أظهرت نتائج أبحاث يجريها فريق من الجامعة الأمريكية في بيروت منذ 10 سنوات عن النرجيلة، وتركيبتها، والمواد الصادرة عنها نتائج كارثية حتى الآن تثبت أن أضرارها تفوق تدخين السجائر بكثير. كان استخدام النرجيلة قد ازدهر بدءاً من ثمانينات القرن الماضي، ولا تزال الأبحاث عن أسباب انتشارها في أوساط مجتمعية مختلفة مستمرة من دون الوصول إلى نتائج قاطعة. ومع تمدد انتشارها ووصولها إلى الولايات المتحدة وكندا، بدأ المعنيون يتساءلون عن مدى أضرارها، وما يمكن أن تسببه لهم من تكاليف يفترض بهم صرفها على صحة مواطنيهم، فمولوا الأبحاث عنها، وعن نتائجها. ووفقاً للدكتورة نجاة صليبا من فريق أساتذة في الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن طبيباً هندياً طوّر فكرة النرجيلة، بعد أن ظنّ أن هذه الطريقة في التدخين من شأنها أن تخفف أضراره، لأن الدخان يعبر بالماء في مستوعب النرجيلة، ما يؤدي إلى تصفية المواد المحترقة في المياه. لكن الأبحاث التي أجريت على النرجيلة بعد ذلك أظهرت خطأ هذا الاعتقاد جملة وتفصيلاً، حيث اتضح أن النرجيلة مضرة للغاية، ما فتح السجال مجدداً عن أي من الاثنتين أكثر ضرراً، النرجيلة أم السيجارة، ليتبين أن الاثنتين مضرتان، لكن النرجيلة أكثر ضرراً بما لا يقارن. وتحدثت الدكتورة صليبا عن الدراسة التي بدأت في الجامعة الأمريكية ببيروت منذ عشر سنوات، وبدأت في كلية الصحة العامة في الجامعة، وقالت: بدأت الدراسة بإحصائية حول أي الفئات التي تنتشر فيها النرجيلة أكثر: الكبار أم الصغار؟ والنساء أم الرجال؟ فتبين أن الأولاد يميلون كثيراً لها أكثر من الكبار، وأن العديد من الأمهات يسمحن لأولادهن بتعاطي النرجيلة، وهذا ما كان مفاجئاً لنا كثيراً. وعن تمويل الدراسة وخلفياتها أوضحت الدكتورة صليبا: هذا مشروع كبير بدأ في كندا بعد أن لاحظ الكنديون أن هناك انتشاراً واسعاً للنرجيلة عندهم، وأحبوا أن يعرفوا الأسباب. وكلفوا فريقاً من الجامعة الأمريكية للقيام بالمهمة، ثم جاءنا تمويل من سلطات الولايات المتحدة الأمريكية لأنهم لاحظوا انتشار النرجيلة عندهم بشكل واسع النطاق، وأرادوا معرفة تأثيرها في الشباب عندهم، حتى يعرفوا كم يكلفهم ذلك من أضرار وطبابة. وأضافت: انطلقنا من السؤال الأول وهو أن الناس يعتقدون أن النرجيلة أخف ضرراً من السيجارة، وباعتقادهم أن دخانها متى عبر بالماء، تمت تصفيته فيه، ولا يتبقى من الدخان إلا البخار، وبالتالي لا تكون مؤذية. وعندما بحثنا في صحة هذا المفهوم، تبين أولاً أن النرجيلة بتركيبتها وبطريقة حرقها للمادة تختلف بالكامل عن السيجارة، فالسيجارة تشتعل بينما توضع المادة على رأس النرجيلة وعليها الجمرة، ويعبر الدخان بخرطوم طويل داخلها، ثم يمر بالماء، ويخرج الدخان من الماء مجدداً إلى خرطوم يصل إلى الفم. وأوضحت أن النتائج التي ظهرت لم تكن في حسبان الباحثين، مضيفة: أولاً، تبين أن هناك مواد مسرطنة أكثر بعشرين مرة من السيجارة. حيث فوجئنا بأنه عندما توضع الفحمة لا تحرق بحرارة على مستوى السيجارة. فالسيجارة تحرق التبغ بحرارة 900 درجة، بينما النرجيلة تحرق التبغ بحرارة400 درجة مئوية. والفارق بدرجات الاحتراق يغير كل الأمور، وبذلك صار من الخطأ مقارنة السيجارة بالنرجيلة. فهناك مواد سامة مختلفة، وهناك طرق مختلفة