرة أبطأ مما كنا ننتظر". ونتيجة لذلك، ترى الشركة أن إيراداتها خلال الربع الحالي ستكون أقل بقليل من التوقعات السابقة مع تأثر "ويندوز" و"سورفيس"، "بشكل سلبي أكثر مما كان متوقعا"، ويشكل بيع تراخيص لاستخدام نظام التشغيل "ويندوز" لشركات منتجة للحواسيب، مصدر إيرادات كبيرا لشركة "مايكروسوفت"، ما يعني أن إغلاق أو توقف العمل في مصانع يديرها شركاء لها، قد يؤثر في مداخيلها. وأكدت الشركة الأمريكية أنه "مع تطور الوضع، ستعمد "مايكروسوفت" إلى اتخاذ التدابير التي تضمن صحة وسلامة موظفيها وزبائنها وشركائها خلال هذه المرحلة العصيبة.. ستواصل مايكروسوفت التبرع لجهود الإغاثة واحتواء الفيروس بما يشمل توفير التكنولوجيا مباشرة لمساعدة المستشفيات والطواقم الطبية"، وكانت مجموعة "أبل" أعلنت الأسبوع الماضي أن إيراداتها، ستكون دون التوقعات خلال الربع الحالي أيضا بسبب فيروس كورونا المستجد، خصوصا أنها تعتمد على مصانع صينية في إنتاج كثير من مكونات أجهزتها فيما تشكل الصين أيضا سوقا كبيرة لها. من ناحية أخرى، أعلن منظمو المعرض التجاري السنوي المقبل في جنيف، الخاص بصناعة الساعات السويسرية، أنه تم إلغاء المعرض بسبب انتشار فيروس كورونا في أنحاء العالم، وقال منظمو المعرض في بيان، "إن قرار عدم إقامة المعرض خلال الفترة بين 25 و29 من نيسان (أبريل)، تم اتخاذه لحماية صحة ورفاهية جميع ضيوفنا". في المقابل، ما زال هناك معرضان تجاريان سويسريان آخران يجذبان الانتباه الدولي، هما معرض جنيف الدولي للسيارات ومعرض بازل وورلد للساعات، اللذان من المقرر أن ينطلقا مطلع مارس وأواخر أبريل، على التوالي.
مشاركة :