حلم العمرة فى مهب الريح: لا خروج عن الشريعة والخسائر منتظرة

  • 2/28/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

حالات وفاة لأسباب غامضة.. على هذه الشاكلة بدأ كابوس كورونا من داخل مدينة ووهان الصينية، فيروس توسع يومًا تلو الآخر حتى طرق باب دول عدة شرقًا وغربًا، ما آل إلى حصده لأرواح 2746 شخصا حتى كتابة هذه السطور. وبموجب الانتشار السريع للفيروس، وظهوره فى عدد من الدولة العربية كالإمارات والكويت، إضافةً إلى إيران القريبة من المنطقة، أعلنت الخارجية السعودية تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوى الشريف مؤقتًا، لتوفير أقصى درجات الحماية من كورونا، بهدف سلامة المواطنين والمقيمين وكل من ينوى أن يفد إلى أراضى المملكة. كما قررت المملكة تعليق الدخول إلى أراضيها بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التى يشكل انتشار فيروس كورونا منها خطرًا، وفق المعايير التى تحددها الجهات الصحية المختصة بالمملكة. وجاء فى بيان الخارجية السعودية: «تعليق استخدام المواطنين السعوديين ومواطنى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بطاقة الهوية الوطنية للتنقل من وإلى المملكة». وأضاف: «يستثنى من ذلك السعوديون الموجودون فى الخارج فى حال كان خروجهم من المملكة ببطاقة الهوية الوطنية ومواطنو دول مجلس التعاون الموجودون داخل المملكة حاليا، ويرغبون فى العودة منها إلى دولهم، فى حال كان دخولهم ببطاقة الهوية الوطنية، وذلك لتتحقق الجهات المعنية فى المنافذ من الدول التى زارها القادم قبل وصوله إلى المملكة، وتطبيق الاحترازات الصحية للتعامل مع القادمين من تلك الدول». بموجب ما سبق أصبح مستقبل الحج والعمرة مبهمًا بالنسبة لشركات السياحة والطيران، فيما أضحى الحلم الذى يتمناه الملايين من المسلمين بزيارة الحرمين المكى والنبوى صعب المنال، على الجانب الآخر بدأت الأحاديث والآراء تتبادل فيما يخص قول الفقه فى مثل هذه الحالة، وهو ما حاولنا الإجابة عنه فى التقرير التالى. دينيًا، يقول الدكتور محيى الدين عفيفى، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، إن القرار الذى اتخذته السعودية بشأن تعليق تأشيرات العمرة أو السياحة بالمملكة العربية يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والتى تلزمنا باتخاذ السُبل الوقائية كافة، للمحافظة على الأرواح والأموال والأعراض والأنفس، ولاسيما أنه لم يكتشف حتى الآن أى طريقة لعلاج الأشخاص الذين يحملون الفيروس. ويذكر «محيى»، لـ«المصرى لايت»، حادثة من التاريخ الإسلامى وقعت خلال خلافة عمر بن الخطاب، ليبرهن على صحة القرار الذى اتخذته السعودية من الناحية الشرعية، وذلك بعدما أصدر الفاروق فرمان بمنع الدخول أو الخروج من بلاد الشام بعد تفشى مرض الطعون، حفاظًا على أرواح المسلمين هناك. وينوه أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، بأن الحيثيات التى اعتمدت عليها السعودية فى اتخاذ القرار توضح مدى حكمة المملكة فى إصداره، خاصةً أن هناك زحاما شديدا يقع بين المعتمرين خلال تأدية بعض المناسك، كما هو الحال فى الطواف أو السعى، الأمر الذى يسرع من وتيرة العدوى حال إذا كان أحد المعتمرين يحمل الفيروس. أما عن الإجراءات الوقائية التى من الممكن أن تتخذها المملكة حال ما إذا قررت تعليق العمل بالقرار، يوضح الدكتور محمود عبدالمجيد، استشارى أمراض الصدر وجهاز التنفس، أنه مهما بلغت حداثة الإجراءات الوقائية التى تتخذها السعودية من تقدم لمنع تسرب العدوى، فإن ذلك لا يقلل من نسبة انتقالها بين المعتمرين، مشددًا على أن منطقة الحرم المكى على الوجه الخصوص لن يجدى معها أى أساليب وقائية للتزاحم الشديد فى جنبات الحرم. ويضيف «عبدالمجيد»، لـ«المصرى لايت»، أن كل الإجراءات الوقائية المتبعة فى العالم لمواجهة فيروس كورونا من ارتداء الكمامات، أو استخدام المواد الطاردة للبكتريا والجراثيم، وغيرها من وسائل الوقاية الأخرى التى يقوم بها الأفراد، بالإضافة للإجراءات التى فرضتها السعودية عقب قرارها بتعليق التأشيرات من غسل المصليات وأرضيات الحرم بشكل دورى لأربع مرات يوميًا، سيقلل من احتمالات تفشى العدوى حال إذا تواجد شخص يحمل الفيروس فى محيط الحرم، إلا أنه لن يقضى عليها بشكل نهائى. ويبلغ دخل المملكة من الحج والعمرة سنويًا ما يزيد على الأربعة مليارات دولار، وهو المبلغ الذى ربما يشهد تغيرا بموجب القرار الأخير، وفى هذا