((وطن يناور الحقيقة... وطن يملك نسخًا متعددة، كما يمتلك حق تواجه المنفرد.. أوطان تلاصقت واختفت معالمها حتى باتت تضيق وتخنق ناسها، مدن متخيلة لا وجود لها)) بهذه الثيمة تنطلق مركزية رواية (وطن مزور) للروائية الكويتية عائشة عدنان المحمود, فهي رواية تبحث عن سؤال أزمة الهوية والمواطنة والضياع ما بين الوطن الأصلي والوطن المهاجر له، وتناقش كذلك قضية (البدون)، وربما هذه الثيم أصبحت من مآلات الرواية الخليجية المعاصرة، ولها مرجعيات سابقة في التأطير السردي، أو الإنتاج الروائي، فهذا اسماعيل فهد اسماعيل يطرح قضية البدون في رواية (في حضرة العنقاء والخل الوفي)، وكذلك رواية الكويتي سعود السنعوسي الشهيرة (ساق البامبو) الحاصلة على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013, وكذا رواية (اصفاد من ورق) للكويتي العراقي يوسف هداي ميس، وقبل تلك الروايات هناك (مدن الملح) للسعودي عبدالرحمن منيف وغيرها، تنطلق رواية (وطن مزور) من عتبتها الصادمة، فالوطن مكان معنوي لا يمكن ان يزور، أو يزيف، ولكن قارئ أحداث هذه الرواية سيتعرف كيف يكون الوطن مزورًا، اعتمدت الساردة على تعدد زوايا السرد وتقنياتها مستخدمة لغة تفاعلية تتضمن محاورة بين السارد والمتلقي بين الشخصيات والمتلقي، أو المغايرة في السارد العليم ضمن بنية الرواية والمتسق مع السيرورة الفكرية والتحولات الاجتماعية داخل فضاء فكرة الرواية، وتقسم عائشة سردها على مراحل موضوعاتية، وزمكانية، تسير بالسرد بهدوء كبير دون تكلف وبلغة اقتصادية مبسطة، مستندة على لغة السهل الممتنع، وفي الرواية الأمكنة تتحدث، تروي، وتشارك، (البيت الطيني، الحقل، أشجار البن.... القرية الذاكرة.. الخ) وبلغة السهل الممتنع وأحيانا تختلط بلغة وسطية أو عامية، تتحدث عن حميمة البيئة الحياتية الريفية، والزراعة وما تمثله لتلك الحقبة من دلالة المنصهر جماليًا مع إبداع الوصف، فتقول في روايتها ((بعد ان انسدلت عباءة الليل فوق المكان لتبقى أصوات الطبيعة وحدها متسيدة على ما عداها، وفي الوقت الذي انبعثت فيه من البيوت الطينية المتجاورة، رائحة الحطب المشتعل، لتخلف في الهواء رائحة دفء مشوب بالهواجس)) بنية الرواية سرد لإيقاع الحياة وصعوباته والتعايش معه، على المستوى الفكري المتمثل بصراع اثبات الهوية، عبر شخوص تلك الرواية وما يواجهون من مصائر تمثل نقلات عبر المستوى الحياتي والنفسي.* ناقد وكاتب عراقي
مشاركة :