«الديوان الإسبرطي» رواية التَّخييل والسَّرد الرفيع

  • 3/1/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ينفرد الكاتب والروائي الجزائري الشّاب عبد الوهاب عيساوي في روايته الصادرة عن دار ميم للنشر في الجزائر، والمعتمدة رسمياً في القائمة القصيرة لـ«البوكر» 2020، بأنّه صاغ عملاً أدبياً تاريخياً رفيعاً، وظف في بنيته كل الجوانب الفنية والتوثيقية والفكرية في سرد بديع، كوسائل ولواحق مكرّسة حصراً لاستهداف التاريخ وتخييله في الرواية، وهذا هو الأصل في بنية الرواية التاريخية التي لا توظف التاريخ من أجل عرض خارج عن مداره، وإنما تقوم بتسريد كل شيء في الفضاء الفني من أجل تخييل التاريخ روائياً. تدور أحداث الرواية التي تقع في 388 صفحة، حول موضوع الحملة الفرنسية على الجزائر وحيثياتها في ذاكرة مهندسيها الفرنسيين منذ خسارة نابليون بونابرت لمعركة واترلو (1815)، فيما تهيمن على أحداث الرواية ثلاثة أطراف هي: الفرنسي والتركي والجزائري، حيث تتشابك خمس شخصيات في فضاء زمني ما بين 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة (الجزائر حالياً)، أولها الصحفي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحفي، وكافيار الذي كان جندياً في جيش نابليون ليجد نفسه أسيراً في الجزائر، ثم مخططاً للحملة، وثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، كما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين، يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما حمّة السلّاوي يرى الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير، أما دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، فتنظر إلى تحولات المحروسة ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءاً منها. تضيف رواية الديوان الأسبرطي بكل ما تتمتع به من فكر متقدم وبناء سردي فريد (البناء الدائري) فصلاً مهماً من فصول الرواية التاريخية العربية والجزائرية بتقديمها لتوليفة من اللوحات التاريخية والمشاهد الحية في صور تخييلية عميقة الارتباط بالتاريخ، من دون أن تخون التاريخ وحوادثه وشخصياته في شيء، ومن دون أن يخونها التخييل السردي في تقديم رؤية متعددة الأبعاد لفترة تاريخية متداخلة الأحداث، بأنفاس سردية جارفة تحمل الكثير من التشويق. يتجاوز عيساوي في روايته هذه السائد في ما سبقه من كتابات في هذا الموضوع الشائك، فهو لا يورّط نفسه في عرض وجهات النظر المتعارضة، ولكنه يوكل هذه المهمة بكل اقتدار لشخصيات روايته التي اعتمد فيها على تقنية «تعدد الأصوات» وإن كان يبقي دوره الكبير والأهم في اختيار هذه الشخصيات بدقة، وقد أراد لها تمثيل كل طبقة أو فئة من فئات المجتمع.

مشاركة :