واشنطن (رويترز) - تلقت مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفوز بولاية رئاسية ثانية دفعة يوم السبت بتوقيع اتفاق مع حركة طالبان يقضي بسحب القوات من أفغانستان لكن الأمر قد يستغرق وقتا، ربما سنوات، قبل عودة كل الجنود إلى أرض الوطن من أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة. والاتفاق الذي وقع يوم السبت في العاصمة القطرية الدوحة نتاج أكثر من عام من المحادثات المتقطعة، ويسمح لترامب بإعلان تحقيق نجاح كبير في السياسة الخارجية وهو إنجاز لم يتمكن من تحقيقه في كوريا الشمالية وفي فنزويلا وإيران وملفات أخرى مهمة. لكن الاتفاق قد يواجه العديد من العقبات المحتملة مثل إفساده من منشقين من قيادات حركة طالبان. وعلى الرغم من أن الرئيس الجمهوري، أو من قد يتغلب عليه من المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني، يمكنه أن يأمر بسحب القوات بالكامل قبل تحقيق السلام، إلا أن ذلك سيمثل مجازفة باستيلاء طالبان على زمام الأمور وعودة متشددي تنظيم القاعدة للظهور مما قد يتطلب تدخلا أمريكيا جديدا. وقال سيث جونز، المستشار السابق للقوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان والباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ”الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية يثير احتمال تحول أفغانستان لملاذ آمن آخر للمنظمات الإرهابية في عهد حكومة من طالبان... لا تزال تربط طالبان علاقة وثيقة بالقاعدة“. ويدعو الاتفاق الموقع في قطر لانسحاب مبدئي للقوات الأمريكية بحيث ينخفض عددها من نحو 13 ألفا حاليا إلى 8600 خلال 135 يوما. لكن الاتفاق يربط سحب مزيد من القوات بتنفيذ طالبان لالتزامات قد تجدها صعبة خاصة قطع علاقة قائمة منذ عقود بتنظيم القاعدة وجماعات متشددة أخرى، وهي تتسم بالعمق الشديد لدرجة علاقات المصاهرة. وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب طلب عدم ذكر اسمه ”التزامنا بتنفيذ خفض القوات مرتبط بأفعال طالبان فيما يخص التزاماتها بموجب الاتفاق الذي يشمل بشكل مفصل التزامات بمكافحة الإرهاب... سنكون من يراقبون ما تفعله طالبان ونحدد ما إذا كانت تفي بالتزاماتها أم لا“. وشدد مسؤولون أمريكيون أيضا على أن وتيرة خفض عدد القوات ستعتمد على التقدم في المحادثات بين الأطراف الأفغانية التي من المقرر أن تلي خطوة توقيع الاتفاق يوم السبت. وقال المسؤول في الإدارة الأمريكية ”الأمر الجوهري يتعلق بمكافحة الإرهاب مقابل خفض القوات... لكن الاتفاق يدعوهم (طالبان) أيضا للدخول في مفاوضات وأن يكونوا جادين في تلك المفاوضات“ بما يشمل السعي سريعا إلى ”وقف شامل ودائم لإطلاق النار“. وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في كابول يوم السبت إن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة بدعم قوات الأمن الأفغانية مشيرا إلى أن الطريق لن يكون ممهدا رغم أن توقيع الاتفاق التاريخي خطوة جيدة. وأضاف إسبر وهو بجوار الرئيس الأفغاني أشرف غني والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج ”هذه لحظة مفعمة بالأمل لكن هذه هي البداية فحسب. الطريق لن يكون سهلا. سيتطلب تحقيق السلام الدائم في أفغانستان الصبر والتنازل من جميع الأطراف“. وتابع قائلا ”إذا التزمت طالبان بالاتفاق فإن الولايات المتحدة ستبدأ خفضا مشروطا، وأكرر مشروطا، للقوات“. لكنه أضاف أنه إذا لم تف الحركة بالتزاماتها فإن واشنطن لن تترد في إلغاء الاتفاق. وفي الدوحة قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إنه يتعين على طالبان الوفاء بتعهدها بقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة ومواصلة قتال تنظيم الدولة الإسلامية. كما دعا الحركة إلى القبول بما حققته النساء والفتيات من تقدم في أفغانستان منذ 2001. ويحذر بعض الخبراء من أن مفاوضات السلام التي من المقرر أن تفتتح في أوسلو بحلول العاشر من مارس آذار قد تستمر لسنوات بسبب الخلافات الفكرية والسياسية العميقة بين الأطراف الأفغانية. وحتى قبل الوصول لمرحلة المحادثات مع طالبان، يتعين على الخصمين السياسيين الرئيسيين في أفغانستان وهما الرئيس أشرف غني ومنافسه ونائبه السابق عبد الله عبدالله تسوية خلاف مستمر منذ فترة طويلة بشأن اختيار المسؤولين وشخصيات المعارضة والمجتمع المدني الذين سيتفاوضون مع طالبان. وزادت تلك العملية تعقيدا الشهر الماضي عندما أعلن الخصمان الفوز في انتخابات الرئاسة التي جرت في 28 سبتمبر أيلول والتي ما زالت نتيجتها محل خلاف. * دبلوماسية مكوكية سيكون مطلب قطع طالبان لصلاتها بالقاعدة أصعب شرط في الاتفاق لتنفيذه من جانب الحركة وللتحقق منه من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية. وخططت القاعدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 على الولايات المتحدة والتي أسفرت عن مقتل نحو 3000 شخص وتم ذلك في عهد حكام من طالبان في أفغانستان. وأسفر الغزو بقيادة الولايات المتحدة لأفغانستان بعد تلك الهجمات عن الإطاحة بحكومة طالبان من السلطة. ويقول خبراء إن أفرادا من تنظيم القاعدة تربطهم علاقات مصاهرة بأسر من حركة طالبان وأنهم قاموا بتدريب مقاتليهم ويتمتعون بالحماية بموجب الأعراف القبلية للبشتون. وذكر تقرير للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني أن ممثلين للقاعدة كانوا يقومون بجهود مكوكية بين الفصائل المختلفة لطالبان وقادتها الميدانيين لحثهم على رفض المفاوضات مع الحكومة الأفغانية مع وعود بزيادة الدعم المالي لهم إذا وافقوا على ذلك. وقال التقرير ”إذا تم التوصل لاتفاق للسلام تعتزم القاعدة الدفع بحجج جديدة لتبرير مواصلة الصراع المسلح في أفغانستان“. وأشار التقرير إلى وجود زهاء 600 مقاتل من القاعدة في أفغانستان. ينطبق الاتفاق على المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان الأفغانية فقط ولا يشمل ملاذات آمنة للمسلحين يحتمون بها منذ عقود ومنها مناطق في باكستان المجاورة حيث يعتقد أن قادتهم يحافظون على صلات بالقاعدة وجماعات متشددة أخرى. وشكك مصدر في الحكومة البريطانية طلب عدم ذكر اسمه في أن تقطع طالبان صلتها تماما بالقاعدة. وقال ”طالبان بالأساس لا تريد سوى خروج الولايات المتحدة وتتعهد بأمور قد لا تتحقق كي تصل لهذا الهدف... سأندهش إذا نأوا بأنفسهم (عن الجماعات المتشددة) بشكل تام وكامل وبنزاهة. سأندهش بشدة“.
مشاركة :