ورطة أردوغان تتعمّق في إدلب بعد مقتل عشرات الجنود الأتراك

  • 2/29/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وضع مقتل العشرات من الجنود الأتراك في إدلب، الرئيس رجب طيب أردوغان أمام خيارات محدودة في ضوء تهديداته المتواصلة حيث جعلت نظامه يتخبط في ردود الفعل على تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا. وقتل 34 جنديًا تركيًا على الأقل الخميس في غارات جوية في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا نسبتها أنقرة إلى دمشق، فيما ردّت تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي مساء اليوم نفسه مستهدفةً مواقع للنظام السوري. وفي توضيح روسي، أكدت وزارة الدفاع الروسية الجمعة أن القصف السوري في إدلب كان موجها ضد المسلحين الإرهابيين، وتبين لاحقا أن صفوفهم ضمت عسكريين أتراكا. وأشارت الوزارة إلى أن الجانب التركي لم يقدم لموسكو معلومات عن تواجد عسكرييه في إدلب، مضيفة أنه لم يكن مفترضا أن تتواجد أي وحدات تركية في منطقة القصف. وأضافت الوزارة أن الطائرات الحربية الروسية لم تنفذ أي مهام في المنطقة التي تعرض فيها العسكريون الأتراك للقصف، وأن موسكو فعلت ما في وسعها لضمان وقف إطلاق للنار من جانب الجيش السوري للسماح للقوات بالإجلاء. وتحاصر قوات الحكومة السورية مئات آخرين من الجنود الأتراك الموجودين في مواقع المراقبة بعد اجتياحها إدلب تحت غطاء ضربات جوية روسية مكثفة. واحتدم القتال في الأيام الماضية، وقال التلفزيون الرسمي الروسي مساء الخميس إن عسكريين أتراكا في إدلب يستخدمون صواريخ محمولة على الكتف في محاولة لإسقاط طائرات حربية روسية وسورية. وعلى خلفية التطورات الميدانية المتسارعة في الساعات الـ 24 الماضية في إدلب، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلق بالغ" إزاء تصعيد القتال في شمال غربي سوريا وجدد دعوته إلى وقف إطلاق النار. فيما طالبت الولايات المتحدة النظام السوري وحليفته روسيا بإنهاء "هجومهما الشنيع" في محافظة إدلب، وقال متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان "نحن ندعم تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، ونواصل الدعوة إلى وقف فوري لهذا الهجوم الشنيع لنظام الأسد وروسيا والقوات المدعومة من إيران"، وأضاف "نحن ندرس أفضل الطرق لمساعدة تركيا في هذه الأزمة". وندّد الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ بـ"الغارات الجوية العشوائية للنظام السوري وحليفه الروسي" في إدلب، داعيا إلى "خفض التصعيد". وقال متحدث باسم الحلف إن ستولتنبرغ تحادث مع وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو ودعا دمشق وموسكو إلى "وقف هجومهما". كما "حض جميع الأطراف على خفض التصعيد (...) وتجنب زيادة تفاقم الوضع الإنساني المروع في المنطقة". وعقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس اجتماعا أمنياً استثنائيا حول الوضع في شمال غرب سوريا. وحضر الاجتماع الأمني كل من وزير الدفاع خلوصي أكار ووزير الخارجية مولود تشاويش اوغلو ورئيس الأركان الجنرال يشار غولر ورئيس المخابرات حقان فيدان، بحسب ما ذكرت قناة "إن تي في". التلويح بورقة المهاجرين يرى مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون ومحللون إن أردوغان، وفي ظل التفوق الجوي الروسي في إدلب، سيختار على الأرجح إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع بوتين يضطر بموجبه إلى التراجع عن تهديده المتكرر بشن هجوم جديد لكنه سيحفظ ماء وجهه بالفوز بدور في تقرير مستقبل سوريا وفي إدارة أزمة المهاجرين. وأدخلت أنقرة ورقة اللاجئين السوريين مجدداً على خط الصراع في المنطقة، وكوسيلة ضغط على الأوروبيين، قال مسؤول تركي كبير في هذا السياقإن بلاده التي تواجه موجة جديدة من المهاجرين السوريين، والتي قُتل العشرات من جنودها في إدلب، لن تمنع اللاجئين السوريين بعد الآن من الوصول إلى أوروبا. وقال المسؤول التركي إن أوامر صدرت لقوات الشرطة وخفر السواحل وأمن الحدود التركية بعدم اعتراض اللاجئين برا أو بحرا في ظل توقعات بوفود وشيك للاجئين من إدلب. وقال المسؤول طالبا عدم ذكر اسمه "قررنا اعتبارا من الآن عدم منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا برا أو بحرا". وأضاف "أصبح عبور كل اللاجئين، بما في ذلك السوريون، إلى الاتحاد الأوروبي مرحبا به". وتابع قائلا إن ثقل عبء استضافة اللاجئين "لا يمكن لدولة واحدة أن تتحمله". ويعد التلويح بفتح الطريق أمام اللاجئين للوصول إلى أوروبا، في حال تنفيذه، تراجعا من جانب تركيا عن تعهد قطعته للاتحاد الأوروبي عام 2016 وقد يجذب القوى الغربية سريعا إلى الدخول في المواجهة بخصوص إدلب وفي المفاوضات المتعثرة بين أنقرة وموسكو. ونزح