70 ألف عود ثقاب تستعيد تاريخ ماي فلاور

  • 2/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير حسينقضى البحار البريطاني المتقاعد، ديفيد رينولدز ـ 61 عاماً ـ أكثر من 900 ساعة عمل، على مدار عامين، لإنجاز نموذج من السفينة الشهيرة "ماي فلاور" باستخدام 70 ألف عود ثقاب، ليبلغ ارتفاعها 4 أقدام، وطولها 5 أقدام، ولتصبح نسخة مصغرة تشبه السفينة الأصلية إلى حد كبير، مستعيداً بذلك تاريخ السفينة التي تحتفظ بمكانتها التاريخية الخاصة، كأول السفن التي نقلت في عام 1620 ما يزيد على مئة من المسافرين، أو ما يعرف اليوم بالمهاجرين الأوائل من ساوثامبتون في إنجلترا، إلى مساتشوستس في الولايات المتحدة، وليصبحوا بذلك أول جالية دائمة في "إنجلترا الجديدة".وبلغ وزن "ماي فلاور"، رقماً قياسياً بمعايير أوزان السفن المعتمدة في القرن السابع عشر، ووصل إلى نحو 180 طناً تقريباً، ما كان يعني أن بإمكانها حمل 180 طناً، وقبل استخدامها لنقل المسافرين، استخدمت لنقل البضائع، إذ أبحرت في البدايات بشكل منتظم بين موانئ البلطيق، حاملة البضائع المختلفة من الأطعمة والأقمشة والجلود والزيوت المختلفة، التي كانت تخزن في الطوابق السفلى من السفينة في فراغات كبيرة، ومفتوحة، وخالية من النوافذ حتى لا تسمح بنفاذ الضوء، أو مياه البحر. كما كانت أسقفها منخفضة جداً لتوفير أكبر مساحة ممكنة لتخزين البضائع.وكان استخدامها لنقل الركاب إلى العالم الجديد، مغامرة محفوفة بالمخاطر، إذ كان على الركاب العيش في أماكن مظلمة تماماً، وباردة، وشديدة الرطوبة، ومن دون توفر أي شرط من شروط الخصوصية، بل حتى المؤن والأطعمة لم تكن مغذية، ولم تأخذ في الاعتبار صحة المسافرين، وسلامتهم، لكن المفاجأة كانت في نجاح إيصال ركابها إلى الشاطئ الآخر بسلام.وتزخر كتب التاريخ بحكايات أسطورية عن رحلة تلك السفينة، منها مثلاً أن الإبحار عبر المحيط كان مملوءاً بالمخاطر في القرن السابع عشر، إذ كان القراصنة يفرضون سطوتهم عليه. كما تضررت العديد من السفن وغرقت في تلك الفترة بسبب عدم قدرتها على مواجهة ظروف الطقس القاسية، إضافة إلى سقوط العديد من الركاب في البحر، أو الوفاة تحت تأثير المرض. لكن"ماي فلاور" تحدت كل تلك الصعاب، فلم تغرق، ولم تقع في قبضة القراصنة، لأنها أبحرت على الطريق الشمالي عبر الأطلسي لتفاديها، إلا أنها تضررت إثر مواجهتها لعواصف قوية في منتصف الطريق إلى أمريكا، والتي تسببت إحداها بإسقاط عارضة خشبية رئيسية، وأزاحتها عن مكانها، لكن لحسن الحظ ، عثر الركاب على مسمار فولاذي ضخم، ساعد على إعادة العارضة إلى وضعها الصحيح، واستمرار السفينة في الإبحار. وفي عاصفة أخرى سقط أحد الركاب في المحيط إلا أنه نجا بعدما نجح في التعلق بأحد حبال السفينة، وتم سحبه ثانية إلى السطح.وعلى الرغم من أن معظم الركاب (102) أصيبوا بدوار البحر في الرحلة عبر الأطلسي، إلا أن شخصاً واحداً فقط توفي خلالها، وعنت وفاته الكثير بالنسبة إلى المسافرين، إذ كان بحاراً متعجرفاً لم يكف عن السخرية من إصابتهم بدوار البحر، واعتقد المسافرون أن الوفاة كانت عقاباً إلهياً على سخريته المستمرة منهم.وبعد أكثر من شهرين (66 يوماً) في عرض البحر، وصلت السفينة أخيراً إلى "كيب كود Cape Cod"، وبعد أسابيع قليلة أبحرت على طول الساحل إلى بيلموث Pilmoth حيث تعيش قبائل من الهنود الحمر. وعاش المهاجرون على متن السفينة بضعة أشهر أخرى، يجدفون إلى اليابسة لبناء المنازل خلال النهار، ويعودون إلى السفينة في الليل، إلى أن أصاب المرض كثيراً منهم. وتوفي نصف الركاب في الشتاء الأول لهم بسبب ما وصفوه بأنه جائحة من نزلات البرد، والحمى. وأخيراً، في نهاية مارس/ آذار 1621، كان هناك ما يكفي من المنازل التي تكفل العيش على اليابسة لكل من بقي على قيد الحياة، بعد فترة طويلة، ورحلة صعبة، وشتاء أكثر صعوبة، لتغادر "ماي فلاور" بليموث عائدة إلى إنجلترا في إبريل/ نيسان 1621وتصل إلى وجهتها في السادس من الشهر الذي يليه.ولا يعرف المؤرخون على وجه اليقين ماذا حدث للسفينة بعد عودتها إلى إنجلترا. وتتفق أغلبية التفسيرات التاريخية لمصير السفينة على أنها تعرضت للتلف، وأقتصر استخدامها كمخزن للحبوب. أما السفينة "ماي فلاور 2"، التي بنيت بالشكل الذي كانت عليه السفينة الأصلية، فمعروضة في أحد متاحف بليموث، بماساتشوستس، بعد عبورها المحيط عام 1957 في رحلة بلغت 54 يوماً، بعدما أهداها البريطانيون إلى أمريكا.

مشاركة :