الصدد، يوضح الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادى، أن السعودية ستعانى من خسائر عدة، لاستقبالها 80 مليون سائح سنويًا، منهم 3 ملايين للحج، ما يعتبر حجما رهيبا سيتأثر سلبًا، بجانب القطاعات التجارية والإنتاجية والطيران والفنادق، بخلاف أزمة الوقود، حتى التجارة التبادلية مع دول الجوار أغلقت غالبيتها. ويرى «النحاس»، فى تصريحه لـ«المصرى لايت»، أن المشكلة تتعلق فيما يخص اعتماد المملكة على توسيع الاستثمارات فى الربع الأخير من السنة، فبعد أن دشنت عددا من المشروعات وصدور هذه القرارات ستسحب من ميزانية مشروعات أخرى لمعالجة هذا الخلل، أو الاستدانة من الخارج، كما أن الخسائر ستمتد للربع الثانى من السنة: «العالم جميعه فى قلق». رغم ما سبق، يعتبر «النحاس» أن حركة الحج لن تتأثر حال عدم حظر المملكة على الأجانب أداء المناسك على أراضيها، لأن الحجاج والمعتمرين يتوجهون إلى السعودية بغرض الدعاء، فيطلبون الحماية من الله، وهو ما حدث فى فترة انتشار مرض سارس: «كانوا بيرورحوا عادى خالص بأرقام كبيرة». ينوه «النحاس» بأن الأزمة ستنعكس كذلك على الداخل المصرى، فالبعض حجز تذاكر الطيران بجانب فترة الإقامة بالفنادق، وهنا السؤال يدور حول إلغاء مثل هذه الحجوزات، وما ستنوى شركات السياحة فعله إزاء الحجاج والمعتمرين فى مصر: «الاحتكاكات فيما يخص هذا الشأن لن تظهر بعد، الناس حجزت عمرة رجب من شهر ودفعوا عربون، هل يتحمل الخسائر المواطن أم شركات السياحة أم الغرف التجارية؟». وألقى القرار السعودى بظلاله على المصريين سريعًا، ففى ساعة مبكرة من صباح الخميس عاد أكثر من 500 معتمر إلى منازلهم قبل تحركهم إلى الأراضى المقدسة بمطار القاهرة، كان من بينهم المواطن عمرو طلعت، الذى خاب رجاؤه، بعدما كان قاب قوسيين أو أدنى من الصعود للطائرة المتجهة إلى المملكة. يروى «طلعت»، لـ«المصرى لايت» أن مشاعر الصدمة سيطرت على الموجودين بصالة المعتمرين بمطار القاهرة الدولى كافة، بعدما أبلغهم المسؤولين بتطبيق القرار الذى اتخذته المملكة بحق جميع الركاب: «كنا جميعًا فى حالة استنكار تام ثم حدث انهيار جماعى وبدأنا فى البكاء». ويتابع «طلعت» حديثه قائلًا إن المشهد الدرامى الذى حدث بمطار القاهرة، اكتملت فصوله بتعرض عدد من المسنين للإغماء من فرط الحزن: «كلهم كانوا منهارين من العياط وأنينهم كان يقطع القلب وكانوا بيرددوا أنهم مش ضامنين ممكن الفرصة دى تجيلهم تانى فى السنين الباقية من عمرهم ولا لأ». ويسترسل «طلعت» روايته معبرًا عن المعاناة التى لقيها المعتمرون الممنوعون من الوصول للأراضى السعودية، فمصير الأموال التى دفعوها للحصول على التأشيرة وتذاكر الطيران ومصاريف الإقامة وحجز الفنادق غامضًا: «أقل واحد فينا دفع 25 ألف جنيه وفى الآخر مش عارفين ولا نعمل عمره ولا حتى ناخد فلوسنا، لا عارفين نطول بلح الشام ولا عنب اليمن». وفى وقت لاحق، أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن تعليق المملكة العربية السعودية المؤقت لمنح تأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوى الشريف يندرج تحت قاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة». وأوضح وزير الأوقاف، فى بيان، أن قرار المملكة العربية السعودية له ما يبرره من مشروعية الحفاظ على الأرواح ودفع ما يعرضها للخطر المحقق أو الغالب على الظن، فى ضوء بيان الخارجية السعودية، الذى أكد أن هذا الإجراء احترازى مؤقت يهدف للإسهام فى كبح جماح انتشار فيروس «كورونا»، وأن هذا الإجراء سيخضع لإعادة التقييم المستمر، ولاسيما أن الجميع يعلم أن الأماكن الأكثر ازدحامًا أكثر عرضة لانتشار هذا الفيروس وفق ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية. واختتم الوزير: «نسأل الله عز وجل أن يرفع كل بلاء عن البشرية أجمعين، وأن يحفظ مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين من كل داء أو بلاء». جدير بالذكر أن المملكة السعودية أكدت على أن هذه الإجراءات مؤقتة، وتخضع للتقييم المستمر من قبل الجهات المختصة، كما تجدد دعمها لكافة الإجراءات الدولية المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا. وأشارت الخارجية السعودية إلى أن الجهات الصحية المختصة تتابع عن كثب تطورات انتشار فيروس كورونا المستجد، مؤكدة حرص المملكة على تطبيق المعايير الدولية المعتمدة لوقف انتشار الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه.

مشاركة :