قرابة مليون مدني في إدلب قرب الحدود التركية منذ ديسمبر مع انتزاع القوات الحكومية المدعومة من روسيا مساحات من الأراضي من مقاتلي المعارضة السوريين المدعومين من تركيا مما يمثل أسوأ أزمة إنسانية في الحرب المستمرة منذ تسع سنوات. ومع تصاعد وتيرة القتال على عدد من الجبهات الخميس، قالت الأمم المتحدة إن عواقبه الإنسانية "كارثية" حيث قُتل ما لا يقل عن 134 مدنيا، بينهم 44 طفلا، في شهر فبراير شباط وحده كما دُمرت مدارس ومستشفيات. خيارات محدودة لأردوغان يقول مسؤولون في الحكومة التركية ومصادر أخرى إن أردوغان يشعر بصدمة من تقدم روسيا في منطقة إدلب السورية وزيادة مخاطر اندلاع صراع شامل لكنه لا يزال يأمل في التوصل لاتفاق مع موسكو قد يتيح مجالا للخروج من الأزمة. وحذر أردوغان مرارا من أن تركيا، التي تدعم مقاتلين من المعارضة المسلحة في المحافظة الواقعة بشمال غرب سوريا، ستطرد القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد من المناطق التي سيطرت عليها في الأشهر الماضية إذا لم تنسحب بنهاية فبراير شباط. لكن مع اقتراب الموعد النهائي الذي يحل يوم السبت، استمر الهجوم السوري المدعوم من روسيا وواصل مكاسبه على الأرض ومن غير المتوقع أن تسفر جولة محادثات ثالثة بين أنقرة وموسكو هذا الأسبوع عن تحقيق انفراجة سريعة. وتقول الحكومة التركية ومسؤولون في جماعات المعارضة السورية المسلحة ودبلوماسيون ومحللون إنه وفي ظل احتمال شن عملية عسكرية شاملة بدعم تركي بناء على المفاوضات مع روسيا إلا أن من المرجح أكثر في هذه المرحلة أن يوافق أردوغان على اتفاق مع موسكو يسحب بموجبه بعض الوجود العسكري في مقابل دور تركي في تحديد مستقبل سوريا. وتأتي الخسائر الفادحة التي تكبّدتها أنقرة الخميس، بعد أسابيع من التصعيد في إدلب بين القوات التركية وقوات النظام السوري التي اشتبكت بشكل متكرر. وأدّت عمليّات القصف الدمويّة إلى ارتفاع عدد الجنود الأتراك الذين قُتلوا في إدلب في فبراير إلى 49 على الأقلّ، وهي تهدّد أيضا بتوسيع الفجوة بين أنقرة وموسكو التي تُعتبر الداعم الرئيسي للنظام السوري. وانتهت الخميس في أنقرة جولة جديدة من المحادثات بين الروس والأتراك تهدف إلى إيجاد حل للأزمة في إدلب، من دون الإعلان عن أي نتيجة. وتزامنا استعادت الفصائل المقاتلة على رأسها هيئة تحرير الشام السيطرة الخميس على مدينة سراقب ذات الموقع الاستراتيجي في شمال غرب سوريا، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرة قوات النظام عليها، في تراجع ميداني يعد الأبرز لدمشق منذ بدء تصعيدها في المنطقة. وبرغم الهجوم المضاد، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان باستعادة النظام 20 بلدة وقرية في المحافظة. وتقع سراقب التي كان النظام سيطر عليها في 8 فبراير عند تقاطع طريقين سريعين تريد دمشق السيطرة عليهما لتعزيز السيطرة في شمال البلاد. ولكن باستعادتها، تكون الفصائل المسلحة قطعت الطريق السريع "ام-5" الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حلب. وتسيطر قوات الحكومة السورية حاليا على نحو نصف محافظة إدلب وتعهد الأسد مرارا من قبل بأنه سيستعيد السيطرة على كل شبر من البلاد. لكن تركيا ما زالت تأمل في التوصل لاتفاق. وكان أردوغان يرغب في عقد اجتماع مع نظرائه في روسيا وألمانيا وفرنسا يوم الخامس من مارس لكن الكرملين قال الخميس إن بوتين ليس لديه خطط للاجتماع في ذلك التاريخ. ونددت ألمانيا وفرنسا بالأزمة الإنسانية وحثتا على إنهاء الصراع. وقال مسؤول تركي آخر إن من المستبعد التوصل إلى حل نهائي قبل السادس من مارس وهو موعد مقترح لقمة تركية-روسية-إيرانية بشأن إدلب. ولم يعلق الكرملين بعد على فرص وقف إطلاق النار. وقال فلاديمير فرولوف، وهو دبلوماسي روسي سابق، إن موقف روسيا هو سيطرة الأسد على سوريا بالكامل مع احتمال وجود شريط ضيق في إدلب على طول الحدود التركية يخضع جزئيا لسيطرة أردوغان مع مراقبة شرطية روسية. لكن محللين ودبلوماسيين ومسؤولين في أنقرة يرون أن تركيا لن تقبل بذلك. وقال سنان أولجن، وهو دبلوماسي تركي سابق ويرأس حاليا مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية، وهي مؤسسة بحثية مقرها اسطنبول، "ليس لدى تركيا أي خيارات جيدة من الآن فصاعدا... لذلك إذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق النار قريبا، فإن تركيا ستحارب". لكن أنقرة ستواجه مخاطر كبيرة إذا شنت الهجوم في ظل الهيمنة الجوية الروسية. وعلى الرغم من أن الجيش التركي هو ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي إلا أنه سيعتمد في الغالب على وحدات مدفعية قرب الحدود نظرا لعدم امتلاكه دفاعات أميركية سطح-جو بعد أن آثرت أنقرة في العام الماضي شراء منظومة إس-400 الروسية.

مشاركة :