لإصدارها. وتابعت قائلة: كما بينت الدراسات أن الفحم يؤثر في خروج المواد الضارة المسرطنة، فهناك مواد تسمى ألدهيد Aldehydes مثل الفورمالديهايد Formaldehyde وهي مادة خانقة. كما تركزت الدراسة على ما يعرف بالمعسل، وليس على التنباك التقليدي، والسبب أن الرائج هو المعسل. وعما ينتج عن المعسل، قالت صليبا إنه يصدر مادة تصنف علميا بالقطران، أو الزفت، وهذه المادة لا يمكن تصفيتها، ولا تذوب بالمياه، وبما أننا نحرق الكثير من السكر، يصدر الكثير من الألدهيد ومنه مادة الفورمالديهايد الخانقة، وهناك مادة الأسِيتالدِهيد Acetyldehyde وهي مادة غير خانقة، لكنها بتفاعلها مع النيكوتين تسبب تعلقاً أكبر بالدخان. وما يقال عن أن النرجيلة لا تسبب الإدمان خاطئ، فقد تبين معنا أن تفاعل الأسِيتالدِهيد مع النيكوتين هو أكبر بكثير في النرجيلة من السيجارة. واستنتجنا أن الناس بسبب ذلك يدمنون على النرجيلة كما يدمنون على السيجارة. ورداً على سؤال قالت: لا نعرف إن كان مروجو النرجيلة قد خططوا لذلك، لكن ما هو جازم أن المعسل أصبح شبيهاً بالموضة الرائجة، وهذه الموضة ثبت أنها مؤذية إلى حد كبير. والاحتراق على 400 درجة يصدر مواد خطرة. وأشارت إلى دراسات أخرى أجريت في ألمانيا بنفس الطريقة، وقالت إنها وجدت أن هناك مواد سامة في النرجيلة ليست موجودة في السيجارة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: النيتروسامين Nitrosamine المضرة جداً بالصحة، وهي مكونة من النيتروجين والآمين، وهو مركب يحل فيه جذر هيدروكربوني أو أكثر محل الهيدروجين في الأمونيا، وهناك مادة اسمها الفورانس Furans وهي مادة سامة أيضاً. لكن هناك الكثير من المواد الأخرى، المضرة جداً والتي لا تبقى في المياه، وما يؤكد أن المواد لا تذوب في الماء، هو أن الفقاعات التي تحمل المواد، تستغرق لحظات قليلة لا تكفي لتذويب المواد بالمياه. كما أشارت الدكتورة صليبا إلى عناصر أخرى ظهرت في الأبحاث على النرجيلة، منها أن الجزيئيات التي تصدر من الدخان، فيها جزيئيات صغيرة جداً لا نستطيع ملاحظتها، وهي تمكث في الرئتين، وهذه الجزيئيات تخف عندما تضعف الجمرة، لكنها تشتد من جديد عند تغييرها، ففي السيجارة تخف هذه الجزيئيات تدريجياً، أما في النرجيلة فإنه بتغيير الجمرة، يعزز الإنسان مقدار المواد السامة التي تدخل إلى الجسم طالما أن الإنسان يقوم بتدخين النرجيلة. وأكدت الدكتورة صليبا أن الأكثر إشكالية لدى الباحثين هو سماح الأهل في بعض الدول العربية، ومنها لبنان، لأبنائهم بتدخين النرجيلة حتى ولو كانوا بعمر 13 سنة. وهناك إشكالية أخرى وهي أن تدخين النرجيلة مقبول اجتماعياً من قبل النساء، والسيجارة غير مقبولة. وانتهت إلى ملاحظة أن النرجيلة أصبحت عاملاً اجتماعياً تجتمع عليه مجموعات من الناس، وقد ازدادت انتشاراً عندما أصبحت المرأة راضية بأن تمضي الساعات وهي تدخن النرجيلة، وبذلك صارت تتقبل أن يقوم ابنها أو ابنتها بالأمر عينه. جدير بالذكر أن سبع جامعات في العالم تتابع موضوع النرجيلة، وتنسق الجامعة الأمريكية في بيروت معها، ومنها جامعة فرجينيا كومنولث وسواها، وجامعة في الأردن، ومركز متخصص للدخان في سوريا. وقد وجدت دراسة أردنية أن الرأس الواحد من النرجيلة يعادل ما بين 40 -60 سيجارة، وأن المعسل المستخدم ما هو إلاّ فواكه متعفنة تؤخذ زيوتها، وعند حرقها تسبب أضراراً كبيرة. كما وجدت الدراسة التي أجراها باحثون من الجامعة الأردنية أن الخراطيم المستخدمة في النرجيلة لا يتم تنظيفها على الوجه المطلوب، فضلاً عن التعقيم، مشيرة إلى أن مقاهي تدخين النرجيلة تعمل من الناحية النظرية على تنظيفها بشكل أسبوعي، وهذا لا يكفي للقضاء على الجراثيم، وفي حال وجود طلب على النرجيلة فإنها تقدم بدون تنظيف، ويمكن بسهولة ملاحظة هذا الأمر بمراقبة السلوك المتبع في تقديم النرجيلة. وأكدت الدراسة أن ظاهرة انتشار النرجيلة بين الناس والهوس الشديد بها، هي أسباب تؤدي إلى زيادة نسب الإصابة بمرض السل بشكل كبير وتنشيط العدوى ويمكن لجرثومة المرض أن تعيش في خرطوم النرجيلة لشهور وسنين، بالاضافة الى أن تدخين النرجيلة يعمل على اضعاف جهاز المناعة والخلايا في الجهاز التنفسي، ويقلل من مناعة الغشاء المخاطي. وأشارت الدراسة إلى أن اعتقاد البعض أن مبسم الخرطوم الذي يصل إلى الفم يمنع انتقال الأمراض هو ظن خاطئ، موضحة أن المشكلة تكمن في النرجيلة وجميع مكوناتها، وليس في الخرطوم فقط. كما أن النرجيلة باتت تسبب أمراضاً خطرة ومعدية، من خلال التبغ المستخدم والمواد الملونة والنكهات المختلفة ومادة الجليسرين المسرطنة، وخرطوم النرجيلة الناقل للأمراض المعدية، بحسب دراسات عالمية وبناءً على دراسات حديثة أجريت في مصر أثبتت أن جرثومة السل تعيش داخل النرجيلة. وقد خلصت دراسات أخرى إلى أن دخان النرجيلة يسبب سرطان الرئة مثله مثل دخان السجائر، فكل دورة للنرجيلة (بالعامية نفس) يدوم عادة أكثر من 40 دقيقة، ويتكون من 50-200 استنشاق, وكل استنشاق هو 0.15-0.50 ليتر من الدخان في جلسة التدخين التي تستمر لمدة ساعة من النرجيلة، أما تدخين النرجيلة في جلسة من 45 دقيقة فيؤدي إلى استنشاق المدخن 7.1 مرة من النيكوتين من سيجارة واحدة. كما أن استخدام الماء لتصفية الدخان لا يزيل جميع المواد الكيميائية الضارة. كما أن تدخينها لفترة تتراوح بين 30 و60 دقيقة يعادل علبة من السجائر، وذلك بسبب هذه الكمية الكبيرة من التبغ النقي. ومن خلال مقارنة مدخن السيجارة بمدخن النرجيلة فإن مدخني النرجيلة يتعرضون لكميات أكبر من النيكوتين وأول أكسيد الكربون، بالإضافة إلى سموم أخرى تكون موجودة في السجائر. وفي دراسة أجريت في كلية الطب في الجامعة الأردنية في عمان، تبين أن نسبة تركيز النيكوتين والكوتينين إحدى المواد التي ينتجها النيكوتين في الجسم تصل إلى مستويات عالية بعد تدخين النرجيلة، ما يؤكد أن النرجيلة تتسبب في أضرار جسيمة. وهنالك أيضاً ظاهرة أمراض الجلد، ومنها ما يطلق عليه اسم إكزيما مدخني النرجيلة، والتي تظهر على الأصابع التي يمسك بها المدخن خرطوم النرجيلة. وفي دراسة أجريت على النساء الحوامل في لبنان، تبين أن تدخين النرجيلة له تأثير سلبي في وزن المولود، مثله مثل التدخين العادي، كما تبين أن خطر ولادة طفل ناقص الوزن هي أكبر لدى النساء الحوامل المدخنات منه عند النساء غير المدخنات، ويزداد التأثير بشكل ملموس عند النساء اللواتي بدأن بتدخين النرجيلة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. كما تبين أيضاً أن تأثير تدخين النرجيلة في المولود يمتد إلى مرحلة ما بعد الولادة ويؤدي إلى إصابته بضيق في التنفس.
مشاركة :